أجرى الحوار
محمد الحسيني
قلة هم الساسة المخضرمون الذين يشقون مسيراتهم على مدى عقود دون استخدام 3 وسائل أساسية في السياسة: المساومة والتسوية والصفقة، وأحمد السعدون نموذج حي في هذا المجال: لا يساوم، لا يقبل التسويات ولا يعقد الصفقات مهما بلغت الضغوط وغلت المغريات،
.. وقلة هم الساسة الذين يرفضون الانقياد وراء «الرأي السائد» لانهم لا يؤمنون إلا بـ «سداد الرأي» أيا تكن الكلفة .. وأحمد السعدون على ذلك اسطع مثال.
.. وقلة هم الساسة الذين يجعلون من نهجهم مدرسة عمادها الموقف الشامخ والمبدأ الراسخ الذي لا يتزعزع بمرور الزمن .. وأحمد السعدون مدرسة عنوانها التمسك بالدستور والمكتسبات الشعبية والحريات.
.. وقلة هم الساسة الذين يرتقون سلم الوطنية ليبلغوا مكانة الرمز .. وهو اللقب الذي اختاره أهل الكويت لـ «الرمز» أحمد السعدون.
«الأنباء» التقت رئيس مجلس الامة والنائب السابق ومرشح الدائرة الـ 3 أحمد عبدالعزيز السعدون وكان لنا معه حوار شامل حول اوضاع البلاد والازمات السياسية الأخيرة وبعض جذورها التاريخية والنظرة للمستقبل الذي يتحدث السعدون عنه بكثير من التفاؤل، متمنيا ان تُخرج الحكومة المشاريع المطروحة على اللجنة العليا وتنفذها خلال سنتين لتنعش الاقتصاد والمواطنين والشركات وتقلب الاوضاع السلبية القائمة الى ايجابية.
واستفاض السعدون في شرح موقفه حين تحدث عن المرسوم بقانون الخاص بالاستقرار المالي حيث شدد على انه لا يمكن ان نغمض أعيننا عن وجود أزمة مالية واقتصادية عالمية اثرت على الكويت كما اصابت كل الدول، واكد على انه لا مانع من استخدام المال العام لـ«حماية المال العام واستعادته وحماية الاقتصاد الوطني»، لكنه لفت الى ان تعديلات «الشعبي» على المرسوم ورفضه بشكله الحالي هي بسبب ما اعطاه من تفويض تشريعي بالمخالفة لأحكام المادة 50 من الدستور وما تضمنه المرسوم بقانون من سلطة تقديرية لمحافظ البنك المركزي في تطبيق احكامه وعدم التزام المرسوم بقانون بالمادة 136 من الدستور.
وجدد السعدون رفضه «لما يسمى بالحل غير الدستوري» مؤكدا انه انقلاب على الدستور والنظام الديموقراطي، كما دعا الحكومة الى صعود المنصة ومواجهة اي استجوابات سواء لرئيسها أو وزرائها، مؤكدا انه خيار افضل من حل المجلس.
وشدد على ان اختيار رئيس الوزراء هو حق مطلق لصاحب السمو الأمير قائلا: اذا كنا نرفض ما يسمى بالحل غير الدستوري دفاعا عن الدستور، فمن الأولى الدفاع عن هذا الحق المطلق لصاحب السمو الامير في تعيين رئيس الوزراء.
وعن احتمال اعادة الدمج بين منصبي ولاية العهد ورئاسة الوزراء قال: لا يوجد نص على الفصل لا في الدستور أو قانون توارث الامارة فما الذي يمنع الدمج؟ انه حق مطلق لصاحب السمو الأمير.
ورد السعدون على اتهامه بأنه «معارض دائم» مذكرا بالمواقف التي اثنى فيها على الانجازات التي حققتها حكومات ناصر المحمد ومنها الغاء مشروعي «الداو» و«المصفاة الرابعة»، كما اثنى على «السنّة الحميدة» لسمو الشيخ ناصر المحمد في اجراء مشاورات لا يلزمه بها الدستور قبيل تشكيل الحكومة عام 2006 وذكر ما نصحه به بشأن ضرورة تشكيل «حكومة رجال دولة» وتحدث عن تعريفه لمصطلح رجل الدولة، كما استذكر الخطة الانمائية للحكومة عام 1986 والتي كانت نموذجا للخطة الناجحة القابلة للتنفيذ والتي تحتاج البلاد إلى خطة على غرارها اليوم.
