لنقف على شيء من الهدوء
لم يعد ممكنا اغفال حالة التذمر والامتعاض التي تهيمن على الشارع، واللافت ان الفرقاء يتفقون على ان ثمة «عدم ارتياح» لدى السواد الأعظم إزاء ما يحدث وسيحدث بين الحكومة ومجلس الأمة.
المواطن يشعر بألم يتراكم على النفس، ألم يتجدد كلما تعثر مجلس الأمة في إيجاد حل لقضية من القضايا التي تؤرقه.. وما أكثرها!
لا نريد ان نتفاءل كثيرا ونتحدث عن غياب التنمية والإصلاح الاقتصادي ومواكبة المتغيرات الكبيرة والخطيرة التي تجتاح العالم والاقليم الذي نعيش فيه، لأن التنمية تتطلب استراتيجيات وبرامج عمل نرى انه من المتعذر توافرها في ظل توالد الأزمات بين السلطتين التنفيذية والاشتراعية، بل نتحدث عن الحد الأدنى الذي نطمح له للحكومة والمجلس وهو الوقوف على شيء من الهدوء.
للأسف ثمة حالة من التجاذب غير «المعقلن» تسود الأجواء السياسية منذ فترة طويلة، وطويلة جدا، هكذا كما لو ان «التأزيم» قدر لا يرد.
وباتت البلاد تعيش حالة من اللااستقرار المؤلم على كل المستويات، فكما هي حال الفرد حين لا يستطيع الهروب من ألم بداخله، نرى المجتمعات هي الأخرى لا يمكن لها ان تهرب من «ظاهرة الألم» التي نعيشها، ألم الكل يتفق على ماهيته إلا اننا نختلف على كيفية معالجته، فنجد الاجتهادات تتسارع بشكل عشوائي غير مدروس، غير ان تلك الاجتهادات تفشل حيث تبدأ لأنها لا تستند الى برامج عمل مدروسة، ولا نريد ان نتطرق لحالة أو تجربة بعينها لأننا لا نقصد شخصا بعينه أو تكتلا أو طرفا حكوميا، بل نتحدث عن حالة عامة اصابتنا حيث الجميع في قارب واحد.
قلنا غير مرة ان «السياسي الحقيقي عليه ان يعيد اكتشاف نفسه» في كل مرحلة جديدة تتغير فيها الظروف والمعطيات والاستحقاقات المترتبة على اثر ذلك، غير ان اعادة «اكتشاف الذات» لا تعني القفز في قوارب لا نعرف أين اتجاهاتها، بل تتطلب من حكماء وعقلاء الأمة بكل مكوناتهم ـ حكومة ونوابا ـ ان يستوعبوا المرحلة والوضع الراهن، فأولى مراحل العلاج تبدأ بالتشخيص، ونرى ان التشخيص يبدأ بأن نقف على شيء من الهدوء، فحين يتحقق ذلك نكون قد وفقنا في تحقيق مراجعة صادقة مع النفس.
لا نريد ان ندافع عن الحكومة أو ننتقد من يوجه لها الانتقادات أو يمارس دوره التشريعي والرقابي، فهذا حق دستوري كفله الدستور، بل نطالب أعضاء مجلس الأمة الكرام بممارسة صلاحياتهم الدستورية، فالديموقراطية قدرنا الذي نفخر ونفاخر به وهو ما أكده صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ـ حفظه الله ـ غير مرة.
الحكومة الحالية لم يمض على تشكيلها أكثر من 65 يوما، وهو ما أشار له صاحب السمو ـ حفظه الله ـ في حفل الغداء الذي أقامه سموه على شرف النواب في «دار سلوى» حين تمنى على اخوته وأبنائه النواب: «امنحوا الحكومة متسعا من الوقت لكي تعمل، ورحّلوا ما لديكم الى دور الانعقاد المقبل، اذ لم يمض على تشكيلها أكثر من 50 يوما». وأضاف سموه: «اذا وجدتم تجاوزا على المال العام أو خطأ جسيما، حينها مارسوا دوركم الرقابي، اما الآن فالحكومة لم تقدم برنامج عملها».
تمنيات صاحب السمو على النواب ذكّر بها رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي غير مرة وبضرورة ان نتفهم رسالة سموه السامية ونستوعب معانيها جيدا، وهو ما أشار اليه ايضا نواب كثر، وها نحن ايضا نذكّر بها، فالحكومة الحالية برئاسة سمو الشيخ ناصر المحمد «أتت لكي تعمل» وهو قول استعرناه من نواب كثر يمثلون الكتل الرئيسية الـ 4 في المجلس وهي «الوطني» و«الشعبي» و«الإسلامية» و«المستقلين».
كما وصفوا المحمد بـ «الإصلاحي وبالجدية في محاربة الفساد»، غير ان هذا يفرض على الجميع سؤالا كبيرا وهو: اذا كان المحمد اصلاحيا فلماذا لا يعطيه المجلس وقتا لكي يعمل، ومن ثم يحاسب حكومته ان ارتكبت تجاوزا؟
ان هذا السؤال/الضرورة يستدعي منا ان نقف على شيء من الهدوء، واذا كان ثمة في الحكومة أو المجلس من يستبطن في ذاكرته انموذج التأزيم والهدر العبثي لوقت الشعب فإن البلاد لا تحتمل ذلك مطلقا.
الصفحة الأولى في ملف ( pdf )