لم يكن الكثير من المشجعين يعلمون من هو، حين دخل الملعب بقامته الطويلة وجسمه النحيل، كما تسأل الكثيرون كيف يمكن لشخص يرتدي نظارات طبية كبيرة تجعله يبدو كبروفسور في جامعة وأن يقود فريقا يملك تاريخا عريقا مثل ارسنال لتحقيق النجاحات.
إلا أن السنوات أثبتت أن أول مدرب أجنبي في تاريخ الفريق اللندني نجح في ان يصبغ النادي باسمه، حيث بات الجميع يلقب ارسنال بنادي أرسين ڤينغر. ففي زمن عرف سيطرة شبه مطلقة لمان يونايتد على الدوري الإنجليزي الممتاز، أتى هذا المدرب الفرنسي ليعيد ارسنال إلى أمجاده وحوله من فريق كانت وسائل الإعلام تلقبه بالفريق الممل إلى رمز للكرة الجميلة والعصرية التي يتغنى الجميع بمهارتها حول العالم.
ومنذ قدومه عام 1996، نجح ڤينغر في تحقيق 11 لقبا مع «المدفعجية»، إضافة لقيادته الفريق اللندني إلى نهائي دوري ابطال اوروبا للمرة الأولى والوحيدة حتى الآن في تاريخه.
إلا أن الجميع يعتبر أن أكبر انجازات الفرنسي متمثلة في قدرته على بناء أجيال متتالية من الفرق التي تحصد البطولات اعتمادا على فلسفة الهجوم وامتاع الجماهير.
كما يعتبر ڤينغر أمهر المكتشفين للمواهب الشابة حول العالم، حيث يقوم بضمهم إلى ارسنال بأقل التكاليف، قبل أن يحولهم إلى نجوم عالميين.
وقد كان لوعي ورؤية ڤينغر المستقبلية وحسن ادارته لموارد النادي المادية دورا كبيرا في انتقال ارسنال إلى ملعب «الإمارات»، فضلا عن ملاعب تدريبية حديثة في منطقة «لندن كولوني».
ورغم التكاليف الباهظة لبناء الملعب الجديد، إلا أن سعته التي تصل إلى 60355 متفرجا جعلته يصبح ثالث أكبر ملعب في المملكة المتحدة بعد «سلتيك بارك» في مدينة غلاسكو، و«أولد ترافورد» في مدينة مانشستر. وقد مثلت هذه السعة زيادة 21936 ألف متفرج عن سابقه (ملعب «هايبري»)، مما يعني زيادة في دخل النادي.
صفير الاستهجان
لكن الحال تبدلت بشكل مفاجئ في الموسم الماضي, فقد تعرض ڤينغر لصفير الاستهجان من قبل بعض جماهير ارسنال وذلك للمرة الاولى منذ قدومه إلى لندن، كما وصلت الحال بقلة أخرى من المشجعين لمطالبته بالرحيل.
لكن ما هو السر وراء هذا الاستياء الذي فاجأ الجميع؟ الجواب المباشر يتمثل في فشل الفريق في تحقيق أي لقب منذ فوزه بكأس إنجلترا عام 2005.
وإن لم يكن ذلك كافيا فإن ارسنال لم يحقق ترتيبا أعلى من المركز الثالث خلال المواسم الأربعة الماضية، مع احتلاله المركز الرابع في 3 مناسبات.
لكن أكثر ما يثير حفيظة محبي ارسنال هي سياسة التعاقدات التي ينتهجها النادي، وضعف القوة الشرائية لـ «المدفعجية» في سوق الانتقالات. ففي زمن باتت فيه فرق الدوري الممتاز تنفق الملايين في سبيل المنافسة والتطور، أبى ڤينغر إلا أن يعتمد على أسماء شابة غير معروفة وبأقل الأسعار، وقد وصلت الحال بالبعض لاتهام الفرنسي بالبخل الشديد والعناد الذي لا طائل منه.
