أحمد حسين
يعد مدرب اسبانيا المخضرم فيسنتي دل بوسكي شخصا من نوع مهدد بالانقراض، وهو النوع الذي يثبت أن التألق ليس ضروريا من أجل الوصول الى النجومية، ويصفه البعض بأنه بركان خامد يستعد للانفجار في جنوب افريقيا، دل بوسكي كان وما يزال وسيبقى احد اهم صناع تاريخ ريال مدريد وسيبقى احد اهم رجال القرن الماضي في الكرة الاسبانية فكان احد الاسباب المهمة في تتويج «الملكي» بلقب نادي القرن، فبخبرته وتفكيره وعقليته في اللعب تمكن من الاخذ بيد ريال مدريد الى الالقاب والبطولات وتمكن من اعادة الريال الى منصات التتويج ولكن في النهاية طُرد المدرب من النادي الملكي عام 2003 ولم يتم تجديد العقد معه بحجة انه ليس مدرب المستقبل مع انه افضل مدرب يمكن ان يتولى هذا المنصب وهو مدرب الحاضر والمستقبل للريال ولكن الادارة كان يهمها آنذاك مصلحة المال اولا ولذلك رحل دل بوسكي رغم تتويج ريال مدريد بالدوري الاسباني موسم 2002/2003، وعلى هذا تم التخلي عن المدرب الذي جلب للريال سبعة ألقاب في 4 مواسم، وقد استطاع الريال في فترة دل بوسكي تحقيق الفوز 104 مباريات من 186 مباراة خارج قواعده وهو سجل رائع، دل بوسكي محارب ضاع بسبب الخيانة، رغم ان المدرب الكبير كان يقول: «ان الارث الذي نفاخر به اليوم، تناقله المدربون واللاعبون جيلا بعد جيل، ولا يستغرب أحد اننا اصبحنا رهبانا، كرسنا حياتنا في سبيل مجد الريال».
وعقب رحيل دل بوسكي من قلعة «الملكي» ارسل مشجعو ريال مدريد رسالة لمدربهم قالوا فيها: على أيامك غير، على أيامك كنا نفرح، كنا نرقص كنا نزداد عشقا، كنا نترقب كنا نرفع الالقاب، كنا نضحك على أيامك غير، على أيامك كان لـ «البلانكو» طعم آخر كان سنتياغو برنابيو حافلا بالانجازات، كانت الاحتفالات هي العنوان كانت صيحات «olee» كالعادة تدوي في الارجاء كانت الجماهير لا تنفك تقولها «نحن الابطال»، فعلاً أيامك غير، على أيامك كنت تقلب النتائج، كنت تسحرنا كنت بيديك الخفيتين تشير بعصاك السحرية كنت كمن يعزف الالحان، ألحان الانتصارات كنت تشعرنا بالامان، كنت تعطينا الامان مهما بلغت الظروف فقد كنت حاضرا، كنت متواجدا داخل الاسوار تجعل البلانكو منيعا من الاقتحامات
أيامك غير، على أيامك لم نكن نيأس، لم نكن نضجر هكذا كانت نظراتك العجيبة تعطينا الامل تعطينا احساسا بان المرينغي في أمان يخسر هنا ويكسب هناك لكن المحصلة هي ان «الالقاب حاضرة» نعم فلم تكن تقبل بموسم فارغ أبدا كنت الطموح دائما الى ان يكون فريقك هو الافضل حتى توجت معه بلقب «نادي القرن».
ماذا حصل؟ في ليلة سوداء حيكت فيها المؤامرات بعد تلك الليالي الملاح والسهرات على أهازيج التتويج نعم تتويج الليغا لموسم 2002/2003 بعد مسلسل من العناء بسبب التنافس الشديد من جهة والخروج الصعب بدفاع هش من دوري الابطال استطاع «رجل الالقاب» السيطرة على الموقف والخروج بلقب الليغا الذي «نفتقده» الآن ها هي التصريحات من هنا وهناك تخرج وتتعالى بخروج المدرب بحجج تافهة بل أكثر من تافهة صفقة واحدة كانت ثمن الاعتراض عليها هكذا، نعم لكن يبدو أن الطرف الآخر لا يهمه سوى المكاسب والاموال وبدأت رحلة المعاناة وتغير الاسماء، والمشكلة واحدة الى ان وصلنا الى هنا، نعم هذه هي النتيجة الآن نتيجة استمرت لموسمين وكل امانينا ألا تستمر للثالث نعم لقد عبث بتاريخنا بكل جدارة وبكل معنى الكلمة لقد اصبح يضرب المثل بهبوطنا وضعف امكانيتنا لقد أصبحنا «الاسد الذي شاخ» وحان الوقت للكل كي ينتقم، نريد «رجل الالقاب» فهو القادر ولنترك سجل الالقاب يتحدث عن نفسه فهو أبلغ من كل هذا الكلام ولنترك ألبوم الصور يتحدث أيضا فبالتأكيد سينقل لنا حكاية أيام جميلة بيضاء بلون البلانكو، كان من ورائها رجل سنبقى نحترمه ونخلده نعم فهو بحق من أفضل من درب البلانكو على مدى تاريخ حافل، أتى الآن من شوهه وعبث به ولكن عزاءنا الوحيد انك مدرب المنتخب الاسباني وقادر على قيادته للتتويج بلقب كأس العالم للمرة الاولى في تاريخ الكرة الاسبانية.
