بدأت الحرب الكلامية المستعرة بين «السير» اليكس فيرغسون مدرب مان يونايتد بطل الدوري الانجليزي لكرة القدم والاسباني رافاييل بنيتيز مدرب ليڤربول قبل ان تنطلق حمى مباريات الموسم الجديد.
فالهدنة التي لم تدم طويلا بين فيرغسون افضل مدرب على الاطلاق في تاريخ الكرة البريطانية، وبنيتيز الذي مازالت امنيته التي يجاهر بها ان يقلل من غرور وعنفوان «السير»، اتضح انها هدنة هشة للغاية ويبدو أن ما تركته الضغوط المتلاحقة على الرجلين والرغبة بالتفوق على الآخر قد جعلت العلاقة بينهما تتجاوز حد المنافسة الرياضية الى الكراهية ربما والدليل ان ما ينطقه كل شخص تجاه الآخر من منتصف الموسم الماضي لا يدل على احترام وتقدير للطرف الآخر.
ورغم ان تعليمات البطولات الانجليزية تطلب من كل المشاركين من حكام ولاعبين واداريين ومدربين وقائمين على الفرق ان يتحلوا بسلوك رياضي قويم وان تبدي كل الأطراف احترامها للطرف الآخر لأنها بالنهاية قدوة لأجيال متلاحقة تحب اللعبة وتعشق جميع اطرافها وتقتدي بهم، فانه بات يخشى ان تؤثر هذه الحرب الكلامية المستعرة على جماهير الناديين الكبيرين في انجلترا وخارجها ويتحول حتى التنافس بين اشهر فريقين بريطانيين الى كراهية بين الجماهير ربما هي موجودة اصلا حتى قبل ان تؤججها الحروب الكلامية المتواصلة بين الربانين.
لذلك قد تأتي العقوبات المتوقعة بحق الرجلين لو استمر الأمر بينهما هكذا لتضع حدا لفاصل من فصول التنافس الرياضي عندما يتحول الى كراهية في بلاد مهد الكرة حيث الجمهور هناك الأكثر عاطفية وتعلقا بكل ما يتعلق بفريقه.
فجمهور ليڤربول الذي ظل يتباهى بأنه «السيد» المطلق للبطولة المحلية وان احدا لن يلحق به ابدا يتعامل الآن مع الواقع المرير عليهم والذي فرضه فريق «السير» فيرغسون الذي عادل رقمه القياسي في عدد مرات الفوز بالدوري المحلي، ولقب آخر يخوله انتزاع السيادة، وهم يرون ايضا ان فيرغسون زاد من آلامهم بتعاقده مع الهداف التاريخي مايكل اوين الذي لا يتخيل انصار «الحمر» ان نجمهم الذي احبوه وغنوا له دائما سيرتدي قميص الأعداء.
ولا يمتلك هذا الجمهور العريق الا ان يقف مع مدرب فريقه في حربه المستعرة على امل ان يحقق احلامه وحلم القائد ستيڤن جيرارد باعادة كأس الدوري الى خزائن «انفيلد» من جديد بعد ان كان كيني دالغليش الاسطورة الحمراء الاخرى آخر من فعل ذلك قبل 20 عاما وهي فترة لم يتخيل اشد المتشائمين من الجمهور الأحمر ان تكون كلها سنوات عجافا في اغلى البطولات على قلبهم.
وجاء تصريح فيرغسون الأخير ليظهر عند الجمهور الأحمر وكأنه يسخر من فريقهم عندما قال «ان ليڤربول لعب اروع مواسمه على الاطلاق، لكنه انهى الدوري وراءنا بأربع نقاط»، وازداد استخفافه عندما قال ان «ليڤربول لن يكون بنفس القوة هذا الموسم واذا ما نافسنا احد فالأقرب هو تشلسي».
فيرغسون مستفز
ومن يعرف تاريخ فيرغسون يدرك تماما انه مستفز، فعلى الرغم انه اثبت مرارا أنه رجل رياضي ويعترف بالخسارة لو كانت مستحقة كما حصل في 27 مايو الماضي امام برشلونة الاسباني في نهائي دوري ابطال اوروبا، فانه اعتاد ان يقلل من شأن منافسيه ربما للتأثير عليهم وربما نجح سلاحه هذا في كثير من الأحيان.
ولا يمكن لمن يتابع الكرة الانجليزية ان ينسى الاسطورة كيفن كيغان وهو فاقد لأعصابه في الاسابيع الاخيرة لموسم 95-96 عندما كان يدرب نيوكاسل الذي خاض منافسة شرسة للغاية مع مان يونايتد، حيث بدأ فيرغسون في التقليل من كيغان وفريقه فظهر الاخير على شاشات التلفزة فاقدا لأعصابه بتأثير ما قاله مدرب «الشياطين الحمر» وهو يردد انه يريد هذا اللقب اكثر من اي شيء آخر ومع الأسف لم يكتب له ان يفوز به.