وإن لم يكن كل هذا كافيا لإحباط المشجعين، فإن الأمر ازداد سوءا بعد أن قام النادي ببيع كل من المهاجم التوغولي ايمانويل أديبايور والمدافع العاجي كولو توريه إلى مانشستر سيتي، ليزداد الشعور بأن الفريق بات أكثر هشاشة.
ولمن يكن رحيل أديبايور مفاجأة كبرى رغم أن التوغولي كان ناجحا مع الفريق منذ أن استقدمه فينغر من ناديه السابق موناكو الفرنسي مقابل 3 ملايين جنيه، إلا أن رغبة المهاجم في الانتقال كانت واضحة، خاصة في ظل ضعف الدعم الجماهيري له.
وازداد الانتقاد لإدارة ارسنال مع رحيل توريه، وتعجب الخبراء من سماح «المدفعجية» بانتقال اثنين من أبرز اللاعبين إلى فريق يشكل التهديد الرئيسي لبقاء ارسنال بين «الاربعة الكبار»، لكن ڤينغر فسر الأمر بطريقته الفلسفية حيث أكد أنه لا يمكن الوقوف في وجه لاعب ما إن اراد الرحيل، كما لا يمكن تحديد وجهته لأن ذلك سيعتبر استعبادا.
واعتبر الفرنسي أن مانشستر سيتي سيكون منافسا خطرا سواء انتقل إليه اديبايور وتوريه من عدمه، فالنادي يملك الكثير من المال ليضم أي لاعب يريده.
إلا ان انتقال توريه اشعر الجماهير بالحزن لأنه كان آخر اللاعبين الصامدين في ارسنال من التشكيلة التي عرفت بـ «الفريق الذي لا يقهر» والتي حققت لقب الدوري الممتاز في موسم 2003 ـ 2004 دون أن تتعرض لأي هزيمة، ليكون أول ناد يحقق هذا الانجاز منذ أن نجح بريستون نورث إند في ذلك عام 1889، والأول والوحيد الذي حققه في الدوري الممتاز.
تحدي ڤينغر
ولاتزال جماهير ارسنال تتغنى بذلك الفريق الذي ضم الكثير من الأسماء المميزة والخبيرة.
وبما أن الفريق كان واحدا من أنجح تشكيلات «المدفعجية» خلال تاريخه، إلا ان المقارنة بينه وبين المجموعة الحالية يبقى أمرا لا مفر منه، خاصة مع اعتماد ڤينغر على اللاعبين الصغار الآن.
فالأرقام تبين أن معدل أعمار التشكيلة الرئيسية الحالية للفريق هو نحو 25 عاما، مع لاعبين فقط تجاوز عمراهما سن الـ 30 عاما هما الحارس الاسباني مانويل ألمونيا والمدافع الفرنسي وليام غالاس، بينما كان معدل أعمار التشكيلة الأساسية لـ «الفريق الذي لا يقهر» نحو 29 عاما، مع وجود العديد من اللاعبين أصحاب الخبرة والذين تجاوزت اعمارهم الثلاثين عاما مثل مارتن كيون الذي كان عمره 38 عاما في موسم 2003 ـ 2004.
ورغم أن الفريق الحالي يضم الكثير من المواهب التي اكتشفها ڤينغر، إلا أن الكثيرين يعتقدون أن النسخة الجديدة لارسنال تفتقد القائد صاحب الخبرة والقادر على شد ازر اللاعبين حين يمر الفريق بأي مشكلة، مما حدا بالمدرب الفرنسي لمحاولة التعاقد مجددا مع لاعب الفريق السابق مواطنه باتريك ڤييرا من ناديه الحالي انتر ميلان الايطالي.
الموسم الجديد بات على الأبواب، وڤينغر يدرك أنه قد يكون أكبر تحد له منذ قدومه إلى إنجلترا، لكن الأيام أثبتت أن الفرنسي شخص يهوى التحدي في زمن لا يعترف بالرومانسية والأفكار الحالمة.