كابول - عدنان الراشد ومحمد الحسيني
بعض المشاهد الطبيعية في أفغانستان تسحرك إلى درجة تعمد فيها أحيانا لأن تغمض عينيك عند رؤيتها، وألا تفتحهما إلا بعد أطول فترة ممكنة لتستمتع قدر المستطاع بما تشاهده.
ولا يلزمك أكثر من قضاء يوم في أفغانستان لتحبها وتتعلق بشعبها المتواضع والتلقائي والمتشوق للانفتاح على العالم واستقبال السياح والانتفاضة على الفقر.
تلقينا تحذيرات كثيرة قبل أن نذهب، لكن ما ان وصلنا الى كابول حتى تبدد الخوف والقلق وغابت صورة التفجيرات والاغتيالات وحلت مكانها صورة الواقع الذي رأيناه، فاختلطنا بالناس في الشوارع والأسواق وجلنا في الأزقة نهارا وسط الزحام وليلا في الحواري المقفرة لأن الأفغان اعتادوا على النوم باكرا بغياب حياة الليل عندهم.
لم نستغرق الكثير من الوقت لنفهم ان ارادة الحياة عند هذا الشعب أقوى من الحروب وأن الإرهاب أضحى مرضا مزمنا اعتاد الأفغان التكيف معه ويرتاحون لخفة حدته مقارنة بالماضي وبعده عن المدن الرئيسية وانحساره في بقع معينة، كما يشعرون بالامتنان لقواهم الأمنية الوطنية الموجودة بكثافة التي تتولى حمايتهم.
وبأي حال من الأحوال يشعر الأفغان بان أيامهم الحالية أفضل بكثير من أيام الخراب والدمار التي عاشوها طيلة عقود.
ولفتنا تجدد الروح الوطنية في قلوب الشعب الأفغاني والتقارب الحاصل بين مختلف الأعراف والرغبة بالتعايش فيما بينهم رغم الخلافات الحادة بوجهات النظر واختلاف الرؤى بين السياسيين حول إدارة البلاد ومكافحة الفقر والفساد.
ففي العاصمة يختلط البشتون والطاجيك والهازارا والأوزبك وغيرهم ويتطلعون جميعا للمشاركة في السلطة والانتخابات أو بالمعارضة في أجواء حرية لافتة تعكسها وسائل الإعلام وخاصة القطاع الإعلامي الخاص.
والمسؤولون على اعلى المستويات يتطلعون على الأقل بمواقفهم المعلنة لتحقيق الأمن والتنمية والحد من الفقر من خلال الاستفادة من دعم المجتمع الدولي لهم والسعي لاستغلال موارد بلادهم الطبيعية الكثيرة.
الحرب والفقر والمخدرات شوهت أفغانستان كثيرا، لكنها لم تمحُ ملامحها ولم تنل من هويتها ولم تقض على سحرها.
لسنا بحاجة لتبرير السبب وراء زيارتنا لأفغانستان بمبادرة من «الأنباء» لأن هذا البلد يحظى بحقه من الحضور والتأثير على مدى التاريخ ما يجعله دائما في الواجهة في حالتي السلم والحرب الى جانب فسيفساء الأعراق والطوائف واللهجات فيه، وهو المحور الرئيسي في طريق الحرير التاريخي والنقطة الوسط بين الحضارات في قلب آسيا، ولذلك كانت افغانستان ومازالت وستبقى في قلب الحدث، خاصة ان افغانستان بلد صعب ليس بتضاريسه التي تبدو لك في الفضاء وكأنها تضاريس زحل او عطارد فحسب بل بشعبه العنيد والقوي الارادة.
تفاصيل الرحلة في ملف ( pdf )