فارس التحرير والمواقف الشجاعة والقائد الفذ الذي ساهم في بناء نظامنا الديموقراطي ونظامنا الأمني والذي أثرى حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بإنجازاته الكبيرة، فعبر بالكويت إلى بر الأمان في عز الأزمات والشدائد، وصنع تاريخا كان غايته فيه الكويت أولا ودائما.
فسمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله (رحمه الله) الذي ترجل عن صهوة الحياة في 13 مايو 2008 لنفقد برحيله رمزا من رموزنا الوطنية البارزة وقائدا بارزا أعطى الكويت بكل حب فبادلته أرضها حبا ووفاء.
كانت بداية سمو الأمير الوالد (رحمه الله) في العمل السياسي العام مبكرة تماما، حيث كان سمو الشيخ سعد العبدالله قد تلقى تعليمه العام في الكويت، ثم سافر الى انجلترا عام 1951، والتحق بكلية «هاندن» العسكرية ثم استكملها بدورات متخصصة في علوم الأمن والشرطة التي انتهت عام 1954، حيث بدأ مهامه الوظيفية في دائرة الأمن العام، وتدرج في مختلف المناصب بجهاز الشرطة والأمن العام، وكان مثالا للإخلاص والتفاني في العمل، حتى عُين نائبا لرئيس الشرطة العامة التي كان يتولى عمه المغفور له الشيخ صباح السالم رئاستها، واستمر في هذا المنصب حتى عام 1959م، ثم انضمت الشرطة للأمن العام حيث تولى الشيخ سعد رحمه الله منصب نائب رئيس الشرطة والأمن العام، وكان يتولى رئاستها آنذاك المغفور له الشيخ عبدالله المبارك.
قائد من الطراز الأول
في عام 1964 اسندت اليه وزارة الدفاع بالاضافة الى وزير الداخلية، وقد سجل له التاريخ انه من أبرز صانعي السياسة الكويتية في مجالي الأمن والدفاع، فهو اول وزير للداخلية وثاني وزير للدفاع في ظل الدستور، وكان يتمتع بإحساس عميق بالمسؤولية، وهو ما أكدته الأحداث التي مرت بها الكويت حيث تفانى في خدمة بلاده، وحرص على حماية مصالح الوطن العليا، وكان مدركا لمدى المسؤولية الملقاة على عاتقه، وعاتق مسؤولي وزارتي الداخلية والدفاع نحو توفير المزيد من الاستقرار والأمن والطمأنينة للجميع.
لقد كان سموه (رحمه الله)، وقبل ان يتقلد هذين المنصبين الرفيعين ليصبح الرجل الثاني في الكويت، وبعد ذلك ودوما رجل المواقف الصعبة.
كان سموه من البداية مدركا لمدى مسؤولية القيادة وأمانتها، وان القيادة هي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب مهما تكن صعوبة القرار وايا كانت تبعاته، وقد أكدت الاحداث التي مرت بها الكويت، ان سموه رجل مواقف، وانه قائد من الطراز الاول، وصاحب قرار صائب حتى لو شكل هذا القرار تهديدا لسلامة سموه، واذ نعرض لغيض من فيض من مواقف سموه التي لا تُعد ولا تُحصى، فإنما نُسجلها كأمثلة لمواقف سموه (رحمه الله) ونترك للتاريخ سجل سموه الحافل بالمواقف الرجولية المشرفة التي ستُخلد ذكراه:
ـ حين تعرضت الكويت لتهديدات حاكم العراق عبدالكريم قاسم على اثر اعلان استقلالها مباشرة عام 1961م احتشدت جموع الكويتيين حول امير البلاد وقتذاك المغفور له سمو الشيخ عبدالله السالم الذي رفض التهديد، واكد ان الكويتيين، كالعهد بهم دوما، مستعدون للدفاع عن وطنهم مهما كانت التضحيات.
وفي ذلك اليوم، يوم الحشد الجماهيري الواسع، كان رحمه الله حريصا على الحضور باستمرار الى جوار امير البلاد، لاسيما ان امن الدولة كان ضمن مسؤولياته.
