أحمد حسين
«الرجال اربعة انواع، رجل يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري، فذاك طالب فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه».
والنوع الاخير يجسده مدرب المنتخب الفرنسي ريمون دومينيك حيث لم تمر على الكرة الفرنسية فترة عصيبة، مليئة بالفضائح والانعكاسات السلبية التي تسبق بطولة كبيرة بحجم كأس العالم، كالتي مر ويمر بها منتخب الديوك حاليا، وفي حين انها تقض مضاجع الفرنسيين، الا أنها مصدر ارتياح لشخص واحد، دومينيك الرازح تحت ضغط وربما بغض وكره شديدين من كل فئات الشعب الفرنسي.
وبدءا من يد الاسطورة تييري هنري الذي قادت لمسته الى تسجيل هدف التعادل ضد ايرلندا في ملحق التصفيات، وبالتالي ضمان التأهل الى النهائيات، ومرورا بمطالب واسعة النطاق برحيل دومينيك قبل النهائيات، نهاية بفضيحة زاهية، الفتاة التي أوقعت في شباكها عددا من نجوم المنتخب على رأسهم فرانك ريبيري وكريم بنزيمة.وحتى من دون هذه الفضائح فان رحلة التصفيات كانت مريرة، ورغم كل ذلك يعيش الواهم والاحمق دومينيك، الذي لا يدري انه لا يدري، وربما يصرح بان الفوز بكأس العالم في متناول الديوك.
يتساءل الفرنسيون اليوم بصوت عال: «ما الذي فعلناه كي نستحق دومينيك؟ ما هي الجريمة التي ارتكبناها؟»، قبل أن يوافقهم العالم متسائلين: «ما الذنب الذي اقترفه الفرنسيون كي يظل دومينيك في منصبه بعد كارثة يورو 2008، وبعد المباريات المخزية التي لعبها المنتخب في تصفيات كأس العالم؟! فهذا الرجل الذي قال عنه لاعب ارسنال السابق روبرت بيريس انه «غير كفء» وشاركه رأيه كل فرنسي بعد أن طلب يد زوجته على الهواء مباشرة في التلفزيون، في أعقاب أسوأ هزائم مني بها المنتخب الفرنسي في تاريخه.
كل فرنسي يعرف أن العروض الرائعة التي أهلت المنتخب للوصول الى المباراة النهائية في مونديال 2006 (وحفظت ماء وجه دومينيك)، كانت نتيجة جهود لاعبيه الكبار الذين اختاروا الفريق من البداية، واختاروا أيضا التكتيكات التي يلعبون بها رغما عن أنف مدربهم الذي لا حول له ولا قوة، وذلك منذ دور الـ 16 لتلك البطولة فصاعدا. ولا يمكن أن يضم خط هجوم المنتخب الفرنسي نجوما بوزن بنزيمة وهنري وأنيلكا وريبيري وغوركييف ومالودا، ثم يعاني بشدة من أجل احراز هدف وحيد في مرمى جزر فارو..لكن مهما فعل الفرنسيون فسيظل دومينيك يقود منتخبهم على الاقل خلال فترة المونديال.
كان دومينيك لاعبا ناجحا، بعدما برز مدافعا مع ليون، مسقط رأسه، على رغم انه ينحدر من جذور اسبانية كاتالونية، اذ هاجر والده اسبانيا في ظل حكم الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو. ومثل دومينيك منتخب بلاده في 8 مناسبات خلال عقد السبعينيات، وأحرز كأس فرنسا مع ليون وبطولة الدوري مع كل من ستراسبورج وليون. واشتهر بصلابته الدفاعية، عكستها شخصيته القوية والصلبة، مثلما اشتهر في مطلع مسيرته التدريبية مع موليوز وليون رجلا نظاميا وعصاميا.
التصق اسمه على مدى 11 عاما بتدريب منتخب فرنسا للشباب، اذ لعب دورا كبيرا في تخريج العديد من النجوم الى المنتخب الاول.وكان خيارا مفاجئا عندما عينه الاتحاد الفرنسي مدربا للمنتخب، في 12 يوليو 2004، لكنه كان يوما سعيدا له، اذ يؤمن دومينيك بشدة بحظوظ الابراج ومعاني الاشارات، التي لا يعتبر ايا منها صدفة، فتاريخ تعيينه مدربا كان في اليوم نفسه التي ولدت فيه ابنته الاولى، وايضا في يوم الذكرى السادسة على فوز فرنسا بكأس العالم، وهكذا بدأ يربط ادارته للمنتخب، مثيرا الكثير من الجدل، فهو أعلن في احدى المناسبات انه لا يفضل اختيار اللاعبين من برج «العقرب»، وايضا لا يحبذ اختيار أكثر من لاعبين اثنين من برج «الاسد»، وبالتالي لم يشارك أي لاعب من برج «العقرب» في مونديال 2006، وأبرزهم روبرت بيريس، فيما تمسك بـ «الاسدين» تييري هنري ووليام غالاس، فتسببت هذه المزاجية في ادارة المنتخب بتلطيخ صورته في الاعلام المحلي ونفور اللاعبين ونجوم الفريق، فلم يكن مستغربا ان يعلن كل من زين الدين زيدان وليليان تورام وكلود ماكاليلي اعتزالهم الدولي بعد نحو شهر على تعيينه، وزادت حدة النقد بعدما عانى المنتخب أمام البوسنة في المباراة الاولى تحت ادارته في أغسطس 2004. وبعدها بسنة كاملة ازدادت أحوال المنتخب سوءا، اذ قبع منتخب «الديوك» في المركز الرابع ضمن مجموعة قوية حوت ايرلندا وسويسرا واسرائيل في تصفيات كأس العالم، علما بأن الاول فقط يتأهل تلقائيا الى النهائيات الالمانية، فيما يخوض الثاني ملحقا.لكن 4 أيام في أغسطس 2005 غيرت مصير دومينيك، اذ عدل كل من زيدان وتورام وماكاليلي عن قرار اعتزالهم، لتتغير حظوظ المنتخب، اذ تألق الثلاثي ونجح المنتخب في جني 10 نقاط من المباريات الاربع الاخيرة ليتصدر المجموعة ويتأهل الى النهائيات، على رغم الاشاعات عن خلافات عميقة بين زيدان ودومينيك، وفي مونديال 2006، وعلى رغم أن الفريق لم يحظ بترشيح الخبراء، فانه بعد بداية مهتزة، نجح في الوصول الى المباراة النهائية، التي خسرها بركلات الترجيح أمام ايطاليا.