اللقاء مع بوعبدالعزيز حافل بالتشويق لما وهبه الله لهذا الرجل من عمق ورقي وذكاء ولما تتصف به شخصيته من وقار وهيبة وجرأة وشجاعة وما يفيض به خطابه من وطنية. على مدى حلقتين نستعرض تفاصيل هذا اللقاء الشائق، وفيما يلي التفاصيل:
بوعبدالعزيز هل نستطيع القول انه خلال الـ 34 سنة الماضية بما فيها سنوات ترؤسك لمجلس الأمة كان أحمد السعدون معارضا؟
لا معارضة دائمة
أعتقد أنه في الكويت لا يمكنك ان تتحدث عن معارضة دائمة كما يحدث في الدول الأخرى، حيث تسعى المعارضة للوصول الى السلطة، فهنا الوضع مختلف، نحن نعارض ليتم تسيير الأمور بالشكل الذي يراعي الصالح العام، وأنا أريد ان أقول لك أمرا قلناه لسمو رئيس مجلس الوزراء بعد انتخابات 2006، حيث استن سنة حميدة لم يسبقه أحد إليها من رؤساء الوزراء السابقين في الكويت، وهي إجراء مشاورات لتشكيل الحكومة مع أن رئيس الوزراء غير ملزم بذلك، فلقد قام سمو الشيخ ناصر المحمد باستدعاء الكتل السياسية في المجلس وأطرافا أخرى، وتباحث معهم في كيفية تشكيل الحكومة، وسأذكر ما دار بيننا وبينه حينها، وهو ما قلناه أيضا لمصادر عليا خلال لقائنا مع القيادات، رأينا كان واضحا، وقلنا لسمو الشيخ ناصر المحمد اننا نعتقد أن كل المقومات التي يحتاجها البلد للتنمية متوافرة في الكويت، أولها ا لمال، إذ لم تكن الدولة في أي يوم من الأيام حتى خلال فترة الاحتلال بحالة عجز مالي، وكذلك البنى التحتية، فبنيتنا التحتية جيدة وان كانت تحتاج الى تحديث وتطوير، ولدينا البنى التشريعية والقوانين التي يحتاجها كل شخص ليشعر أنها تحميه، سواء كان مستثمرا أجنبيا أو تاجرا كويتيا، ولدينا القوى والكفاءات البشرية كذلك. وضربنا لسموه مثلا بنجاح المشروعات التي تتم في المنطقة ويشترك فيها رأس المال الكويتي والخبرة الكويتية.
حكومة رجال دولة
وقلنا إذا كانت كل هذه العناصر موجودة فالمطلوب لتغيير الأوضاع الحالية هو ان تأتي حكومة رجال دولة ولا نتحدث هنا عن «رجل الدولة» ككلمة مطلقة وعائمة بل نعني برجل الدولة «الشخص الذي يُكلف وعنده رؤية معينة لكيفية معالجة الملفات التي يتولاها وانتشال البلد عبر تحويل رؤيته الى برنامج عمل قابل للتنفيذ، ويمكن ان يكون نموذجا لبرنامج عمل الحكومة كلها» وقلنا لسمو الشيخ ناصر المحمد حينها: لو تحقق ذلك وأتت حكومة بهذه المواصفات فنحن سنعلن تأييدنا لها من دون ان يكون لنا ممثل في الحكومة، وهنا سيكون تأييدنا لكم أقوى إذا لم نكن ممثلين بوزير أو أكثر.
خطة 1986 الإنمائية
ولأؤكد لك أننا لا نعارض من اجل المعارضة، دعنا نعود بالذاكرة الى العام 1986، في ذلك العام قُدمت لأول مرة خطة تنمية واضحة المعالم، عرضت فيها الحكومة رؤيتها لمعالجة الكثير من المشاكل التي نعاني منها حاليا، ولقد كانت الحكومة تتكلم في تلك الخطة عن كيفية تطوير الخدمات الصحية لتصل الى أعلى المستويات في العالم في ظل وجود الإمكانيات، ولم يكتفوا بذلك بل حددوا آليات التنفيذ، وتكلموا عن كيفية تطوير التعليم في الكويت وسبل وآليات تحقيق ذلك على صعيد المنشآت والمناهج وغيرهما، وتحدثوا في الخطة نفسها عن تحقيق الرعاية السكنية لكل المواطنين التزاما بالدستور وأرفقوا ذلك أيضا بآليات التنفيذ، وتحدثوا عن سبل استيعاب الأعداد الهائلة لمخرجات التعليم وتوجيهها الى القطاعين العام والخاص، واعتبرت الخطة ان أكبر تحد أمام الكويت هو إعادة التوازن للتركيبة السكانية بجعل المواطنين 50% من سكان البلاد على أساس تعداد 1985 عندما كان الكويتيون يشكلون 40.2%.