وباعتبار دل بوسكي مدربا غير مألوف لمنتخب «مصارعو الثيران»، اتخذ موقف وهدف الفوز بمنتهى الهدوء، وجعل دل بوسكي، التعقل سمته الاساسية لتحقيق مسيرة استثنائية ناجحة، والآن هو بصدد السفر الى جنوب أفريقيا بهدف قيادة المنتخب الاسباني للفوز بلقب كأس العالم للمرة الاولى في تاريخه، وقال دل بوسكي وهو مبتسم «نعم، الفوز بلقب كأس العالم سيحول كل أحلامي الى حقيقة»، لكن ابتسامة دل بوسكي لم تكن عبثا أو حتى طموحا، وانما تظهر الرغبة في اسعاد جماهير كبيرة واسعاده هو أيضا.
ولا يحب دل بوسكي التحدث عن انجازاته الشخصية، ولكن انجازاته تتحدث عن نفسها، فبعد أن أقيل من ريال مدريد قبل سبعة أعوام لم يستمر أي مدرب في المنصب لموسمين كاملين، ونادرا ما ينزعج المدرب الهادئ دل بوسكي، لكنه أيضا سريع في اظهار عدم ثقته فيمن يصفونه بأنه «مدرب لمجموعة رائعة» بدلا من مدرب له القدرة على التعامل مع المسائل التكتيكية، وقال دل بوسكي «هذا يخفي لمسة خبث، أليس كذلك؟»، واعتزل دل بوسكي كلاعب خط وسط في عام 1984، بعد أكثر من عشرة أعوام في صفوف ريال مدريد، واصل العمل في النادي الملكي حيث تولى تدريب فريق الصف الثاني وبعدها درب الفريق الاول بين عامي 1999 و2003، وقاد دل بوسكي ريال مدريد الى الفوز بلقب الدوري الاسباني مرتين ولقب دوري أبطال أوروبا مرتين ولقب كأس انتركونتينينتال مرة واحدة وغيرها من الالقاب، وقال دل بوسكي «لم أكن أتوقع قطع هذا المشوار، لم تكن لدي موهبة كبيرة (كلاعب) وقضيت 11 عاما في نفس النادي، وبعد أن استمتعت بالعمل في كرة القدم بهذه الطريقة، لا شك في أنني أشعر بسعادة كبيرة».
وتولى دل بوسكي مهمة تدريب منتخب اسبانيا، التي ربما تكون الاخيرة في مسيرته، في يوليو 2008 عندما عين مدربا للمنتخب خلفا للويس أراغونيس، عقب فوز اسبانيا بلقب كأس اوروبا (يورو 2008)، ومع ذلك تلاشت الشكوك على الفور وظل دل بوسكي صادقا مع نفسه، فقد ظهر بنفس أسلوبه واحتفظ بكل الاشياء الجيدة التي خلفها له أراغونيس في المنتخب، وأدلى دل بوسكي «بتفاصيل شخصية» من علاقة جيدة مع وسائل الاعلام والتعاطف مع المشجعين الى رغبة في دمج اللاعبين الشباب وايجاد حلول لزيادة الانسجام في الملعب، ولم يكن كل شيء سهلا كما يبدو الامر، فتدريب منتخب ليس كالتدريب على مستوى الاندية حيث يكون هناك روتين يومي، وصرح دل بوسكي «أدركت أيضا أنها مسؤولية كبيرة»، ورغم قوة المنتخب الاسباني الا ان الفائز المتعقل دل بوسكي قال ان العدو الرئيسي لاسبانيا «قد تكون اسبانيا نفسها، وطلب دل بوسكي من المشجعين واللاعبين علينا أن نكون حذرين، لانه ليس جيدا أن تكون مرشحا للفوز باللقب مما قد يؤدي لنتائج عكسية». وقال دل بوسكي «هدفنا الاساسي هو الوصول الى نهاية المشوار، بالطبع، ولكن يجب علينا التقدم خطوة تلو الاخرى»، وقال «الجميع يعتقد أنها ستكون نزهة في حديقة، وهذا ليس واقعا، التقليل من شأن المنافسين هو أسوأ شيء يمكن أن يفعله رياضي».
ويختلف دل بوسكي كثيرا عن المدربين الذين يجمعون الكثير من المال لارتداء النظارات الشمسية الانيقة، انه لديه مشكلات قليلة في التحدث الى الصحافيين، ورغم ذلك ليس من السهل ايجاد شخص ينتقد دل بوسكي، المعروف بقلة أعدائه، ربما تكون علاقته متوترة فقط مع رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز الذي أقال دل بوسكي من منصب المدير الفني في عام 2003 بعد أيام فقط من التتويج بلقب الدوري الاسباني وبدون أسباب مقنعة، وتعد هذه أكبر خيبة أمل في مسيرة دل بوسكي الاحترافية، ولكنه الآن وهو في التاسعة والخمسين من عمره يسعى الى هدف أكثر أهمية وهو قيادة المنتخب الاسباني الى الفوز بلقب كأس العالم.
ونادرا جدا في اسبانيا ما يحدث اتفاق حول اختيارات المدير الفني للمنتخب في قائمة كأس العالم، وغالبا ما تتذمر وسائل الاعلام في اقليم كاتالونيا أو مدريد بأن المدرب لم يستدع عددا كافيا من اللاعبين سواء من العاصمة أو من الاقليم، ولكن هذه المرة لم يحدث ذلك بعدما نجح دل بوسكي في تحقيق ما هو أقرب الى المستحيل عن طريق كسب رضا الجميع بالقائمة المختارة لكأس العالم، وهذا انجاز مهم لانه يعني أنه سيحظى بمؤازرة جميع المشجعين (مع اختلاف ميولهم)».