أحمد حسين
في اليونان القديمة اشتهر سقراط (469-399 ق.م) بحكمته وفي أحد الأيام صادف الفيلسوف أحد معارفه الذي جرى له وقال له بتلهف: «سقراط، أتعلم ما سمعت عن أحد طلابك؟». رد عليه سقراط «انتظر لحظة قبل أن تخبرني، أود منك أن تجتاز امتحانا صغيرا يدعى امتحان «الفلتر الثلاثي»، فتعجب الرجل: «الفلتر الثلاثي؟»، تابع سقراط: «هذا صحيح قبل أن تخبرني عن طالبي لنأخذ لحظة لنفلتر ما كنت ستقوله. الفلتر الأول هو الصدق، هل أنت متأكد من أن ما ستخبرني به صحيح؟» رد الرجل «لا، في الواقع لقد سمعت الخبر» قال سقراط، «حسنا، إذن أنت لست أكيدا أن ما ستخبرني به صحيحا أو خطأ. لنجرب الفلتر الثاني، فلتر الطيبة، هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟» «لا، على العكس. تابع سقراط «حسنا إذن ستخبرني بشيء سيئ عن طالبي على الرغم من أنك غير متأكد من أنه صحيح؟» بدأ الرجل بالشعور بالإحراج. تابع سقراط: «مازال بإمكانك أن تنجح بالامتحان، فهناك فلتر ثالث، فلتر الفائدة، هل ما ستخبرني به عن طالبي سيفيدني؟» قال: «في الواقع لا». تابع سقراط «إذن، إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيح ولا بطيب ولا بذي فائدة أو قيمة، فلماذا تخبرني به من الأصل؟» فسكت الرجل وشعر بالهزيمة والاهانة لهذا السبب كان سقراط فيلسوفا يقدره الناس ويضعونه في مكانة عالية.
ويتذكر المدرب الايطالي المخضرم فابيو كابيللو المدير الفني للمنتخب الانجليزي لكرة القدم هذه الحكمة قبل تصديق أي ادعاءات او اخبار فاضحة تذكرها الصحف البريطانية عن لاعبيه حيث انه لو صدق كابيللو ما تنشره الصحف البريطانية لاستبعد اغلب نجوم منتخب «الاسود الثلاثة».
واشتهر المدرب الإيطالي بأسلوبه القوي في إدارة الفرق التي يدربها وكذلك تعليماته الصارمة الخاصة بالنظام والالتزام. كما يحظى كابيللو بسجل تدريبي رائع حيث سبق له الفوز بلقب الدوري الإيطالي مع كل من ميلان ويوفنتوس وروما بالإضافة للقب الدوري الاسباني مع ريال مدريد.
ونجح المدرب الايطالي في فترة زمنية قصيرة في نقل منتخب انجلترا من الحضيض الى احد المنتخبات المرشحة لاحراز كأس العالم للمرة الثانية في تاريخه.
كابيللو هذا المدرب الصارم صاحب الشخصية القوية الذي يفرض احترامه على الجميع. نجح في ايقاظ تشكيلته بعد ان تغلغل التراخي في نفوسها في بعض الفترات ولم تكن تثق بقدراتها على احراز الالقاب. فباشراف كابيللو، لم يكن أي لاعب ضامنا مكانه الاساسي في صفوف المنتخب مهما علا شأنه. وادخل كابيللو نظاما صارما في صفوف المنتخب، وأكد رفضه القاطع لاصطحاب زوجات اللاعبين إلى أي بطولة، ومنع لاعبيه من حمل الهواتف النقالة عند تناولهم العشاء. بيد ان طريق المنتخب الانجليزي لم تكن وردية حيث واجه جون تيري بالذات مشاكل عائلية حيث اتهم باقامة علاقة خارج اطار الزواج مع صديقة زميله السابق واين بريدج، ما دفع كابيللو الى تجريده من شارة القائد ومنحها لمدافع مان يونايتد ريو فرديناند. وكان الصارم كابيللو قد اكد ان تيري لن يرتدي شارة قيادة الفريق مجددا تحت قيادته. ورغم تورط تيري والمدافع الاعسر آشلي كول ولاعب الوسط المتميز فرانك لامبارد وماكينة الاهداف التي لا تهدأ واين روني والمهاجم ذو الطول الفارع بيتر كراوش في فضائح جنسية وادمان للكحوليات الا ان كابيللو صدق بعض هذه الاقاويل واستبعد شارة الكابتن من تيري وهدد آشلي كول بالاستبعاد من المنتخب لكنه وضع الادعاءات الاخرى عن بعض اللاعبين في «الفلتر الثلاثي» وربما القى بها في سلة المهملات مؤكدا ثقته في روني ولامبارد وكراوش وباقي لاعبي انجلترا.