وكانت الخطة تمتد لـ 15 عاما تنتهي في العام 2000 وعبارة عن 3 خطط خمسية متتالية.
وبعد اطلاع مجلس الأمة على خطة الحكومة حينها، وجدنا أنها جدية جدا ومعززة بآليات للتنفيذ، وطلب المجلس إقرارها وصدر بها القانون رقم 60 لسنة 1986.
لكن تم حل المجلس في 3/7/1986، والتزمت الحكومة على الأقل في بداية الأمر بالنهج نفسه، حيث صدر المرسوم رقم 112/86 متضمنا الخطة الخمسية الأولى، وأورد في مادته الثالثة موضوع إعادة التوازن للتركيبة السكانية وأنه يجب بلوغه في نهاية المرحلة الثالثة من الخطة الانمائية أي بحلول العام 2000.
إذن، معارضتنا هي لبعض سياسات الحكومة وليست لكل شيء، وسأذهب أبعد من ذلك، عندما اتخذت الحكومة خطوات ايجابية في بعض القضايا لم نتردد في إصدار شكرنا وتقديرنا لها في بيانات رسمية.
الحل غير الدستوري
هل توحي الأجواء المشحونة في البلاد باحتمال حصول حل غير دستوري أم أنك ترى أن حل المجلس دستوريا 3 مرات منذ 2006 يشير إلى التمسك بالخيارات الديموقراطية؟
أولا: اشدد على موقفي بأن الحديث عن «الحل غير الدستوري» هو حديث غير جائز، إذ ليس هناك في الدستور ما يسمى بـ «الحل غير الدستوري».
وإذا كان مقصودا بالأمر إعادة تجربتي 1976 و1986 وإيقاف العمل ببعض مواد الدستور وتعطيل مجلس الأمة، فهذا في الحقيقة انقلاب على الدستور وعلى نظام الحكم الديموقراطي في الكويت الذي تنص عليه المادة 6 ولا يجوز الحديث عنه لأن الانقلاب ليس له قواعد، اذن ما يسمى بـ «الحل غير الدستوري» «مو وارد» لأن في النهاية هناك ارادة أمة يجب ان تحترم، كما تحترم هذه الأمة واجباتها المنصوص عليها في الدستور.
وأنا برأيي الشخصي اعتقد انه بدلا من حل المجلس في 2006 و2008 و2009 بسبب الاستجوابات كان يفترض بالحكومة ان تواجهها بوقوف المستجوَب سواء كان رئيس وزراء أو وزيرا على المنصة.. وإذا كان استجوابا مستحقا يقدم الشكر الى النائب المستجوِب لأنه حقق المصلحة العامة وإذا كان الاستجواب نفسه فيه شيء من التعسف فالناس ستكتشف ذلك.
ولكن بوعبدالعزيز تفاعل الناس مع خطابات صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد في الثلاث مرات التي حل فيها سموه مجلس الأمة دستوريا، لأن المجلس شهد ممارسات غير مقبولة بدءا من تدني مستوى الخطاب السياسي إلى اشتعال الفتنة، وتوالد الأزمات؟
الخطاب السياسي تدنى.. نعم، لكن لنسأل عن الأسباب، أهمها ضعف النظام الانتخابي المقسم على أساس طائفي وقبلي وعائلي، وغياب التنظيم السياسي، فحتى التيارات السياسية الآن نجد ان خطابها السياسي يختلف من دائرة إلى دائرة!
إذا سألنا كيف نتغلب على هكذا أمر داخل المجلس؟ فجوابي اني أرى ان الأمر يكون بالالتزام بتطبيق اللائحة داخل المجلس.
ونشير ايضا الى ان الاعلام يتحمل جزءا من مسؤولية التصعيد سواء المقروء أو المرئي والمسموع وندعو لأن يقوم الإعلام بعملية ترشيد في هذا المجال.
ولكن لا يمكن ان نأخذ من كل ذلك سببا لتعطيل الحياة النيابية، ولا يوجد بلد في العالم يأتي لك بقالب واحد ليكون هناك مخرجات نيابية لـ 50 نائبا يتكلمون لغة واحدة ويتشابهون في الخطاب وكل شيء.
