أحمد حسين
هناك حكمة تقول: «لا تبع جلد الدب قبل صيده» لكن يبدو ان الانجليز والأرجنتينيين والإسبان لم يسمعوا يوما بهذه المقولة وباعوا جلد الدب قبل ان يصطادوه بعدما خرجت التصريحات الإعلامية من بعض اللاعبين والمدربين بأنهم قادرون على الفوز باللقب ووصل بهم الأمر للتفكير فيما سيفعلونه بعد التتويج بالكأس. وكان تقرير صحيفة «صن» اللندنية قد ذكر ان الانجليز بدأوا مناقشة تفاصيل الاحتفال التي من المقرر إقامتها في شوارع المدينة في حال نجح المنتخب الإنجليزي في الفوز بلقب كأس العالم في سابقة ربما تكون الأولى من نوعها، وفتح هذا الملف في هذا التوقيت من شأنه أن يثير سخرية البعض، وقد يمثل ضغطا كبيرا على المنتخب، وربما يكون سببا في تسرب الغرور إلى نفوس بعض اللاعبين.
وذهب الأمر بمدرب التانغو الأرجنتيني دييغو مارادونا إلى أنه وعد أنصاره بالرقص عاريا في حالة فوز منتخب بلاده بكأس العالم، كما حذر مدرب إسبانيا فيسيني دل بوسكي من الثقة المفرطة التي تنتاب اللاعبين الإسبان ووسائل الإعلام كما لو كانوا فازوا باللقب قبل انطلاقه، وأكد انه يخشى على اسبانيا من اسبانيا نفسها.
ويبدو ان الانجليز والإسبان والأرجنتينيين لم يستفيدوا من دروس الغرور في كأس العالم وان الثقة الزائدة تؤدي الى إخفاق مبكر، كما ان البعض لم يحفظ الدرس الألماني في مونديال 1982 حين خرج نجوم ألمانيا آنذاك يطلقون تصريحات من نوع سأهدي الهدف الثامن لزوجتي في عيد ميلادها، وسأحلق لحيتي إن فاز علينا الجزائريون، وسأتوقف عن التدريب إن هزمني فريق نكرة، وظل الألمان ينظرون إلى الجزائريين البسطاء من برج عال، وانتهوا إلى خسارة مذلة اهتزت لها أرجاء ألمانيا والعالم كله، وكأنهم لم يسمعوا ببيت الشعر الذي يقول:
«ولا تحتقر كيد الضعيف فربما..
تموت الأفاعي من سموم العقارب»
ليقرأه مارادونا وكاپيللو ودل بوسكي إن كانوا يشاطرون المغرورين غرورهم، ويتمعن فيه ممن تمكن منهم هذا الإحساس الجارف بهزيمة الجميع والعودة بالكأس رغم أنف البرازيل وايطاليا وألمانيا.
وأرى أن الانجليز والإسبان والأرجنتينيين بمثل هذا التعالي فقدوا نصف حظوظهم في الفوز بالكأس، أما النصف الآخر فهو بيد لاعبيهم ان صدقوا الوهم والتصريحات التي خرجت بها صحف بلادهم.
ولم أر مغرورا خلال هذا المونديال أكثر من الإنجليز الذين باعوا جلد الدب قبل صيده، أي أنهم عادوا إلى شوارع لندن حاملين الكأس وهاتفين بحياة الملكة وكاپيللو وروني... وأقل ما يقال عن هذا الشعور بالتفوق: انه نوع من الغرور الذي لا حدود له، فالصحافة الإنجليزية بلا استثناء، وبلا حياء، تنظر إلى مجموعة إنجلترا التي تضم الجزائر واميركا وسلوفينيا، على أنها لا تعني شيئا بالنسبة إلى رفاق جيرارد ولامبارد وروني الذين سيمرون على هذه المنتخبات مرور الجرافات على مزارع هشة، بل إن كل الكلام الصادر من عاصمة الضباب يجزم بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة أن كأس مانديلا لن تأخذ مسارا آخر سوى طريق الملكة إليزابيث، ويقول بعض خبراء الكرة الإنجليزية، إن إنجلترا لم تعرف منتخبا قويا ومتماسكا منذ 40 عاما، أي منذ مونديال 1966 الذي يشهد كل العالم أن فوز رفاق بوبي مور آنذاك بالكأس الثامنة كان مجروحا بهدف مشكوك فيه إلى اليوم... فالألمان الذين أدبوا الإنجليز في الحرب العالمية الثانية لولا اجتماع الحلفاء، انتقموا بالجلد المنفوخ، وفرحوا بكأس أسالت حبرا كثيرا، وظلت إنجلترا موطن الكرة تنجب منتخبا وراء آخر، وتتأهل دورة بعد أخرى، وتمني النفس بالحصول على لقب آخر، إلا أنها كانت في كل مرة تخرج من المولد بلا حمص، وتعود بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، وتعد العدة للدورة المقبلة، غير أن هذه الدورة شهدت بروز لغة الثقة المفرطة التي هي أشبه بالغرور، تقصي كل المنتخبات المرشحة ولا ترى فائزا إلا إنجلترا وكأنها ستواجه نفسها في المرآة، وكأنهم تناسوا وجود منتخبات قوية في حجم البرازيل والبرتغال وإيطاليا وألمانيا، واسبانيا والأرجنتين (والأخيرتان تورطتا في التصريحات نفسها وباعتا جلد الدب قبل صيده ايضا).
وتراوحت التصريحات التي نقلتها صحيفة «صن» تعليقا على الخبر بين اتخاذ السلطات الرسمية لهذا الأمر على محمل الجد، وسخرية البعض الآخر من الترتيب من الآن لاحتفال الفوز بلقب من الصعب القول إن الإنجليز في صدارة الترشيحات للظفر به، في ظل وجود منتخبات أكثر قوة من الإنجليز، وعلى رأسها منتخبات البرازيل وإسبانيا، والأرجنتين، وايطاليا وألمانيا. ونقلت الصحيفة البريطانية عينة من رأي المشجعين الإنجليز حول مناقشة خطة الاحتفال بالفوز بلقب المونديال، حيث أكد أحد أنصار المنتخب الإنجليزي ان ما يحدث ما هو إلا «غرور لا يمكن تصديقه»، وقال معلقا على ذلك: «انها نكتة، بل هو غرور لا يمكن تصديقه، وكيف تكون مناقشة تفاصيل الاحتفال بلقب بطولة لم تبدأ بعد، أتمنى أن يخرج المنتخب مبكرا من البطولة لكي يستريح هؤلاء الذين يناقشون هذه الخطة».
وفي النهاية أقول للانجليز والإسبان والأرجنتينيين المتفائلين بفوز منتخباتهم باللقب ان السيف يقص العظام وهو صامت، والطبل يملأ الفضاء وهو أجوف، وسنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة، أما الفارغة فإنها في مهب الريح لخفتها وطيشها. والخيول المضمرة عند السباق لا تنصت لأصوات الجمهور، لأنها لو فعلت ذلك لفشلت في سباقها وخسرت فوزها.وكل فارغ من البشر والأشياء له جلبة وصوت وصراخ.. أما العاملون المثابرون فهم في سكون ووقار، لأنهم مشغولون ببناء صروح المجد وإقامة هياكل النجاح.