بعد كيغان، جاء الفرنسي ارسين فينغر الذي ثبت نفسه وفريق أرسنال كأشد منافس لفيرغسون ومان يونايتد، ولم تخل الامور في كثير من الأحيان من تصريحات نارية بينهما وصلت في بعض الأحيان الى التقليل من الطرف الآخر بصورة غير حضارية ابدا، وانعكس ذلك ليس فقط على الجمهور بل على اللاعبين ايضا، فالمشهد التاريخي للاعبي ارسنال وهم يركضون وراء مهاجم مان يونايتد الدولي الهولندي رود فان نيستلروي وهم يدفعونه ويشتمونه بعد ان اهدر ركلة جزاء في اللحظة الاخيرة من لقاء الفريقين موسم 2003-2004 لا يمكن نسيانه ابدا وأكيد انه جاء بتأثير الحرب الكلامية بين الرجلين الكبيرين.
وخفت هذه الحدة في السنوات الثلاث الاخيرة ربما لأن ارسنال لم يعد فريق بطولات، وجاء عناق فيرغسون لفينغر بعد لقاء الفريقين ايابا موسم 2007-2008 ليؤكد ان الود عاد بين الرجلين، لكن فيرغسون خاض قبل ذلك معركة محتدمة اخرى مع رجل قد يكون اكثر استفزازا وهو البرتغالي جوزيه مورينيو الذي صعق ملعب «اولد ترافورد» عام 2004 وهو يركض كالطفل فرحا بعد ان اخرج فريقه آنذاك بورتو فريق «السير» من البطولة الاوروبية العريقة، حيث شاءت الأقدار بعدها ان يتحول مورينيو الى «البريميرليغ» ويظهر تفوقه مجددا على «السير» من خلال قيادة تشلسي الى لقب البطولة الانجليزية مرتين.
ورغم ان فيرغسون عاد وتفوق على مورينيو عام 2007 وانتزع منه اللقب، الا ان مسيرة البرتغالي لم تطل ورحل الى انتر ميلان الايطالي، رغم انه لو بقي لوجد حربا مسعورة تنتظره مع فيرغسون بعد ان انحصر التنافس بين مان يونايتد وتشلسي على كل شيء عام 2008.
بنيتيز يهاجم «السير»
ومع رحيل مورينيو توقع الكثيرون ان تعود الحرب الكلامية بين فيرغسون وفينغر، لكن رجلا آخر دخل على الخط بعد ان كان يظهر هدوءا كبيرا وهو بنيتيز الذي اذهل الجميع وهو يكشر عن انيابه ويهاجم فيرغسون بضراوة بعد ان اظهرت دلائل الموسم الماضي ان فريقه بات المنافس الأشد لمان يونايتد، ولرغبته الجارفة في ان يكون الرجل الذي يعيد اللقب الى «انفيلد» لذلك لم يذخر تصريحا هو الآخر ليهاجم «السير» ويقول انه «شخص يرى نفسه فوق القانون فهو ينتقد من يريد من الحكام ويجعل فريقه ضحية لهم والغريب ان لا احد يكلمه».
ربما فوجئ الكثيرون بما قاله الاسباني لكن لا يبدو ان فيرغسون من هؤلاء فقد رد بهدوء وقال ان بنيتيز خرج عن الاصول الرياضية واحترام المنافسين من خلال حركة قام بها الاسباني بعد ان سجل فريقه الهدف الرابع بمرمى بلاكبيرن.
واستمرت الحرب الكلامية بين الرجلين حتى بعد ان حسم مان يونايتد الدوري لمصلحته مرة اخرى، لكن بعد ان نال «رافا» وجمهوره بعض العزاء من خلال فوز فريقهم مرتين على مان يونايتد 2-1 في «انفيلد» و4-1 في «اولدترافورد» وهي النتيجة القياسية التي افرحت جمهور ليڤربول كثيرا لكنهم لم يكونوا الاكثر فرحا لأنهم لم يكونوا من فرح في النهاية.
لكن جماهير الفريقين تتوق من الآن لمواجهتي الدوري في الموسم القادم في 24 اكتوبر المقبل و20 مارس 2010 وربما لمواجهات اخرى قد تفرزها البطولة الاوروبية او بطولتا الكأس في انجلترا.
والرقم 19 هو الذي وضعه الرجلان هدفا رئيسيا قبل بداية الموسم الكروي المقرر له عند انتصاف الشهر الجاري، حيث سينفرد من يقود فريقه للقب ليكون هو السيد الاول لأقوى البطولات وحده وبالتالي فالتحدي بينهما سيزداد عن السابق وسيجعلنا نعيش حربا ضروسا مستعرة بين هذين الرجلين اللذين يتباهيان بصنيعهما.
«السير» يتباهى بانه اكثر المدربين المعاصرين احرازا للألقاب التي تجاوت الثلاثين واقتربت من 25 مع مان يونايتد حيث فاز بالدوري الانجليزي والكأسين المحليتين والبطولة الاوروبية وكأس الكؤوس الاوروبية وبطولة العالم للاندية، في الوقت الذي يفتخر «رافا» رغم انه الأصغر سنا بسجله ايضا حيث فاز بـ «الليغا» الاسبانية والبطولة الاوروبية بل انه يتباهى بكأس الاتحاد الاوروبي مع ڤالنسيا وهي البطولة التي يخلو سجل السير منها لكنه ربما وضع اهدافا اخرى قبلها وابرزها الآن البطولة 19. فمن يصل لهدفه قبل الآخر؟.