إذا كانت إسرائيل وراء اغتيال قيادي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود المبحوح في دبي فقد اختارت الموقع بشكل جيد، فدبي مركز تجاري وسياحي مشهور بانفتاحه وتقع في دولة الإمارات العربية المتحدة التي لا ترتبط بعلاقات ديبلوماسية مع إسرائيل يخشى قطعها.
وكان من شأن اختيار أماكن أخرى مثل الصين أو سورية لتنفيذ اغتيال محمود المبحوح والذي تصر الشرطة المحلية على أن إسرائيل نفذته أن يتسبب في أضرار سياسية أكبر بكثير ويواجه تحديات في التنفيذ.
وكان بإمكان المشتبه فيهم وعددهم 27 شخصا المطلوبين لدبي في اغتيال المبحوح في غرفته في فندق فخم في يناير الماضي الاندماج بسهولة بين السكان متعددي الجنسيات في دبي التي تجتذب المغتربين والسياح من مختلف أرجاء العالم.
وقال جاد شيمرون الضابط الميداني السابق في جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) «من الأسهل بكثير العمل في مكان مثل دبي عن مثلا الصومال أو السودان حيث سيلفت هذا العدد الكبير من الأجانب الأنظار على الفور».
كما أن قتل المبحوح في دمشق حيث يقيم منذ 1989 كان سيكون أكثر صعوبة بكثير نظرا لإجراءات الأمن المشددة في العاصمة السورية منذ أن قتل انفجار سيارة ملغومة عماد مغنية أحد قادة جماعة حزب الله اللبنانية في عام 2008 في عملية اغتيال ألقى حزب الله باللائمة فيها على إسرائيل.
وفي الصين التي كان المبحوح من المقرر أن يتوجه إليها بعد دبي كان من السهل للغاية تمييز فريق الاغتيال الأجنبي.
وتنفيذ الاغتيال هناك ينطوي كذلك على مخاطر سياسية بالنسبة لإسرائيل التي تربطها علاقات ديبلوماسية وتجارية مكثفة مع بكين. وقال مصطفى العاني المحلل المقيم في دبي «لكن في الإمارات ليس لديهم ما يخسرونه، لا علاقات ولا تمثيل».
والإسرائيليون لا يسمح لهم بدخول الإمارات وعلاقات دبي التجارية مع إيران تغضب الدولة اليهودية منذ فترة طويلة ويزيد هذا الغضب في ظل المواجهة بين طهران والغرب بسبب برنامجها النووي التي لا تظهر دلائل على إمكانية حلها. ومع ذلك أقيمت بعض الروابط في هدوء.
ويعني طموح الإمارات لأن تصبح مركزا عالميا للأعمال والديبلوماسية انها تراجعت في بعض الاحيان عن موقفها من إسرائيل.
ومثل حضور وزير إسرائيلي مؤتمرا في العاصمة أبوظبي في يناير الماضي أول زيارة يقوم بها وزير إسرائيلي للدولة الخليجية.
وهويات المشتبه فيهم الأوروبية والاسترالية المزورة ما كانت لتلفت الانتباه في مطار دبي الدولي الذي يستقبل نحو 40 مليون راكب سنويا، وبالنسبة لمواطني العديد من دول الاتحاد الأوروبي تقدم تأشيرات دخول الإمارات مجانا لدى الوصول إلى المطار.
وكان المبحوح الذي تقول مصادر إسرائيلية وفلسطينية انه لعب دورا رئيسيا في تهريب سلاح مولته إيران للنشطاء في غزة يشعر بارتياح في دبي حتى أنه لم يأت معه بحراسة. وقال تيودور كاراسيك من معهد التحليلات العسكرية للشرق الأدنى والخليج «الناس يأتون إلى هنا ويشعرون أنهم بمأمن من أعدائهم السياسيين ويعد المكان بمثابة نقطة استراحة لأفراد حيث يمكنهم التحرك بحرية دون الشعور بانهم ربما يستهدفون في وقت قريب».
