سمير بوسعد
من أحياء لانوس احدى ضواحي بيونس آيرس الفقيرة الى منصات المجد والشهرة.. ومن اضواء الكاميرات وحديث النقاد الى غرف الانعاش والعلاج من المخدرات.. سنوات طويلة مرت بحياة «الاسطورة» الارجنتينية دييغو مارادونا جعلت منه الشخصية الاشهر في بلاد «التانغو» متخطيا في لحظات كثيرة ذكريات ومواقف ايفيتا بايرون زوجة الديكتاتور الارجنتيني السابق خوان بايرون، التي رحلت وهي تردد «لا تبكي من اجلي يا ارجنتينا».
فمارادونا دخل في سجال وشغب مع هرم كرة القدم العالمية (فيفا) ورئيسها الحالي السويسري جوزيف بلاتر، وتصريحات ابن الارجنتين النارية التي هزت اركان البيت الدولي في زيوريخ، مما حرمه من الكثير من الاشادات به وتحييده عن المناسبات الرمزية والاحتفالات السنوية لـ «فيفا» لكن ذلك لم يمنعه من سرقة اضواء الشهرة مجددا من خلال تبنيه لمسيرة الثوري ارنستو تشي غيفارا وزياراته المتكررة للرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو حتى بات الاثنان وجهان لعملة واحدة في محاربة السلطة المطلقة في العالم.
مارادونا الاسم الاكثر لمعانا على خارطة الرياضة العالمية، والرسم الاكبر مساحة على جدران الارجنتين، طغى حضوره على جدران الاحياء الفقيرة في جنوب افريقيا، وعندما يجتمع عدد من انصار منتخب «الاولاد» ينظرون الى جدار قديم مرسومة عليه صورة مارادونا قبل ان يلعبوا كرة القدم حفاة احيانا، ويسددون على مرمى نصب من عوارض قديمة بلا شباك تاركين العناء لمخيلتهم الى السماء عندما يسجل احدهم هدفا في المباراة ليتذكروا مارادونا ومسيرته كعنوان عريض لهم يشحذ هممهم ويعتبرونه ايقونة لا تنسى.
وآخر صرعات مارادونا إطلاق لحيته التي شابهت كثيرا لحية كاسترو بشيبها وبسوادها، في صورة اعطت جمالية للاعب كان يشيب امامه اعتى المدافعين وترتعد فرائص اقوى الحراس عندما ينطلق بالكرة، وها هو اليوم بـ «لوك جديد» حاملا على كتفيه مسؤولية كبرى في الوصول بـ «التانغو» الى منصة التتويج في المونديال بعد غياب عنها منذ مونديال المكسيك عام 1986، عندما قهر الالمان في نهائي مثير، لكنه شرب من الكأس نفسها وامام «المانشافت» ايضا، بعد ان انتزعوا الكاس في مونديال ايطاليا عام 1990، وبكى مارادونا بحرقة الطفل الذي تخطف منه لعبة كان يتسلى بها.
هذا هو مارادونا الانسان الذي توج في «ليلة الملك» ببرنامجه الشهير وبذكراه التي لا تنسى في نابولي الايطالي حيث احيا فريقا فقيرا وحوله الى فريق غني بالقابه وطموحاته، ووضعه على سدة الكرة الايطالية والاوروبية، مانحا المدينة الايطالية فرحة لا تنسى، حتى قال احدهم عندما توج نابولي بلقب «الكالتشيو» خلال زيارته لاحدى المقابر «افرحوا الآن وارتاحوا فمارادونا اهدانا اللقب للمرة الاولى».
هذه شهرة اللاعب والانسان والمشاغب والمدرب المشاكس وصاحب الصراعات مع الطليان والفضائح التي لاحقته طويلا وشرعية الزيجات التي كشفت خبايا كثيرة من حياته الخاصة حتى وقع في براثن تعاطي المخدرات وعرض حياته للخطر، واستمر في المعاناة 6 اعوام قبل ان «ينظف» من التخدير. عاد مجددا الى ساحات الرياضة، معبرا عن حبه وشغفه بالكرة وناديه السابق بوكا جونيورز الذي شجعه بحرارة بسيجاره الكوبي وبدانته المخيفة، وتجاوز كل الازمات التي عصفت به، ليكون الساحر الدائم للارجنتين والمنافس الابدي للجوهرة السوداء البرازيلي بيليه، عبر التصريحات النارية في مناسبات كثيرة، ورده اللاذع على انتقادات «الملك»، مما يجسد الحالة العدائية المستمر بين راقصي «التانغو» و«السامبا».
ومارادونا نجح في مجاراة نجوم كبار في اللعبة، فهو ليس مثل بيليه او بكنباور او دي ستيفانو فحسب، لكنه تفوق عليهم حتما في احتلال العناوين العريضة في صفحات الصحف، وشغل العالم بمواهبه ومشاكله، وحتما سيتذكر الجميع انه ذلك اللاعب الذي ربح العالم بعبقريته وخسر نفسه بسبب المخدرات وابتعد عن ملاعب كرة القدم مرغما بعدما خدر هذا المنشط اسلوبه وفنه ونقله من امام مرمى كرة القدم الى رهبة القضاة والمحاكم واروقة المستشفيات والمصحات.
دافع مارادونا عن الوان ارجنتينوس جونيورز وبوكا جونيورز وبرشلونة الاسباني ونابولي الايطالي ونيولز اولد بويز، والقابه: كأس العالم للشباب عام 1979، كأس الامم القارية (انتركونتيننتال) عام 1993، قاد فريقه نابولي الايطالي الى الفوز بكأس الاتحاد الاوروبي عام 1989، والى الفوز ببطولة ايطاليا عامي 1987 و 1990، وكذلك الى الفوز بكأس ايطاليا عام 1987، كما قاد بوكا جونيورز الى الفوز ببطولة الارجنتين عام 1981، وتوج مع برشلونة بكأس اسبانيا عام 1983، وفاز بلقب هداف الدوري الايطالي عام 1988، وخاض 88 مباراة دولية سجل خلالها 33 هدفا.