ثقافته العسكرية
وليس من شك في ان ثقافة سمو الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله ـ رحمه الله ـ العسكرية وما تلقاه من علوم الشرطة خلال بعثته الدراسية في المملكة المتحدة قد أهلته لإعداد وتنظيم البرامج الدراسية للضباط والعرفاء والجنود التي استهدف بها رفع كفاءتهم، كما كان حريصا في الوقت نفسه على إيفاد البعثات الى الخارج لدراسة أحدث وسائل ضبط المجرمين والكشف عن اسرار الجرائم الغامضة، ومكافحة المخدرات والتمرس على فنون التحقيقات وغير ذلك من علوم الشرطة، وفضلا عن ذلك عمل على ايفاد ممثلين من ضباط الشرطة لحضور المؤتمرات والدورات المتخصصة للتزود بآخر ما استحدثته علوم الشرطة من نظريات نفسية وتجارب علمية حول بواعث الجرائم ودوافعها، وقد اهتم سمو الأمير الراحل الشيخ سعد ـ رحمه الله ـ بعقد العديد من الاتفاقيات بين الكويت وغيرها من الدول الاخرى لتبادل المجرمين، وانتظمت الكويت ضمن المنظومات الإقليمية والدولية الخاصة بالشرطة فكان حضورها بارزا في المؤتمرات التي تعقدها هذه الجهات. كان سمو الأمير الراحل الشيخ سعد ـ طيب الله ثراه ـ اكثر اهتماما بنشر الوعي الأمني بين المواطنين وتعريفهم بدور الشرطة، ومن ثم كانت مناشدته لهم بحسن التعاون مع رجال الأمن، وتبديد الاعتقاد الذي كان لايزال سائدا بينهم بأن الشرطة أداة رعب وتخويف، والتأكيد على ان رجل الشرطة هو خادم أمين للمواطنين.
وليا للعهد وأميراً
على اثر انتقال الامير الراحل الشيخ صباح السالم الى رحمة ربه، وتولي سمو الشيخ جابر الاحمد ـ رحمه الله ـ مسند الامارة، اصدر سموه ـ رحمه الله ـ امرا اميريا بتاريخ 8 فبراير 1978 بتعيين الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، رئيسا لمجلس الوزراء، ثم صدر المرسوم الأميري بتشكيل اول وزارة يرأسها الشيخ سعد العبدالله في فبراير 1978، وفي الثامن عشر من فبراير 1978م صدر أمر اميري بتعيين الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، وليا للعهد، وتبعا لما اتصف به سموه من وفاء دوما، عبر سموه أصدق تعبير عن معاني الوفاء للراحل الكبير في اول كلمة بعد توليه مهام منصبه كولي للعهد ورئيس للوزراء في العيد الوطني. وقد واجه سموه، رحمه الله، طوال حياته السياسية ظروفا وتحديات داخلية وخارجية عدة استطاع ان يبدي خلالها اداء رفيعا ومقدرة وحنكة.
ورأس سموه احدى عشرة حكومة في تاريخ الكويت على مدى 52 عاما وفقا للتسلسل التالي: 1978، 1981، 1985، 1986، 1990، 1991، 1992، 1996، 1998، 1999، 2001. وفي 15 يناير 2006 نودي به أميرا لدولة الكويت عقب وفاة الشيخ جابر الأحمد (رحمه الله) واستمر حتى 29 يناير 2006 عندما انتقل الحكم الى سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد.
إنجازات كبيرة
ولعل من المفيد ان نبين بعض جوانب سياسة سموه وقيادته الحكيمة من خلال لمحات عن الانجازات النوعية الكبيرة عبر تلك الوزارات المتعاقبة، فقد حققت الحكومات التي ترأسها سموه ـ رحمه الله ـ الكثير والكثير من الانجازات التي يصعب حصرها في هذه العُجالة، والتي تنم عن سياسة حكيمة وتنظيم دقيق.