وقال كاراسيك انه طالما لا يروج الأفراد لبرنامج سياسي فإنهم مرحب بهم في الإمارة وتابع أن وضع دبي الجغرافي على مسافة تقطع في بضع ساعات فقط من بؤر ساخنة مثل أفغانستان والصومال واليمن والعراق يفسر جزئيا كذلك لماذا تجتذب افرادا معينين. وأضاف «اننا في منطقة صعبة».
فقد اختارت شخصيات سياسية مثيرة للجدل من أمراء الحرب السابقين في الصومال إلى رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بينظير بوتو ورئيس وزراء تايلند السابق تاكسين شيناواترا في مرحلة معينة من حياتهم الإقامة في دبي.
وقال المؤرخ البريطاني كريستوفر ديفيدسون «هذا جزء فعلي من حياة دبي. والأثر الجانبي المؤسف لذلك هو احتمال وقوع عمليات قتل وحشية بين الحين والآخر». والجريمة العنيفة غير شائعة في دبي لكن اغتيال المبحوح هو ثالث عملية اغتيال مثيرة للاهتمام تشهدها الإمارة في عامين. ففي العام الماضي قتل القائد السابق لجيش الشيشان سليم ياماداييف بالرصاص في مرآب للسيارات تحت الأرض خاص بمبنى سكني فاخر مطل على الخليج في دبي. وقتلت المغنية اللبنانية سوزان تميم طعنا في شقتها في دبي في 2008. ولا يجب اعتبار اغتيال المبحوح في دبي دليلا على أن الإمارة المسالمة ستصبح منفذا لتيارات العنف السرية في المنطقة لكنها قد تعني نهاية اعتبار دبي الملاذ الآمن لمن يواجهون المصاعب في أوطانهم.
خلفان: قادرون على اختراق الموساد لو أردنا ذلك
دبي ـ العربية.نت: وجه الفريق ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي اتهاما صريحا ومباشرا لإسرائيل بالمسؤولية عن اغتيال محمود المبحوح، مؤكدا أن لدى شرطة دبي أدلة دامغة، كما أن لديها القدرة أيضا ـ لو رغبت ـ على اختراق مكتب رئيس الموساد الإسرائيلي نفسه. وقال إن شخصا ما من حماس قريبا من المبحوح هو من سرب معلومات حساسة عن سفره، وبناء على تلك المعلومات تحركت المجموعة التي تولت عملية التنفيذ. وجدد خلفان رفضه مشاركة حماس في التحقيق لأن ذلك من أعمال السيادة، وإذا كان لدى حماس المقدرة فعليها البحث عن الشخص الذي سرب معلومة سفر المبحوح، ونفى خلفان ما روجت له وسائل إعلام عن تدخل قطري لدى دبي لإغلاق ملف قضية اغتيال المبحوح. وكشف القائد العام لشرطة دبي ـ في حديث لبرنامج «إضاءات» بثته «العربية» امس ـ عن تفاصيل عديدة حول عملية الاغتيال، نافيا ما تردد عن أن يكون منفذو العملية قد تركوا أدلة يسهل اكتشافها بهدف توصيل رسالة معينة. وقال إنه على العكس تماما حاول المنفذون التمويه، مستشهدا بأن الغرفة التي تمت بها عملية الاغتيال في الفندق وجدت في حالة من الترتيب والنظام التام بما يوهم بأن الوفاة طبيعية. وأوضح خلفان في البداية أن شرطة دبي لم تكن تعلم أن هذا الشخص هو المبحوح، مرجعا السبب في ذلك إلى أنه وجه غير معروف وأيضا دخل دبي باسم رباعي لا يتضمن اسم العائلة «المبحوح»، مبينا أنه لو كانت دبي تعلم أن هذا الشخص هو المبحوح ما كانت لتسمح له بالدخول، لأنها تسمح بدخول القيادات السياسية لحماس، لكنها لا تسمح بدخول أعضاء أو قياديين في العمل السري.