لا لتعديل الدستور
يثار من وقت الى آخر طرح الحاجة لتعديل الدستور وضرورة تعديل آلية الاستجواب للتخفيف من غلاظة هذه الاداة، ما رأيكم في ذلك؟
اي تعديل على الدستور لا يمكن ان يكون الا لمزيد من الحريات، لذلك انا ضد اي تعديل للدستور، سواء النص المتعلق بالاستجواب او عدد الاعضاء او غيره، انا اعتقد انه يجب ان نلتفت الى تعديل النظام الانتخابي والدوائر لأن الخلل يكمن فيه ويجب الوصول الى اتفاق بهذا الشأن، انا من دعاة الدائرة الواحدة بنظام القوائم، لكني مستعد للاستماع الى اي رأي بديل يؤدي الى نتيجة افضل.
الاستجواب لا يحتاج تعديلاً
لذلك انا ضد اي تنقيح او تعديل للدستور، ثم عندما نتحدث عن حق نائب واحد بتوجيه الاستجواب هذا لا يعني ان الامر انتهى عند هذا الحد، لأن الاستجواب لا يمكن ان يؤتي ثماره الا بتوقيع 10 اعضاء على طلب طرح الثقة او عدم التعاون ولا يمكن ان يتحقق نزع الثقة او تفعيل عدم التعاون الا بأغلبية الاعضاء، اذن العملية اصلا متدرجة ولا تحتاج الى تعديل.
تأجيل الاستجوابات
ماذا عن الجدل الدائر حول المادة 135 من اللائحة الداخلية للمجلس التي تسمح بتأجيل مناقشة الاستجواب حتى نهاية الفصل التشريعي؟
نحن سبق أن تقدمنا باقتراح لتعديل المادة المذكورة بحيث لا تتجاوز مدة التأجيل شهرا، لكن للاسف لم يلق اقتراحنا القبول من المجلس.
ان تأجيل الاستجوابات لفترة طويلة هو امر لم يسبق ان حصل في السابق رغم ان هذا النص موجود منذ ان صدرت اللائحة سنة 1963.
ولم يقم اي مجلس من المجالس المتعاقبة باستغلال هذا الموضوع وتأجيل الاستجواب الى نهاية الفصل التشريعي لمجرد ان هناك اغلبية ضد الاستجواب او لأن هناك تحالفات داخل المجلس، فهذا امر غير سليم، ويشكل تفريغا لاداة الاستجواب من محتواها، كما سبق ان ذكرت ان الاستجواب يعني احد امرين: اما انه استجواب محق وهو نوع من الاصلاح او سؤال مغلظ يتيح الفرصة للوزير او رئيس الوزراء لأن يرد عليه اذا كان فيه شيء او انه استجواب غير مستحق او مقدم لأي سبب آخر، فإن ذلك لن يكون خفيا على المواطنين الذين يطلعون على مادة الاستجوابات.
سربت وسائل الاعلام عن الجلسة التي شهدت استقالة الحكومة معلومات مفادها أن الحكومة تحدثت عن «تقديرها لدعم الغالبية الداعمة النيابية لها ومع ذلك تجد نفسها مرغمة على الاستقالة بسبب تعسف الاقلية»، ما رأيكم؟
لا استطيع ان اعلق على تسريبات، فليس هناك بيان رسمي بهذا الخصوص، نحن نستند الى ما ورد بالكتاب الرسمي لاستقالة الحكومة.
الأسرة ورئاسة الوزراء
ما موقفكم من احتمال اعادة دمج منصبي ولي العهد ورئيس الوزراء؟ وماذا عن طرح اسماء لتولي رئاسة الوزراء بالحكومة المقبلة؟
لنفرق بين امرين، اولا موضوع الاسرة الحاكمة وهو موضوع لا يجوز ان نتطرق اليه، وانا سبق ان كررت ذلك في المجلس وقلته الى اقرب المقربين الي.
اما بالنسبة لما يتعلق برئاسة الوزراء فأيضا لا يجوز الخوض فيها، فكما نعترض نحن على ما يشاع حول ما يسمى بـ «الحل غير الدستوري»، فمن باب اولى ان نعترض على موضوع التدخل في تعيين رئيس الوزراء، لأن هذا التعيين هو من الصلاحيات المطلقة لصاحب السمو الامير ولا يجوز لأحد ان يتدخل فيه.