لقد واجهت الحكومات التي ترأسها الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، على التوالي ظروفا حافلة بالتحديات والأحداث الجسام على مختلف المستويات وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، وتمكنت بعون الله سبحانه وتعالى ثم بدعم الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد ـ رحمه الله ـ وبدعم صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد، وقوة ارادته وحرصه وجهده، واخلاص الكويتيين جميعا من وزراء ومسؤولين ومواطنين من مواجهة تلك الظروف الصعبة، والتعامل معها بما جنب بلدنا العزيز العديد من المخاطر، كما حرصت الحكومات على تنفيذ برنامج عملها تحقيقا للاهداف والغايات الوطنية المرجوة، وعملت جاهدة على تعزيز قدرات البلاد الدفاعية، ورفع كفايتها البشرية والمادية بما يمكنها من صد اي عدوان خارجي يستهدف امن الوطن وكيانه.
وعلى الصعيد الداخلي، فقد قطعت الحكومات شوطا طويلا في تطوير وتحديث الاجهزة الامنية، والارتقاء بها الى مستوى الاحداث بما مكنها من تاكيد دورها، وتجسيد فعاليتها في المحافظة على الاستقرار، وامن المواطنين وسلامتهم.
المسيرة التكاملية
وقد اشار سمو الامير الوالد ـ رحمه الله ـ الى التحديات وكيف تمكنت الكويت من مواجهتها في كلمته بمناسبة العيد الوطني الـ 72 المجيد عام 1988 بقوله: «يشهد عالمنا الحاضر الكثير من المشاكل الاقليمية والعربية والاسلامية والدولية، ولقد كنا جميعا بعون الله على مستوى الاحداث قادرين على التعامل معها بكل جدية ومثابرة واقتدار، فقد قمنا بدعم وتعزيز تعاوننا مع اشقائنا في دول مجلس التعاون لترسيخ مسيرتنا التكاملية في كل الميادين هادفين الى تحقيق المصلحة العليا للوطن، واستمرار الرخاء في ربوع منطقتنا». وعن الحرب العراقية ـ الإيرانية قال ـ رحمه الله ـ «.. كما سعينا على مختلف المستويات مع الاشقاء جاهدين لوقف الحرب العراقية ـ الايرانية التي دخلت عامها الثامن (آنذاك). اننا نعتبر هذه الحرب بين الجارتين المسلمتين مبعثا لمشاعر الألم والأسى ليس في نفوسنا فقط بل في نفوس جميع المسلمين، ومن يتوجه للسلم والاستقرار الدوليين، وهي فوق ذلك مأساة لامتينا العربية والاسلامية، وإلهاء لهما عن التصدي لاعدائنا الحقيقيين، واننا نأمل ان تضع الحرب المدمرة أوزارها ليعم الخير والسلام في منطقتنا، ويتوجه الجميع نحو البناء والتنمية والألفة».
انه لأسلوب ونهج راق مخلص وصادق وبناء يدعو للسلام والتآخي، ونبذ الحروب والصراع، والتفرغ للبناء والعمل لخير الانسان والاوطان واستقرارها، وهو نهج الاسلام وقيمه وروحه السمحة انتهجته الكويت على الدوام ولم تحد عنه على مر الايام.
الشورى والديموقراطية
كان سموه ـ رحمه الله ـ يؤمن بأن ترسيخ نهج الشورى والديموقراطية البناءة كفيل بجمع الشمل، وصون الوحدة الوطنية، وتعزيز المسيرة التي أرسى دعائمها اسلافنا، وفي ظل الشورى والديموقراطية عاش مجتمعنا منذ القدم، كما دعا سموه ـ رحمه الله ـ الى الوقفة الصادقة كي نتفادى اخطاء وسلبيات تجربتنا الديموقراطية، فمهما تباينت وجهات النظر والاجتهادات، فحبنا لكويتنا كفيل بإذابتها وصهرها، وتوحيد صفوفنا، وتبقى الكويت فوق كل اعتبار، وحثنا سموه ـ رحمه الله ـ على ان يكون لنا من تاريخنا وتراثنا نبراس يهدي خطانا، ومن سير اسلافنا في تعاونهم وتراحمهم مثل يحتذى في يومنا وغدنا، فمهما تكن الاخطاء والتحديات فإن ايماننا ووحدتنا، وصلابة عزيمتنا كفيلة بحلها وتجاوزها. ولما كانت من سمات الديموقراطية المكاشفة والمصارحة باستمرار ليكون كل كويتي على بيّنة باوضاع بلاده وسياستها الداخلية والخارجية، ولما كانت الصحافة هي السلطة الرابعة كما هو متعارف عليه فإن سموه ـ رحمه الله ـ حرص على الالتقاء بها بين فترة واخرى لاطلاع رؤساء تحرير الصحف والمجلات على التطورات، والرد على ما لديهم من استفسارات.
