ناصر العنزي
عندما مات الرسام الهولندي الشهير ڤان جوخ 1890 لم يمش في جنازته سوى سبعة اشخاص في حين دخل في يوم واحد أحد معارضه 130 ألف زائر في نيويورك، وقدر ثمن لوحاته كلها بثمانية ملايين دولار، ولكن بعد موته، فأين العدالة في حقوق هؤلاء المبدعين الذين لطالما أمتعوا الناس بأعمالهم ومواهبهم وادخلوا البهجة في نفوسهم، أين اختفت انسانية البشر تجاه مثل اولئك العظام؟ فهل كان على ڤان جوخ ان يحتفظ بموهبته لنفسه ولا يظهرها لغيره كي يحرمهم من التمتع بجمال الطبيعة؟ ولو كان يعلم ان سبعة اشخاص فقط سيكرمونه في مماته لرسم في حياته سبع لوحات فقط.
وفــي مــلاعبـــنا الكروية عادة ما يكرم المشاهير والنجوم في حياتهم وعندما يعتزلون مهنتهم تبتعد عنهم الاضواء ويعتزلهم العامة ويصبحون على ما فعلوا نادمين، فاللاعب في نظر الجماهير «كرة» والكرة في نظر اللاعب جمهور فالأول يحتاج الى من يصفق له ويهتف باسمه ويبتسم عندما يراه والجمهور يريد من اللاعب الا يشيخ أبدا ويبقى في عمر العشرين يسجل له الأهداف ويخرج بفريقه فائزا، وعندما يعتزل يأتي غيره، وان مرّ في طريق لا يلقي عليه التحية وكأنه يراه للمرة الاولى ويقول في داخله «يوم لك ويوم عليك».
ولو سألت لاعبينا الدوليين عن أصعب لحظات حياتهم الكروية لأجابوا في صوت واحد لحظة الاعتزال فنحن لسنا مخلدين في الملاعب ونؤمن ان لكل بداية نهاية، ولكننا لا نجد التكريم اللائق الذي يواكب ما قدمناه لأنديتنا ومنتخبنا، ويقول أحد نجومنا المعتزلين ان ناديه كافأه بمبلغ 200 دينار بعد ان مثله شبلا حتى يوم اعتزاله، ويعيش النجم السابق جاسم الهويدي حالا صعبة هذه الايام لاقامة مهرجان اعتزاله بسبب اوضاع الساحة الرياضية حاليا وكأن الظروف تعانده بعد ان خذلته في فترات سابقة مع ناديه السالمية ويمكن ان نطلق عليه «آخر اللاعبين المعتزلين» بعد ان اصبحت الاعتزالات لكل من «هبّ» في الكرة و«دبّ» في الملعب.
وقصة الهويدي مع الكرة لا تخلو من الغرابة والتشويق ويمكنها ان تكون من ضمن اسئلة «ضع علامة صح امام العبارة الصحيحة وعلامة خطأ امام العبارة الخاطئة» في اختبارات التقويم الدراسية، فهو ربما المهاجم الوحيد الذي لا يجيد الانطلاق بالكرة ولا يتقن المراوغة اطلاقا، ويعتمد على رأسه وكوعه يساعده في ذلك، وطوله الفارع 191سم وقوة تسديداته ودقتها نحو المرمى، ويتصف ايضا بجرأة المواجهة اذا احتاج الامر للتعامل مع المدافعين على طريقة مشاجرات «راس براس»، واكتسب مهاراته القتالية داخل الملعب منذ ان لعب بفريق الجودو ناشئا قبل ان يتحول الى كرة القدم ويصبح واحدا من اشهر الهدافين واكبر ألقابه «هداف العالم 1998» فالكرة تتحول الى «جمرة» تحت قدميه يحرق بها شباك الحراس ولسعاته اشبه بلسعة عقرب خرجت للتو من خبئها الدافئ ولم يترك حارسا في حاله ابتداء من يونس احمد والدعيع ومصبح وحمود سلطان وأحمد خليل وغيرهم، وكرته التي يلعب بها من نوع كلاشينكوف.
عندما تولى التشيكي ميلان ماتشاله تدريب الازرق عام 1996 اعاد الهويدي الى صفوف المنتخب بعد انقطاع طويل وزج معه عددا كبيرا من اللاعبين لاختيار الأنسب منهم ولسان حاله يقول «كثّر الجيش يطلعلك فارس»!