صاحب السمو الامير وفق المادة 56 يجري مشاورات غير ملزمة تنص عليها هذه المادة، ثم يتخذ قراره، ولا يجوز لأحد ان ينازعه فيه او ان يتحدث عن خياره، لذلك لا نخوض في الاسماء.
الفصل والدمج
وكذلك الامر بالنسبة الى موضوع تكليف سمو ولي العهد برئاسة الوزراء، فهذا ايضا حق مطلق لصاحب السمو الامير وليقل لي اي شخص عن قانون او نص يمنع الدمج، ليس هناك اصلا نص في الدستور او قانون توارث الامارة يتحدث عن الفصل لنتحدث بناء عليه عن الدمج.
وماذا عن حق رئيس الوزراء في اختيار وزرائه وإن كان منهم من تعرض لاستجواب سابق؟ وماذا عن عودة الوزراء المستجوبين.. هل سيتكرر السيناريو الذي حصل مع بدر الحميضي؟
كما سبق ان قلنا لا يوجد نص يلزم رئيس الوزراء باجراء مشاورات حول التشكيل الحكومي، وله سلطة مطلقة باختيار الوزراء، ومع ذلك اشدنا بالسنّة الحميدة لسمو الشيخ ناصر المحمد في مشاورة الكتل عام 2006.
دستوريا، لا يجوز التدخل في سلطة رئيس الوزراء في اختيار وزرائه، لكن يحق للنائب ابداء رأيه السياسي تجاه اي وزير وحتى مواجهته باستجواب.
هل تعتقد ان حكومات سمو الشيخ ناصر المحمد قد فشلت ام أُفشلت؟
نحن نقيّم الحكومات وفقا لادائها، لم نتردد عندما كانت تخفق في اي قضية محددة في ان ننتقدها بشكل قاس وواضح، لكن لم نتردد ايضا في ابداء الشكر والتقدير لها عندما كانت تتخذ خطوات جيدة، مثلما حصل عندما استمعت الى الملاحظات التي ابديناها حول الاجراءات غير القانونية لمشروع المصفاة الرابعة وحول مشروع «الداو»، وقامت الحكومة بتكليف ديوان المحاسبة لاجراء تحقيق في المصفاة والغت الاجراءات، وقامت ايضا بالغاء مشروع «الداو» بعد ان احالته الى اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء.
بعد الغاء المشروعين لم نتردد في اصدار بيان قلنا فيه ان الحكومة وفرت في القرارين ما يقارب الـ 25 مليار دولار على الاقل، لأن الاموال التي يتم توفيرها يمكن استثمارها ولو صرفت المبالغ على المشروعين لربما ظهرت تكاليف اخرى.
مرسوم الاستقرار المالي
نأتي إلى مراسيم الضرورة وتحديدا مرسوم الاستقرار المالي، لقد قدمتم عددا كبيرا جدا من التعديلات عليه، رغم توضيحات الحكومة ومحافظ البنك المركزي، هل هو معيب إلى هذه الدرجة؟ والبعض يقول اليوم ان التراجع عن المرسوم بقانون بأثر رجعي ستكون له مضار على البنوك التي شرعت اصلا بتنفيذ احكامه في اليوم الثاني لصدور لائحته التنفيذية.
أولا قبل الخوض في ملاحظاتنا على المرسوم بقانون أود ان اوضح أمرين مهمين حول موقفنا الذي سجلناه في اجتماعات اللجنة المالية البرلمانية قبل ان تأتي الحكومة بمشروع القانون الذي صدر بمرسوم وقد اصدرنا هذا الموقف بأكثر من بيان.
اولا: لا يمكن القول بأن الازمة المالية والاقتصادية العالمية التي هزت اقتصادات العالم لم تؤثر علينا ولا يمكن ان نغمض عيوننا ازاء ما يجري في العالم من تداعياتها، فهي اصابتنا كما اصابت الجميع.
ثانيا: اكدنا انه لا مشكلة لدينا عند وجود مشكلة بهذا الحجم ان يستخدم المال العام في معالجة اوضاع الاقتصاد، ولكن يفترض ان يكون استخدام المال العام لحماية المال العام واستعادته ولصالح الاقتصاد الوطني.
