حفلت محصلة دورة العاب البحر المتوسط التي اختتمت الاحد الماضي في مدينة بيسكارا الايطالية، برقمين عالميين في السباحة سجلهما الاسباني ارشوين فيلدبور (100م ظهرا) والايطالية فيديريكا بيلليغريني (400م حرة)، ما عزز من رصيد هذا الحدث الاقليمي.
لكن تساؤلات سرت ربما بعيدا من حوض المنافسات حول اللباس الذي استخدمه كل من السباحين، ومدى «ثوريته» في ظل موضة «جيكد01» وريث الانسجة التي أسهمت في فورة الأرقام القياسية منذ سنوات، وحركت المطالبة بالعودة الى لباس السباحة «الكلاسيكي» التقليدي المصنوع من القماش فقط، والذي يستر عورة و»يحرر» الذراعين والساقين من «مرادفات صناعية» محفزة تقنيا.
عالم السباحة دخل رسميا منذ اسابيع قليلة عصر «جيكد 01» المنتظر ان يكون قصيرا، وذلك بعد ان حسم الاتحاد الدولي للسباحة «فينا» الجدل الدائر منذ شهور في شأن البسة السباحة المصنوعة كليا من مادة بوليوريتان، وخصوصا «جيكد 01»، فاجاز استخدام هذا النوع من الالبسة طوال عام 2009 وفي بطولة العالم للسباحة المقررة اقامتها في روما من 26 الجاري حتى 2 اغسطس المقبل.
وكان لباس «جيكد 01» استبعد من اللائحة الاولى للالبسة المجازة والتي نشرت في 19 مايو الماضي، شأن منافسه الرئيس «اكس - غلايد ارينا»، وطلب الاتحاد الدولي في حينه من الصانعين اعادة النظر في 136 نموذجا للالبسة مصنوعة كلها من البوليوريتان، نظرا الى تسببها المفترض في «فقاعات هواء» من شأنها تعزيز العوم وتاليا نتائج من يرتدونها.
وردت شركة «جيكد»، الشريكة الرسمية للاتحاد الايطالي للسباحة، انه لا يمكن ان تؤخذ «فقاعات الهواء» في الاعتبار الا على لباس متمدد وتاليا ملبوس، في حين ان الاتحاد الدولي اجرى اختباراته على البسة غير ملبوسة.
وبناء على ذلك، تقدمت «جيكد» مجددا مع لباسها «جيكد 01» دونما تعديل مدعمة طلبها بدراسة اجراها 4 خبراء في جامعة بيزا، فقبل به الاتحاد الدولي الذي ادرج في اللائحة ايضا «اكس - غلايد ارينا» معدلا.
يذكر ان الايطالية بيلليغريني والفرنسي فريديريك بوسكيه كانا يرتديان لباس «جيكد 01» عندما حطما ارقاما قياسية عالمية. والبوليوريتان مادة مشمعة تعزز العوم. لكن الاتحاد الدولي اوضح انه في اول يناير 2010 سيدخل نظام جديد حيز التنفيذ يمنع بموجبه استخدام البسة السباحة المصنوعة كليا من البوليوريتان.
تاريخيا، ظهرت «فقاعات مياه» متناثرة في احواض العوم في 20 سبتمبر 2000 خلال دورة سيدني الاولمبية، وبعد منع خجول للباس كامل ارتداه سباحون على غرار الغطاسين، وهو»موروث» اول الابتكارات التي بدأت عام 1990 وشرعه الاتحاد الدولي في 9 اكتوبر 1999.
وبات الحوض الاولمبي في سيدني شاهدا على صورة لانطلاق السباحين، ابرزهم الروسي الكسندر بوبوف في «مايوه» عادي بسيط، والهولندي بيتر فان دن هوغنباند في سروال طويل، والاسترالي مايكل كليم في لباس كامل من دون اكمام. وتمكن الهولندي من خطف ثنائية الـ 100 والـ 200م.
وفي بطولة العالم التي اقيمت في مدينة فوكووكا اليابانية (26/7/2001)، ثأر «التوربيدو» الاسترالي ايان ثورب الخاسر امام هوغنباند في سيدني. وحصد 6 ميداليات ذهبية وهو رقم قياسي، وارتدى لباسا كاملا ثوريا وقتذاك من ماركة اديداس بقيت تركيبته سرية وطغى لباس سبيدو جغز المغطى بطبقات من البوليوريتان موفرا فارقا واضحا في الانسيابية، على ما عداه العام الماضي واسهم في تحطيم 108 ارقام قياسية متنوعة، منها عشرات في دورة بكين الاولمبية.
وخطف نموذج «جيكد 01» الاضواء في مطلع الربيع الماضي خصوصا حين تمكن الفرنسي بوسكيه (26/4/2009) من أن يصبح اول سباح يسجل دون الـ 21 ثانية في سباق الـ 50 م حرة (20.94ث).