وكان سموه ـ رحمه الله ـ يحرص على القيام بالاستشارات والحث على اجراء الدراسات سعيا للوصول بالممارسة النيابية الى المسار الصحيح. ومن التوجه ذاته لسموه ـ رحمه الله ـ كان يردد شعاره المعبر عن حبه للكويت وحرصه على الحرية والديموقراطية، واحترام الرأي والرأي الآخر بقوله: «حبنا للكويت يوحدنا، تتنوع وجهات النظر وتبقى الكويت فوق كل اعتبار...».
ووفقا لما اتصف به سموه ـ رحمه الله ـ وانطلاقا من حرصه على المسيرة الديموقراطية فقد اوضح توجهاته حول الديموقراطية في خطابه بتاريخ 5/4/1994 بقوله «ان الديموقراطية الدستورية خيار لا رجعة فيه، وان المشاركة الشعبية التزام لا بديل عنه».
الموارد المالية
وعلى الصعيد الاقتصادي، فلقد كان للظروف الحرجة التي تحيط بالمنطقة، والهبوط الحاد في اسعار النفط، والهزات التي تعرضت لها الاسواق العالمية نتائج بالغة التأثير على اقتصادنا الوطني ترتب عليها نقص في مواردنا المالية، وقد كان لما اتخذته الحكومة من سياسات وخطوات مدروسة على المستويين المحلي والخارجي نتائج ايجابية ملموسة اسهمت في احتواء هذه المتغيرات والحد من آثارها.
اضطراب الأمن
وما كاد سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح ـ رحمه الله ـ يضع حلولا للازمات الاقتصادية التي اجتاحت الكويت خلال عقد الثمانينيات، حتى تصدى لمشكلة اضطراب الأمن، إذ كان على قناعة مؤداها ان استقرار الامن في ربوع الوطن هو المدخل الحقيقي للتنمية والتقدم ورفاهية المواطنين.
وعلى الرغم من ان سمو الشيخ سعد ـ رحمه الله ـ وقف موقفا حاسما ازاء أي محاولة للعبث بأمن واستقرار الكويت، فإنه كان يرى أن الطريقة المثلى للتعامل مع ظاهرة الارهاب هي الحوار، إذ ان العنف في رأيه لا يولد إلا عنفا، ومن الأجدى احتواء الحركات الارهابية والتعامل مع القائمين بها بموضوعية وايجابية وبعيدا عن التشنج، مع ادانته في الوقت نفسه لتلك الحركات التي كان من نتيجتها رسم صورة مشوهة عن الاسلام، ليس من شك في أن الإسلام بريء منها.
قضايا الوطن العربي
لم يحمل سمو الأمير الوالد الشيخ سعد ـ رحمه الله ـ في قلبه ووجدانه الوطن الكويتي الصغير فحسب، وانما كان مهموما بالوطن العربي الكبير من محيطه الى خليجه، ومن ثم كان حريصا على الدفاع عن مصالحه ووضعه في صلب اهتماماته واولوياته، ولإيمانه الشديد بأن قوة العرب الحقيقية لن تكون إلا في تضامنهم ونبذ خلافاتهم، فقد وجه جهوده لايجاد تسوية للخلافات والمنازعات العربية. وحرص سموه منذ آلت إليه رئاسة الحكومة على توحيد الصف العربي لمواجهة الأخطار المحيطة بالامة العربية، الى جانب دعم القضية الفلسطينية بكل الامكانيات والطاقات العربية.