نحن لم نرفض المشروع بل تقدمنا بتعديلات على 13 مادة والغاء 5 مواد اخرى واضافة 4 مواد عليه، وعندما كنا نناقشه في اللجنة المالية خلال الاجتماعات الاخيرة قال لنا احد مسؤولي الحكومة وهو نائب محافظ البنك المركزي اننا غيرنا 75% من المشروع، فأجبناه بأن ذلك صحيح، ولكن قلنا اننا مستعدون لمناقشة تعديلاتنا إلا في تعديلنا الأساسي الناتج عن اعتراضنا على ان معالجة أزمة بهذا الحجم لا تكون بتفويض تشريعي يتعارض مع أحكام المادة 50 من الدستور، وهذا ما يمكن التغلب عليه بما اوردناه عن ان كل قرض أو ضمان يجب ان يصدر بقانون وهذا نص المادة 136 من الدستور وأتينا لهم بالحديث الذي دار بهذا الشأن في محاضر الدستور.
عندما عرضنا ذلك جاءني احد الوزراء وسألني: الا تعتقد ان اصدار قانون لكل قرض سيكون شديدا ومبالغا فيه؟ فقلت له كلامك صحيح وذُكر بالمجلس التأسيسي وكان قرار المجلس ما نطرحه اليوم، وسألني: هل هناك بديل؟ فأجبته: نعم البديل هو كما ورد في المادة 137 بدلا من التفويض التشريعي والسلطة المطلقة لمحافظ «المركزي»، انشأوا صندوقا أو شركة أو مؤسسة من حقوقها الإقراض أو ضمان القروض وتمشي العملية، وبكل الأحوال فقد قلنا مع كل قرض يجب ان يأتي أمران: يجب ان نعرف المركز المالي للجهة التي نساعدها وان نعلم بتصرفات من ادارها خلال فترة ريبة كانت الحكومة حددتها بـ 5 أشهر فقط بينما نحن طالبنا بتحديدها بـ 3 سنوات لنطمئن الى شيئين: أولا نطمئن الى انك لن تساعد الشركات التي تلاعبت، وثانيا تضمن انك تتجه لمساعدة الشركات الملتزمة بالقوانين وبتعليمات البنك المركزي.
حماية صغار المتداولين
وقلنا ان قضية بهذا الحجم لا يمكن ان تتجاهل طبقة مهمة هي طبقة صغار المتعاملين او المتداولين الذين اندفعوا الى السوق بسبب التصريحات الحكومية، وطالبنا بأن يكون لهم مكان في القانون.
ولكي أكون منصفا لابد ان اقول انهم كانوا يقولون: اللي تقولونه اهو اللي راح يصير، واليوم نسمع تصريحات للمحافظ شبيهة بما كنا نقوله عندما يشير الى عدم السماح باستخدام المال العام الى الشركات غير المستحقة، ونحن نتفق معه فيما يقوله ولكننا نضيف انه يجب ان يُقنن ولا يمكن ان يترك للاجتهاد، المحافظ اليوم موجود وربما يكون هناك غدا محافظ آخر بل ربما يغير المحافظ نفسه اجتهاده في وقت لاحق.
أكرر اننا لسنا ضد التدخل لحل الازمة ولكن لا نقبل ان يعامل المُحسن كالمسيء ويجب ان لا تتم معالجة الموضوع بالتفويض التشريعي الحاصل والسلطة التقديرية.
ويضاف إلى كل ذلك أنه لابد من حماية من انهيت خدماتهم أو من يمكن ان تنهى خدماتهم من الموظفين الكويتيين وذلك بالمحافظة على وظائفهم ودخولهم.
ولابد أن أشير كذلك إلى أمر آخر هو أنه بعد صدور القانون رقم 47 لسنة 2006 بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد فقد أصبح من الواجب على كل من شارك أو سيشارك بدراسة المرسوم بالقانون الخاص بالاستقرار المالي في الدولة سواء كان من أعضاء الحكومة أو أعضاء مجلس الأمة أو أعضاء اللجان أن يكشف عن وجود أي تضارب مصالح سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وسواء كان ذلك له بالذات أو لأي من الأقارب الذين أشارت إليهم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
الا تعتقدون ان التراجع عن المرسوم سيتسبب في أضرار بسبب البدء بتنفيذ احكامه؟
لا اعتقد، ونحن نتساءل هل يمكن ان تأتي الحكومة بأي ضوابط قبل اسقاط المرسوم لجعله مقبولا؟ لا ادري، هذا أمر يجب ان يدرس. ثم لنتذكر ان المحافظ يقول ان المرسوم لا يرتب أي التزامات على الدولة، فاذا كان لا يرتب التزامات فلا يفترض ان تكون له تداعيات؟!