و«انتصار» الماركة الايطالية المؤقت ومصنعها فرانشيسكو فابريكا حرك مصانع عالمية اخرى تتنافس على حصتها في السوق، معتمدة على تقنيات تكنولوجية تعزز الارقام القياسية التي اصابها انهيار كبير العام الماضي. وجعلت «الثورة الجديدة» سباحين مغمورين يحصدون تفوقا وارقاما في غير متناولهم البتة، مثلا اضحى الاسباني رافايل مونوز منذ مارس الماضي منافسا مباشرا للأميركي مايكل فيلبس اثر تحطيمه الرقم العالمي في الـ 100م فراشة.
ويسري حاليا نقاش مستفيض في اطار اقتراح العودة الى اعتماد لباس السباحة التقليدي الكلاسيكي، حول مدى انعكاسه على ازدهار اللعبة التي تظل «معدومة» الموارد والجوائز قياسا الى ما تحققه العاب القوى، ما عزز فكرة الاستعانة بالثورة التكنولوجية من اجل «الاستعراض»، ولعل في هذه الخطوة تشجيعا للشركات على الرعاية والاستثمار ورفع سقف الجوائز.
ولأن الحياة تطور مستمر من باب المقارنة ليس الا، فقد تساءل خبراء وسباحون يؤيدون اعتماد الالبسة الثورية: هل يقبل مثلا حامل الرقم القياسي في سباق الـ 100م العداء الجامايكي الاولمبي اوساين بولت العودة الى الوراء واعتماد مضامير التراب المرصوص بدلا من الترتان؟
في المقابل يرفض آخرون «الثورة المفتوحة» واصفين الاعتماد الكامل لمادة البوليوريتان في لباس السباحة بـ «الفضيحة»، لأن «منافسات الحوض ليست سباقات فورمولا واحد»، من دون إهمال «المفيد» من تقنيات التصنيع، لأنه «لا يمكن ان يقف احد امام الاغراءات التقنية».
والمنافسة التجارية أو ما يسمى بـ «حرب الماركات» وتسابقها على الفوز بثقة النجوم الكبار «سعرت» السوق، كما هدد بعضها مثل «تير» بالتقدم بدعاوى ضد الاتحاد الدولي لانه رفض التصريح للالبسة من انتاجها تتمتع بمواصفات «جيكد 01» ذاتها وبعدما استثمرت ملايين عدة من اليورو.
ويكشف فابريكا مصنع جيكد، انه استثمر قبل دورة بكين الاولمبية نحو 600 الف يورو لاطلاق الموديل الجديد، منها نسبة 50 % لأبحاث التطوير.
أما تصنيع سبيدو جغز، الذي لن يتخلى عنه الاميركي فيلبس (8 ذهبيات في بكين) ونجوم آخرون، فبلغت نفقات تصنيعه والاختبارات الموازية 6 ملايين دولار في غضون 3 سنوات.
وأسهمت وكالة الفضاء الاميركية «ناسا» في جانب من الاختبارات التمهيدية، الى تطوير ادوات وصور مقطعية مجسمة لـ 400 سباح وحركاتهم في الاحواض.
كما انفقت ارينا مليون يورو قبل ان «يولد» موديلها الجديد المواكب لثورة البوليوريتان.
ويلفت عاملون في قطاعي الاعلان والتسويق ان جيكد باع اكثر من 6 آلاف لباس في الاسابيع الاخيرة (معدل سعر الوحدة 372 يورو)، في حين أن معدل مبيعات الالبسة المتطورة يتخطى المليون قطعة سنويا لمختلف الماركات.
وطبعا تؤمن موجة الارقام القياسية دعاية مجانية.
علما ان كلفة الالبسة التي يحتاجها سباح من مستوى متقدم تفوق الـ 5 ملايين يورو، وتكون عموما على عاتق الاتحادات الوطنية والأندية او الرعاة، وهم غالبا مصانع ألبسة السباحة.
وترصد ارينا نحو 700 الف يورو لرعاية الفرنسي الن برنار البطل الاولمبي لسباق الـ 100م على مدى 4 سنوات، والذي حطم حاجز الـ 47 ثانية في نيسان (ابريل) الماضي مسجلا 46.94 ثانية مرتديا لباس اكس ـ غلايد ارينا (غير معدل). بينما يحظى فيلبس بالمبلغ ذاته كل موسم من سبيدو.
و»تربط» الشركة الاميركية افضل السباحين العالميين من الولايات المتحدة واستراليا بعقود معها، ما حدا بعضهم على اعتبار ارتداء جيكد في بطولة العالم انها «بطولة بوليوريتان»، ومنهم الفرنسي آموري لوفو ثاني سباق الـ 50 م في بكين، الذي عبر عن الوضع المستجد ساخرا بقوله: «الأمر سهل، ما عليك الا ارتداء لباس جيكد فتضمن الفوز».