بعد تكرار المشاهد الخطيرة وآخرها ما شهدته الدائرة الخامسة أمس الأول أصبح من المؤكد أن أسلوب المواجهة المسلحة الدائر في البلاد ونقل جحافل القوات الخاصة من أمام ديوانية إلى أخرى لا يجدي نفعا في مواجهة «الفرعيات».
فالمشكلة أعمق من أن تحل بالحصار والرصاص المطاطي والقنابل الدخانية والتصريحات النارية.
ولذلك جاءت بيانات القوى السياسية - وأغلبها كان موافقا على القانون عند إقراره - لترفض ما وصفته بـ «أسلوب القوة المبالغ فيه».
وبالمقابل فإن قوات الأمن هم ايضا أبناؤنا وحماة البلد والقانون ولا يجوز الدفع بهم إلى مواجهات لا يعلم إلا الله عواقبها.
مشكلة قانون تجريم «الفرعيات» تعود في جذورها الى ظروف اقرار القانون وحصره في فئة معينة من المجتمع هي أبناء القبائل دون التجمعات الأخرى الفكرية منها والعقائدية، رغم ان الدولة لا تملك أي دليل على ان عمليات اختيار المرشحين من قبل هذه التجمعات تتم على أسس سليمة بالكامل.
هذا الواقع خلق شعورا بالظلم لدى أبناء القبائل أدى الى مزيد من التمسك بهذه الانتخابات التي كانت قد شهدت في منتصف التسعينيات نوعا من التراجع وبدء سقوط بعض المرشحين الناجحين فيها وتزايد الأصوات المعارضة لها داخل القبائل نفسها، ولكن مع اقرار القانون بالطريقة التي مُرِّر بها ساد شعور لدى أبناء القبائل بأنهم في موقع الاستهداف.
وقد خرجت في ذلك الوقت، رغم الموافقة على القانون، أصوات بعض الحكماء التي حذرت مما قد تؤول اليه الأمور وفي مقدمتها كان صوت جاسم الخرافي الذي قال في مداخلته خلال مناقشة القانون بالمداولة الأولى بتاريخ 7/3/1998 خلال مداخلات الأعضاء «كنت آمل لو أن القانون يكون شاملا لكل ما يتعلق بالانتخابات الفرعية.. إذا كنا نريد الإصلاح ولم الشمل فيجب أن نكون صادقين مع أنفسنا.. إن هذه الانتخابات تأخذ اتجاها تنازليا وأحد المرشحين كما تابعنا سقط رغم نجاحه في الفرعي، وهذا يدل على ان القناعة هي الأساس وخوفي أن يأتي القانون بنتائج عكسية فنجعل الناس تجتمع في السراديب، بإمكاننا توضيح الخطأ لأن كل ممنوع مرغوب، وإذا أصدرنا القانون بهذه الصورة ومن دون شمولية فسيكون ناقصا.. نحن بحاجة الى جو جديد.. ثم ان التصويت الفرعي لا يقف على انتخابات مجلس الأمة، لذلك مع كل تقديري واحترامي لوجهة نظر مقدمي القانون إلا انني أتمنى أن يشمل تجريم الانتخابات الفرعية الكل..».
عندما نقرأ مداخلة الخرافي نجد أن ما حذر منه قد وصلنا اليه، وهذا الكلام كان - كما عوّدنا - نابعا من حكمته وحرصه على الوطن قبل أي اعتبار شخصي آخر، ومن رؤيته الثاقبة لما يتفق مع المصلحة الوطنية بغض النظر عن أي مصلحة شخصية أو انتخابية.
ومن هذا المنطلق نحن نقول: تطبيق القانون لا يعني أن نغرق البلاد في فتنة ولا أن نطارد الناس داخل دواوينهم، فهؤلاء هم أهلنا واخوتنا وأبناؤنا، الحل يبدأ بدراسة المشكلة وجذورها مجددا لمعالجة الانعكاسات الخطيرة التي تصيبنا جميعا في مقتل، فكلنا كويتيون ولا فرق بين أي منّا.
الصفحة الأولى في ملف ( pdf )