أما بالنسبة للقضايا التي اثيرت قبل أيام عندما اعلنت بنوك انها بدأت بتطبيق المرسوم فبحسب ما قرأت فانها بدأت بالجانب المتعلق بدعم القطاعات المحلية المنتجة عبر ضمان 50% من القروض لتلك القطاعات بحد أقصى 4 مليارات دينار خلال 2009 و2010.
لو ذهبنا الى هذا الباب نجد ان نص المرسوم بقانون يقول ان البنوك لا تعطي القروض الا بوجود الضمانات الكافية، فاذا كانت الضمانات كافية فلماذا الضمان؟ وقد وجهنا هذا السؤال للحكومة خلال اجتماعات اللجنة المالية. لابد من تقنين السلطة التقديرية الواردة في المرسوم، ثم هل يجوز ان تترك الشركات المتلاعبة؟ انتم تقرأون كل يوم عن حجم المخالفات والتلاعب بالشركات والى الآن لم نطلع على أوضاع كل الشركات وأرقامها، وفترة الريبة من التلاعب المحددة بعد تعديلها الى سنة غير كافية.
المال العام طرف في بعض الشركات ونسبة مساهمة المال العام فيها تجاوزت 25% حيث نجد 24% لهيئة الاستثمار و2% أو 3% لجهات حكومية أخرى، وهذا يعني انها يجب ان تخضع لرقابة ديوان المحاسبة، ولذلك يجب ألا يبقى المخالفون دون مساءلة.
إنجازات
ننتقل إلى قانون أملاك الدولة وبعض القوانين التي حرصت بوعبدالعزيز على صدورها ولعبت دورا مهما فيها خاصة قانون انشاء شركة الاتصالات الثالثة التي تصديت ايضا للخطأ الذي حصل في اجراءات اكتتاب المواطنين فيها وأيدكم في ذلك وزير التجارة والصناعة أحمد باقر، هل انت راضٍ عما حققته على هذا الصعيد؟
اعتقد ان هذا الموضوع هو الأمر الذي يدعو إلى بث التفاؤل الحقيقي اليوم بين الناس وليس التفاؤل المصطنع، في الماضي كانت فرصة الحصول على مشاريع على املاك الدولة متاحة لفئة معينة ولذلك تصدينا منذ البداية لهذا الموضوع وسعينا لتعديله وحاولنا ان نوجد نصوصا واضحة تتيح الاستفادة من الاملاك العامة للجميع وبشفافية عالية.
وتوصلنا الى اقرار قانون وارسل الى الحكومة سنة 2005 ولكن مارس بعض المتضررين ضغوطا على الحكومة لتعيده، ولكن باستمرار متابعة القانون ومحاولة اقراره وادخال مزيد من التعديلات عليه نحو الأفضل استطعنا ان نضمن صدوره ليضمن امرين:
ـ تعديل بعض مواد قانون املاك الدولة رقم 105 لسنة 1980.
ـ تنظيم كل مشروعات الـ b.o.t.
واليوم بعد صدور هذا القانون اعتقد ان كل ما يقال عن تعويق التنمية لا معنى له، لان أي مشروع تنموي تريد الحكومة ان تقيمه تستطيع أن تقيمه بأي طريقة من الطرق التي نص عليها قانون رقم 7/2008 وبشفافية عالية وبفرصة عادلة لكل الجهات التي يمكن ان تدخل في المزايدة او المنافسة اذا كانت قيمة المشروع اقل من 60 مليونا ولكل الشركات المسجلة في سوق الكويت للاوراق المالية.
واليوم امام اللجنة العليا للمشروعات والمبادرات التي حددها القانون، 35 مشروعا تنمويا يمكن لمعظمها او كلها ان تؤسس بشركات.
وفي هذه الحالة ستطرح نسبة من اسهم هذه الشركات في سوق الاوراق المالية على غرار الاتصالات الثالثة (30% أو أكثر بقليل) وهناك نسبة مخصصة للحكومة و50% دائمة للمواطنين.