وسيحتفل كابيللو بعيد ميلاده الرابع والستين في 18 يونيو المقبل عندما تلاقي انجلترا الجزائر في الجولة الثانية من منافسات المجموعة الثالثة التي تضم الولايات المتحدة وسلوفينيا، وتعهد كابيللو باعادة الكرة الانجليزية الى القمة، مشيرا الى انه يتمنى ان يبقى في منصبه حتى عام 2012 وان يكون موجودا في «يورو 2012». وقاد كابيللو الانجليز في 22 مباراة حتى الآن، فاز في 16 منها بينها 10 متتالية وتعادل في اثنتين وخسر 4 مباريات بينها 3 ودية أمام المانيا وفرنسا واسبانيا.
واعتبر كابيللو، الذي يخوض اول تجربة على رأس الادارة الفنية لاحد المنتخبات، ان مشاركة الانجليز في المونديال ستكون فاشلة في حال عدم بلوغه المباراة النهائية، وقال «بالنسبة لي، عدم التأهل الى المباراة النهائية سيكون فشلا»، مضيفا «عندما تسلمت مهامي كان لاعبو المنتخب الانجليزي في الحضيض، كانوا خائفين، لكني نجحت في اعادة ترتيب اوراق البيت الانجليزي، تحدثت كثيرا الى اللاعبين وفرضت قوانين وأعدت الفخر الى الوان المنتخب الانجليزي». وتابع «كنت صارما في التعامل وفرضت الانضباط والجدية، وبالتالي اصبحت لدينا مجموعة حديدية ستقول كلمتها في جنوب افريقيا»، معربا عن امله في ان تجمع المباراة النهائية بين انجلترا وايطاليا. وقبل السفر لجنوب افريقيا رفض كابيللو الإقامة في جناح ملكي خاص في نفس الفندق الذي من المقرر أن يقيم به المنتخب الإنجليزي في مدينة روستنبورغ. وفضل كابيللو الإقامة في إحدى الغرف التي تتشابه مع غرف اللاعبين، وطالب كابيللو إدارة الفندق بمنع الكحوليات طوال فترة إقامة المنتخب الإنجليزي في الفندق. وصرح كابيللو وشدد على أن لاعبيه سيحرمون من تناول الكحوليات وسوف يتم عزلهم عن مناطق اللهو والمتعة بصن سيتي بجنوب أفريقيا.
ولكي تكون من العظماء.. يجب أن تنتصر على العظماء أنفسهم.. جملة نسمعها كثيرا.. ولكن لا نراها واقعا امامنا الا قليلا. كابيللو من القلائل الذين طبقوا هذه المقولة.. سنوات قليلة احتاجها ليكون بين عظماء التكتيك في عالم الكرة.. بل يكون في طليعة مدربي العالم حاليا.. ونشرت جريدة «صنداي تايمز» قائمة ضمت المدربين الأغنى في بريطانيا، وجاء على رأسها كابيللو بثروة بلغت 34 مليون جنيه إسترليني، بمرتب سنوي يصل إلى 6.5 ملايين جنيه إسترليني، ليكون كابيللو أيضا (63 عاما) أعلى مدربي المنتخبات دخلا في التاريخ. البعض يصفه بالديكتاتور.. المتسلط.. بسبب قراراته التي يراها البعض صارمة ولكن ما يفعله كابيللو لا يدل الا على ثقته الكبيرة بقدراته العالية.. ودائما ما نرى في الملعب تطبيقا لقراراته.. ثقة الملوك.. نراها في كابيللو.. ولم يخطئ روني عندما قال لكابيللو في أول لقاء جمعهما معا: «أنت الرجل المناسب أطلب ما تريد وأتمنى الا تخيب ظني». وعندما ترى فريقك يقوده مدرب مثل كابيللو.. تتغلغل الثقة في النفوس بدرجة كبيرة.. يظن البعض أنها غرور.. ولكن العذر لهم.. ثقة الملوك لا يعيشها أي أحد.