تخطت هستيريا المونديال كل الحدود، وبدت قبل أيام قليلة على انطلاق الحدث كأنها الحديث الوحيد في المجتمعات بمختلف طبقاتها ومجالاتها، فانغمس فيها حتى أصحاب الملابس الرسمية الذين اعتادوا التعامل مع عالم المال والأرقام بكل جدية بعيدا عن إهدار أي دقيقة من وقتهم الثمين.
ورغم انهماكهم في الأزمة المالية التي لاتزال ارتداداتها تهز العالم، ذهب بعض رجال المال إلى تحليل نتائج منتخبات كرة القدم في المونديال المقبل، وقد خلص مصرف «جاي بي مورغان» الغني عن التعريف في دراسة من 69 صفحة وزعها على دائرة ضيقة من كبار المستثمرين لتحديد هوية الفائز باللقب ووصيفيه، إضافة إلى المنتخب الذي سيكون «الحصان الأسود» في البطولة. كذلك ذهب الباحثون إلى تحديد نتائج مباريات البطولة منذ اليوم الأول ووصولا إلى المباراة النهائية في 11 يوليو المقبل، التي سيحمل بعدها منتخب واحد الكأس الغالية إلى بلاده خلال تقرير نشرته جريدة «الأخبار» اللبنانية.
ومعلوم أن «جاي بي مورغان» كان المصرف الأقل تضررا جراء الأزمة الاقتصادية، وذلك بعدما استند في خطواته إلى أحد نماذجه الرقمية (quant model) التي عادت عليه بأرباح استثمارية هائلة، حتى قيل إنه استغل الأزمة ليعزز وضعه في السوق العالمية، لا بل عدت النماذج التي اعتمدها أشبه بتنبؤات «نوستراداموس».
ارتفاع أسهم الإنجليز
ستقصي سلوفينيا منتخبي ألمانيا والأرجنتين على التوالي من هنا، أدخل باحثو «جاي بي مورغان» إلى النظام معايير كروية، إذ استبدلوا سعر السهم ونموه والتدفق المالي بترتيب كل منتخب على لائحة التصنيف الشهري الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، وبالنتائج التي حققها كل منتخب في التصفيات المؤهلة إلى المونديال، إضافة إلى ترشيحات مكاتب المراهنات. وانطلاقا من هذه المعادلة تبين أن إنجلترا ستكون سعيدة الحظ بفوزها على إسبانيا بركلات الترجيح في المباراة النهائية، علما أن مكاتب المراهنات أعطت احتمال 25% لإسبانيا للفوز باللقب مقابل 16% لإنجلترا. أما صاحب المركز الثالث، فسيكون المنتخب الهولندي، وذلك على حساب سلوفينيا مفاجأة المونديال ويبدو لافتا أن هذا النموذج وضع أربعة منتخبات أوروبية في الدور نصف النهائي، رغم اعتباره أن المنتخب البرازيلي هو الأقوى، لكن «السيليساو» سيتعثر بفعل البرنامج المفروض عليه، حيث سيودع البطولة من الدور ربع النهائي بخسارته أمام هولندا بركلات الترجيح أيضا.
وتلتقي النتيجة النهائية لنموذج «جاي بي مورغان» مع رأي قسم كبير من الخبراء الكرويين، الذين رشحوا الإنجليز لبسط سيطرتهم المطلقة على المجموعة الثالثة في المونديال، وذلك استنادا إلى الأداء الرائع الذي قدمه منتخب «الأسود الثلاثة» في التصفيات الأوروبية، حيث كان أحد أفضل المنتخبات في «القارة العجوز» وكشر عن أنيابه هجوميا بتسجيل لاعبيه 34 هدفا مكنتهم من الفوز بتسع مباريات من أصل عشر.
ماذا بين عالم المال والكرة؟
سؤال مهم يطرح عن جدوى تجنيد مصرف بهذا الحجم فريقا من باحثيه اعتادوا التنقيب عن «الذهب» في المساحات الاستثمارية، وليس في مجالات بعيدة عن المال وبالتالي ذهبوا إلى البحث في مجال كرة القدم البعيد كل البعد عن مجالهم المعروف.ولا يخفى أن أولئك المجتهدين في العالم الاقتصادي عمدوا في الأعوام الأخيرة إلى محاولة تطبيق نماذجهم في كل المجالات، وذلك لإثبات أن الاقتصاد هو علم بحد ذاته يمكن اعتماده أساسا في أي عملية ضمن حياتنا التي أضحت رقمية بفعل التأثير الذي تركه نظام المعلوماتية والمال في نواح رئيسية.
