أظهر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السويسري جوزيف بلاتر أنه «سيد» السلطة الكروية العليا بعدما نجح في الحصول على مبتغاه في توسيع آفاق كأس العالم من خلال منح شرف استضافة نسختي 2018 و2022 الى روسيا وقطر على التوالي، موجها ضربة «مبطنة» الى إنجلترا التي كانت مصدر فضائح الرشاوى التي ضربت «فيفا» قبل أيام من التصويت.
وجد الاتحاد الدولي نفسه في وضع صعب للغاية بعد الاكتشافات التي نشرتها وسائل الاعلام البريطانية حول فضائح الرشاوى التي طالت بعض اعضاء اللجنة التنفيذية، ما دفعه للوقوف صفا واحدا خلف رئيسه بلاتر وطبق توصياته بحذافيرها.
أظهر بلاتر قبل 7 أشهر من اجتماع اللجنة العمومية لـ «فيفا» من اجل انتخابه رئيسا للسلطة الكروية العليا لولاية رابعة، انه يعرف كيف يتعامل مع المستجدات والمسائل المثيرة للجدل، مطبقا فلسفته الجديدة بفتح آفاق كأس العالم نحو أبعاد أخرى خارجة عن المألوف.
فإن الرجل الذي فتح الباب أمام آسيا (اليابان وكوريا الجنوبية عام 2002) وأفريقيا (جنوب افريقيا عام 2010)، فرض نفسه المسؤول الاول عن عولمة المونديال، مستقطبا دعما غير متناه من اوروبا الشرقية والشرق الاوسط في مسعاه ليكون «سيد فيفا» لولاية رابعة على التوالي.
كانت رسالة التضامن والتعاضد واضحة جدا في «فيفا» الذي رد على اتهامات الرشوة التي طالت اعضاء من لجنته التنفيذية والتي كشفتها صحيفة «صنداي تايمز» في اكتوبر الماضي ثم شبكة «بي.بي.سي» الاثنين الماضي، بتوجيه ضربة قاسية الى انجلترا ـ المستعدة لاستضافة كأس العالم اعتبارا من اليوم ـ بإخراجها من الجولة الاولى للتصويت على صاحب شرف استضافة نهائيات 2018.
خرجت بلاد مهد كرة القدم من الجولة الاولى وفي جعبتها صوتان فقط، احدهما لممثلها «جيوف تومسون». دفع الانجليز الثمن غاليا بسبب وسائل إعلامهم ووجدوا أنفسهم معزولين، فاكتفوا بتوجيه الانتقادات للاتحاد الدولي ونظام التصويت.
لكن على الاتحاد الدولي ورئيسه الذي يحلم بمونديال صيني عام 2026، ان يواجها الانتقادات التي تتناول موضوع الثقل المالي في تحديد هوية البلد الذي يحتضن كأس العالم، والتي تعتبر ان الجانبين الفني والتقني أهملا تماما من قبل اعضاء اللجنة التنفيذية: فكيف تنال روسيا شرف الاستضافة وانجلترا هي مهد «اولداترافورد» و«ستاد الامارات» و«ويمبلي» و«ستامفورد بريدج» و«انفيلد».. ذلك دون تناسي انها مهد كرة القدم وأنها تملك جميع المنشآت والبنى التحتية اللازمة لكي تحتضن النهائيات للمرة الثانية بعد 1966.
اذ كان الانجليز غير راضين على الاطلاق عن تفضيل روسيا عليهم، فكيف الحال بالولايات المتحدة واستراليا، اذ ان هاتين «القارتين» خسرتا المعركة امام البلد «الصغير» قطر الذي حصل على شرف ان يكون اول بلد شرق اوسطي وعربي يحتضن نهائيات العرس الكروي العالمي على أساس مشروعه الاستثماري الذي يبلغ حجمه حوالي 60 مليار دولار.
حسرة وانخداع
الحسرة واضحة في المعسكر الاميركي فرئيسه باراك اوباما وصف قرار «فيفا» باختيار روسيا وقطر بـ «السيئ»، الا ان القوة السياسة والعسكرية والاقتصادية لبلاد «العم سام» ليس لها أي تأثير على بلاتر الذي أراد تطبيق رؤيته التوسعية ونجح في مسعاه.
قد لا تكون الصحافة الاميركية مهتمة كثيرا جدا بعدم حصول بلادها على شرف استضافة المونديال للمرة الثانية بعد 1994 لأن الـ «ساكر» ليست من الرياضات الشعبية عند الاميركيين، لكن على بلاتر الآن ان يتعامل في الاسابيع والاشهر المقبلة مع الهجوم الانجليزي المضاد ومع الانتقادات الشديدة.
«خدعنا»، هذا ما عنونته «ذي صن»، فيما تحدثت «ذي تايمز» عن الفساد في أروقة «فيفا»، كاتبة: «ان نظام تحديد هوية البلد المضيف لكأس العالم فاسد بشكل فاضح».
اما «ديلي ميرور» فشنت حملة قاسية على روسيا وقطر، منتقدة الفساد والمافيا في الاولى والنظام الحاكم في الثانية.
انها كلمات وحسب بالنسبة لـ «فيفا» ورئيسه الذي أراد ان يظهر للانجليز انه لا ينبغي تجاوز الخطوط الحمراء، لكن على «سيد» السلطة الكروية العليا ان يتمتع بصبر طويل لأنه سيسمع الكثير من وسائل الاعلام البريطانية خلال الايام والاشهر المقبلة.
من المؤكد ان المحامي السويسري الماكر البالغ من العمر 74 عاما لن يسكت عن «الشتائم» الانجليزية لكن رده سيكون ديبلوماسيا وسيخرج فائزا كما فعل سابقا عندما كسر القبضة الخانقة من القوى التاريخية المؤسسة للعبة في أوروبا وأميركا الجنوبية، وجاء بكأس العالم الى الولايات المتحدة ثم آسيا وافريقيا والآن أوروبا الشرقية والشرق الاوسط.
خرج بلاتر من مواقف صعبة عديدة ولعل أهمها مزاعم الفساد التي لاحقته وبيع الأصوات وسوء سلوك المسؤولين خلال فترة مسؤولياته، وتعود الى 14 عاما خلال فترة سلفه البرازيلي جواو هافيلانج. كان بلاتر يده اليمنى عندما تولى منصب الأمين العام منذ عام 1981.
ثم عصفت بالاتحاد الدولي اتهامات جديدة في الأسابيع الماضية، ما دفع لجنة الاخلاق الى أن توقف عضوين اثنين في اللجنة التنفيذية هما النيجيري اموس ادامو والتاهيتي رينالد تيماري بسبب الرشوة أو سوء السلوك.
رغم ذلك، يبدو من الصعب أن يقدر أحد على منافسة بلاتر لولاية رابعة متتالية على رأس «فيفا» عندما تنتهي ولايته الحالية في يونيو 2011.
أبعد بلاتر خصومه السابقين بلا رحمة أمثال رئيس الاتحاد الاوروربي السابق السويدي لينارت يوهانسون ورئيس الاتحاد الافريقي الكاميروني عيسى حياتو، قبل أن يعودا الى كنف العائلة.