وحدة الكويت
كان سمو الأمير الوالد الشيخ سعد يرى ان فتح باب الجنسية الكويتية على مصراعيه قد يؤدي إلى اخطار أمنية لا داعي لها، وكان في الوقت نفسه حريصا على وضع خطة سكانية تتضمن الأسلوب والوسائل المثلى التي من الممكن في ضوئها ان تؤدي الى الزيادة في عدد السكان، وذلك بمنح الجنسية أو الاقامة الدائمة لمن يثبت اخلاصه وولاؤه للدولة أو تقديمه خدمات جليلة لها، بهدف ايجاد نوع من الاستقرار النفسي للمقيمين في الكويت.
وكانت الخطة التي اعتمدها سمو الشيخ سعد هي اعطاء الاولوية في منح الجنسية للذين أمضوا في الكويت سنوات عديدة، ولهم ابناء تعلموا في مدارسها وتخرجوا فيها وعملوا في مجالات العمل المختلفة بها، الى جانب منح الجنسية للكفاءات العربية التي اسهمت في نهضة الكويت الحديثة، ومن ثم كانت توجيهاته للجان التي تشكلت للنظر في طلبات الحصول على الجنسية الكويتية بمراعاة تلك المعايير التي عني بوضعها. وكان أهم ما شغل فكر سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله هو التخطيط للمستقبل والمحافظة على الثروة القومية من اجل ضمان مستقبل الاجيال الكويتية. كان سموه حريصا على تأمين حياة نيابية مبرأة من الآفات والمزالق محاطة بسياج متين من القيم والمبادئ التي قام عليها المجتمع الكويتي، ايمانا منه بالديموقراطية وحرية التعبير عن الرأي التي مارسها المجتمع الكويتي منذ نشأته، إذ كان الأمر فيه شورى بين الحاكم والمحكومين. وقد عالج سمو الشيخ سعد العبدالله الازمات الدستورية وسلبيات الممارسة الديموقراطية التي تعرضت لها الكويت بقدر كبير من الحكمة والهدوء واضعا نصب عينيه دائما الوحدة الوطنية والمصلحة العليا للكويت. وفي مجال السياسة الخارجية كان التركيز على المحافظة على وحدة الكويت وسيادتها على ترابها الوطني والتزامها العربي والاسلامي تجاه مصالح الامتين العربية والاسلامية، وخاصة في مواجهة الاطماع الخارجية، والدفاع عن قضايا الحرية والعدل والسلام وحقوق الانسان.
بطل التحرير
كان سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله مقاتلا صلبا ومدافعا عنيدا عن الحق الكويتي عندما وقعت كارثة الاحتلال الصدامي للكويت والاحتلال وبذل سمو الشيخ سعد العبدالله خلال فترة الاحتلال الصدامي للكويت في عامي 1990 و1991 جهودا جبارة للدفاع عن الحق الكويتي في جولاته على الدول الشقيقة والصديقة وشرح قضية شعب الكويت العادلة، ما كان له الاثر الواضح في وقوف تلك الدول الى جانب الكويت. كما كان لكلمات سموه للشعب الكويتي اثناء محنة الاحتلال مردودها الايجابي في شحذ الهمم ورص الصفوف لدحر العدوان ورد كيد المعتدي. وتمثل تحرك سموه منذ اللحظات الاولى للعدوان الصدامي في إصراره على مغادرة سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد ـ رحمه الله ـ الى السعودية لأن وصول القوات العراقية الى أمير البلاد ورمزها كان يعني انهيار الروح المعنوية لدى افراد الشعب ولأن وجود رمز البلاد في الخارج يعني استمرار المقاومة وحرية الحركة لحشد الرأي العام الدولي والاسلامي والعربي حول قضية الكويت وسرعة تحريرها.
وبعد كارثة الاحتلال الصدامي بثلاثة ايام وجه سمو الامير الوالد الشيخ سعد خطابا الى الشعب الكويتي اكد فيه ان الكويت واجهت عبر تاريخها الطويل محنا قاسية ومحاولات غاشمة من المعتدين وكلها باءت بالفشل بفضل عناية الله ورعايته وتماسك اهل الكويت وتلاحمهم واستعدادهم للموت دفاعا عن ارضها الطيبة.