لذا قد يكون توجه «جاي بي مورغان» ضمن هذا الإطار، إذ إنه إذا رست نتائج المونديال على الشكل الذي أفرزه النموذج الرقمي الخاص بالمصرف الأميركي، فإن الأخير سيذهب بالتالي إلى نشرها في أوسع مجال إعلامي ممكن سعيا وراء كسب المزيد من الثقة عند شركائه المستثمرين وكبار المتعاملين معه، لا بل قد يجذب إليه فئات أخرى في المجتمع، ومنها أولئك المراهنون الذين سيجدون مبررا «لإدمانهم»، حيث سيعدونه خطوة استثمارية ترتكز على معطيات مدروسة، لا يوجد فيها الكثير من عناصر المخاطرة التي تلحق بهم خسائر قاسية.
البرازيل هي الأقوى لكنها ستخرج أمام هولندا بركلات الترجيح لكن رغم أن نتائج بحث «جاي بي مورغان» لامست إلى حد ما المنطق الكروي انطلاقا من وضعه إنجلترا وإسبانيا وهولندا في موقف قوي، وهي التي تألقت في التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى المونديال، فإن المفاجأة الكبرى كانت في منحه أحد أصغر المنتخبات، أي سلوفينيا، صفة «الحصان الأسود»، وذلك عبر ترجيح كفته على بعض المنتخبات التي تعد من العيار الثقيل، إذ وضع التقرير هذا المنتخب الفتي في دور الأربعة على حساب ألمانيا، التي ستخرج أمامه من دور الـ 16 قبل أن تلاقي الأرجنتين المصير عينه في ربع النهائي وتبرز ثغرة لم تؤخذ في الحسبان وهي أن وقف أو إصابة نجم معين سيترك أثرا على منتخبه، وبالتالي، فإن الظروف المستجدة قد تبدل من معايير أي مباراة فتسقط بالتالي نتائج النماذج الرقمية التي لم تأخذ في الحسبان مسائل كروية أساسية، إضافة إلى أن كرة القدم والبطولات الكبرى عودتنا على مفاجآت ضخمة تتخطى أحيانا ما رسمه نموذج «جاي بي مورغان» عن منتخب سلوفينيا.
ولابد من السؤال هل ينجح حكام المال الذين يديرون العالم الآن بسياساتهم الاقتصادية في «التسلل» إلى المجال الرياضي ليكرسوا بالتالي أنفسهم «حكاما» للعبة أينما حلت، وبأي شكل تكون عليه، أم أن اللعبة الشعبية في العالم ستتصدى لهم لتؤكد أن لديها منطقا خاصا بها، ولا تعترف إلا بلغة أرقامها، حيث لا تسجل النقاط أو الأهداف عادة سوى عبر هز الشباك؟
«جاي بي مورغان»: تصنيف «فيفا» غير عادل
لطالما أثار تصنيف المنتخبات الصادر عن «فيفا» شهريا جدلا واسعا في الأوساط الكروية، وقد جاءت دراسة «جاي بي مورغان» لتضع القيمين على الاتحاد الدولي في موقف حرج آخر. وأوضح بحث المصرف الأميركي أن هذا التصنيف يعطي حجما لا تستحقه بعض المنتخبات، أمثال البرتغال التي عانت خلال التصفيات الأوروبية حيث حجزت بطاقتها المونديالية من بوابة الملحق، وقد تقدمت على إنجلترا وهولندا اللتين لم تجدا صعوبة لبلوغ العرس العالمي. أضف الى ذلك أن نتائج ساحل العاج في الأعوام القريبة الماضية كانت كافية لتضعها بين أفضل 20 منتخبا على الأقل، إذ يقف «الافيال» حاليا في المركز الـ 27. كذلك، أشار التقرير الى أن المركز المتقدم لليونان (13) يتضارب كليا مع حظوظها في الفوز بالمونديال، وهذا ما ينطبق أيضا على البرتغال التي تتقدم على انجلترا في التصنيف، لكنها تملك حظوظا أقل منها لإحراز اللقب.
معادلة دنماركية تتوج البرازيل باللقب
أشارت دراسة لمصرف «دانسكه بنك» الدنماركي إلى أنه لا يجب أخذ مسألة مستوى المهارات الموجودة أو تاريخ المنتخبات عند تحليل حظوظها في المونديال، بل يجب التطرق أيضا إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في
كل بلد، وبالتالي فإن هذه المعادلة تضع البرازيل بطلة للعالم!