لو استطاعت الحكومة فقط ان تنجز الـ 35 مشروعا في فترة معقولة انظر لما سيكون تأثير ذلك على الاقتصاد، كل الافكار المطروحة مثل مترو الانفاق ومدينة الحرير وغيرهما من المشاريع يمكن ان يخضعوها لهذا القانون ولن يسمعوا من اعضاء مجلس الامة اي اعتراض، ولذلك انا راض جدا، واحب ان اشيع جوا تفاؤليا الى ابعد الحدود، ان شاء الله، وكل ما نتمناه ان تكون الحكومة المقبلة قادرة على التصدي لمهمة تنفيذ هذه المشروعات وكل مشروعات التنمية.
التجربة العملية لما نتحدث عنه رغم انها تجربة منفصلة عن القانون لكنها شبيهة به هي تجربة شركة الاتصالات الثالثة.
عندما اقررنا قانون إنشاء الشركة استطاع اصحاب المصالح ممارسة ضغوطهم على الحكومة لرد القانون، وتصدينا لذلك، ولذلك عندما ناقشنا قانون الشركة الثالثة في مجلس الامة عرضنا رأينا على سمو الشيخ ناصر المحمد وقلنا له فلتؤسس الشركة بقانون وانظر ما ستكون نتائجها، وبالفعل ابدى موافقة، وقال انا موافق معكم الآن ومستقبلا اذا احتاج الأمر لشركة رابعة وخامسة، تمت الموافقة على القانون وقامت الحكومة باجراءات التخصيص، ذهب الجزء المخصص الى المزاد وكان عليه قيد واحد فقط ان الشركات المنافسة بالكويت لا تدخل المزاد وكان الباب مفتوحا امام كل الشركات الاجنبية ودخلت شركة الاتصالات السعودية وتقدمت بقيمة الـ 26% التي كانت تمثل 13 مليونا وبيعت بـ 248.7 مليون دينار، ولا يزال لدى الجهات الحكومية 24٪ من أسهم الشركة.
وعندما طرحت الـ 50% الخاصة بالاكتتاب للمواطنين حصل خطأ اجرائي، فعندما يزيد الاكتتاب على الأسهم المطروحة يجب ان توزع بالتساوي بين المواطنين وليس وفق شرائح كما حصل بداية.
اذن تجربة الاتصالات الثالثة تؤكد ما قلته عن ان هناك كما هائلا من المشروعات في مختلف المجالات والحكومة قادرة على ان تطرحها بشروط افضل من قانون املاك الدولة السابق الذي كان يحدد المدة بـ 20 سنة والآن وصلت الى 30 سنة وفي بعض الحالات 40 سنة وقلنا لهم اذا كانت هناك فعلا مشاريع تنموية كبرى يمكن ان يعاد النظر وان تصل المدة الى 50 سنة.
ونفس الأمر قلناه عندما تحدثنا عن الشركات التي قلنا انها يجب ان تؤسس من اجل الرعاية السكنية فقط، وهناك كذلك شركة المستودعات العامة التي ستقام في العبدلي على مساحة 24 مليون متر مربع غير المليونين المخصصة للمنافذ، وستطرح قريبا.
وحتى لا يحرم اي مواطن من حق الاكتتاب اذا كان خارج البلاد او بحالة عدم علمه بالاكتتاب بما انه خصصت 50% للمواطنين من المشروعات قدمنا اقتراحا بقانون تقوم بموجبه الحكومة بالاكتتاب في اليوم الأول لمصلحة كل المواطنين بحسب الاسماء الموجودة في المعلومات المدنية وتوزع عليهم الاسهم بالتساوي وفي حال وجود كسور تعود الى الدولة ثم يجب على المواطن تسديد ما عليه وبتاريخ محدد خلال مهلة اقصاها سنة، اذا انتهت السنة ولم يسدد المواطن تعود الاسهم للدولة وتقوم بطرحها بالمزاد العلني، لذلك اعتقد ان نتائج القوانين التي صدرت سنراها عما قريب اذا درست الحكومة المشروعات التنموية التي لديها ولن يمكن لاحد ان يعتب عليها لان الشركات المسجلة بالبورصة سترى ان هناك ابوابا جديدة فتحت لها، علما بأن القانون يسمح ايضا للشركات التي تتوافر فيها شروط معينة بالدخول في المزاد.
علاوة على ذلك انا اعتقد ان الشركات الاجنبية عندما تجد فرصا متاحة بهذه الشفافية ستقوم بتكييف اوضاعها وتأتي لتستغل الفرص المتاحة، وهذا أهم ما حققناه خلال المرحلة الماضية.
الجزء الأول من الحوار في ملف ( pdf )
الجزء الثاني من الحوار