وفي 5 اغسطس 1990 التقى سمو الامير الوالد خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز في جدة حيث تم تبادل وجهات النظر حول اسلوب التحرك ازاء الموقف الناتج جراء العدوان على الكويت كما التقى سموه الرئيس حسني مبارك في الاسكندرية والقاهرة، حيث تم الاعلان بعد ذلك عن عقد مؤتمر القمة العربية الطارئ بتاريخ 19 اغسطس 1990 وترأس سموه وفد الكويت بعد سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد وألقى كلمة الكويت امام المؤتمر وغادر القاهرة في اليوم نفسه.
مؤتمر جدة
وكانت هناك علامة بارزة في تاريخ الكويت وهي انعقاد المؤتمر الشعبي في جدة خلال الفترة من 13 الى 15 اكتوبر من العام 1990 والذي نبعت فكرته من سمو الأمير الوالد حيث طرحها في اثناء زيارته الى المملكة المتحدة ولقائه مع ابناء الكويت في لندن في الاسبوع الاول من شهر سبتمبر 1990 اي بعد نحو شهر من وقوع الاحتلال الصدامي.
وبعد عودة سموه الى الطائف عرض الامر على سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد رحمه الله فباركها وايدها وبدأت الاجراءات لتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر وباشر سموه جميع الاجراءات بنفسه بدءا من الاجتماع مع اللجنة التحضيرية واعداد جدول الاعمال ومقابلة بعض الشخصيات الكويتية التي ستحضر المؤتمر وتوضيح فكرته والاتفاق على شعاره والى اصدار الدعوات باسم سموه الى جميع المشاركين. وبلغ عدد المشاركين 1200 شخصية كويتية تمثل مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية اضافة الى عدد من الشخصيات الاجنبية ونحو 433 من رجال الصحافة والاعلام لتغطية احداثه وترأس سموه المؤتمر. ورفع المؤتمر شعار «التحرير.. شعارنا.. سبيلنا.. هدفنا» وألقى سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد كلمة الافتتاح والقى سمو الشيخ سعد العبدالله رئيس المؤتمر كلمة في اليوم الأول ثم القى سموه كلمة في ختامه.
وصدر عن المؤتمر بيان ختامي يشمل 19 بندا ثم تكونت لجنة من 29 عضوا بدعوة من سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله وبرئاسته لتشكيل هيئة استشارية عليا برئاسته لمتابعة تنفيذ التوصيات والقرارات. ومع تحمل سموه الأعباء والمهام الجسام التي كانت موكلة اليه خلال فترة الاحتلال الصدامي الغاشم للكويت والتي اداها بكل صدق وتفان فإن ذلك كله لم يؤثر على مهامه الاساسية كولي للعهد ورئيس لمجلس الوزراء والتي تمثلت خلال هذه الفترة في رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء الذي كان في حالة انعقاد شبه مستمر، في مدينة الطائف خلال فترة الاحتلال وذلك لإدارة شؤون البلاد والمواطنين في الداخل والخارج وتميزت هذه الفترة بأهمية الموضوعات التي كان يناقشها المجلس وحيويتها والسرعة والدقة في القرارات التي تم انجازها.
جولات خارجية
وقام سموه بجولة شملت سورية وتركيا والمغرب والجزائر وتونس خلال الفترة من 13 الى 23 اغسطس 1990 حيث سلم رسائل من سمو الأمير الراحل تتعلق بآخر المستجدات في ضوء العدوان على الكويت كما زار ليبيا وعقد اجتماعات لشرح ابعاد قضية الكويت لشعوب تلك الدول وادلى بتصريحات شكر فيها الدول المؤيدة للكويت على مواقفها المؤيدة للحق والعدل. وابرز سمو الامير الوالد الراحل موقف الكويت وبشكل مستمر على انها ليست داعية حرب ولا تريد تعريض المنطقة للخطر، بل كل ما تطلبه هو تنفيذ قرارات القمة العربية وقرارات مجلس الأمن 660،661، 662 وقرارات مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية التي تتفق جميعها على ضرورة انسحاب العراق فورا ودون اي شروط وكان سموه يتابع بصفة شخصية ودائمة الاوضاع المعيشية الكريمة للمواطنين الكويتيين في الخارج سواء في الدول الخليجية او العربية وتأمين المعيشة للمواطنين في الداخل بهدف رفع الروح المعنوية والوقوف على المستجدات في الساحة الداخلية واحتياجات المواطنين وبيان مؤازرة الشعوب الشقيقة والصديقة لجانب الحق الكويتي.
كما حرص سموه على اللقاء المستمر والمباشر مع مواطني الكويت في كل دولة يزورها وذلك بهدف الاطمئنان على حياتهم وشرح الموقف السياسي والعسكري لهم ورفع روحهم المعنوية واطلاعهم على ان العالم الحر الشريف يقف معهم ويؤيد قضيتهم.
مطالبته بالتعويضات
وأصر سموه رحمه الله على الوقوف الصلب الى جانب الحق الكويتي وعدم المساومة على اي شبر من الارض الكويتية فضلا عن مطالبة سموه بالتعويضات عن اضرار الاحتلال منذ الشهر الاول، وهذا يؤكد ايمان سموه منذ اللحظات الاولى بتحرير الوطن ودحر العدوان.
وتبنى سمو الامير الوالد الراحل رفض الكويت لأي وساطات او مبادرات لحلول وسط للأزمة وأصر على تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن والقمة العربية. وحرص سموه على الاتصال المباشر وشبه اليومي بقيادات المقاومة الكويتية بهدف الاطمئنان على حياة المواطنين في الداخل والاطلاع على اعمال المقاومة بشكل دوري ونقل توجيهات سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد ـ رحمه الله ـ وتوجيهاته لقيادات المقاومة وشرح الموقف السياسي والعسكري لهم.
ومنذ اللحظات الأولى للتحرير ترأس سمو الامير الوالد اجتماعات مجلس الوزراء في الكويت وكانت تعقد في ديوانية الشايع، فقد كان سموه على رأس الحكومة والجهاز الاداري للدولة عند دخوله الكويت بعد التحرير مباشرة وكان لوجوده على رأس الحكومة اكبر اثر في فرض الامن واعادة السيطرة للدولة في كل ارجاء البلاد.
كما كان لسموه مواقف مشرفة تناقلتها كل وسائل الاعلام الدولية والعربية عندما تصدى شخصيا وبكل قوة وحزم لأي عمليات انتقامية يقوم بها بعض الشباب المتحمس ضد اي قوى تعاونت مع قوات الاحتلال الصدامي في اثناء الاحتلال وطلب ان يأخذ العدل مجراه في هذه الامور وان تحال هذه الامور برمتها الى القضاء الكويتي العادل.
وكانت الفترة التي تلت التحرير مباشرة من اصعب الفترات التي مرت على الكويت في تاريخها الحديث وبرز خلالها سمو الشيخ سعد العبدالله بأدائه المتفاني وديبلوماسيته العالية وحزمه واصراره الصلب على التعامل مع كم المشكلات الهائل الذي واجه الدولة منذ اللحظة الاولى للتحرير.
وتمثل ذلك في اعادة مرافق الدولة الى العمل بكل كفاءة وسرعة وفرض الامن والنظام واظهار هيبة الدولة وسلطتها والتعامل مع فلول الاحتلال ومن تعاون معهم بكل حزم وعدل اضافة الى وضع خطة لإعادة الوافدين الشرفاء الى اعمالهم للمشاركة في معركة اعادة البناء وعلى رأس كل هذه المشكلات وغيرها التعامل وبسرعة مع اكبر جريمة بيئية في التاريخ المعاصر وهي اطفاء آبار النفط التي حرقها المعتدي الغاشم عند طرده من الكويت. كل هذه المشكلات الجسام وغيرها كانت تشغل بال سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله وتؤرقه، الامر الذي دفعه الى الاستعانة بالخبرات الوطنية التي صهرتها تجربة الاحتلال فتمكن من اجتياز كل المشكلات، ما مكن الدولة من اعادة الحياة الى شكلها الطبيعي بسرعة ودقة.
وكان سموه قد عاد الى الكويت في الرابع من مارس عام 1991 بعد التحرير واندحار المحتل حيث احتشد آلاف المواطنين لاستقباله ومع لحظة نزوله ارض الوطن صلى سموه ركعتين شكرا لله على نصره حيث بدأ معركة اعادة اعمار الكويت التي اجتازها في فترة قصيرة بكل نجاح.