يقول الصحافي البريطاني سايمون كوبر مؤلف أفضل كتاب في كرة القدم «الكرة ضد العدو»، في «كرة القدم من الطبيعي أن نشاهد التحامات وعرقلات بالغة العنف، أن نرى فرانك ريكارد يبصق على رودي فوللر، أن نتابع البلغاري خريستو ستويشكوف يحتج صارخا على الحكام، بل يضربهم، ويتصرف كبلطجي أكثر منه رياضي، أن نتسامح مع «غش» مارادونا، إذ يسجل هدفا بيده في مرمى انجلترا، لكن ان نشاهد، لاعبا يبكي هكذا بحرقة كطفل ضاع من امه في الزحام مثلما فعل لاعب انجلترا بول غاسكوين بعد هزيمة منتخب بلاده أمام المانيا في كأس العالم 1990 فهذا أمر خارج عن المألوف في عالم المستديرة، فهذا الأمر يبين حجم العداء بين انجلترا وألمانيا.
واليوم غير عادي لأنه يجمع خصمين تقليديين في تاريخ كؤوس العالم حيث تتوجه الأنظار الى ملعب «فري ستايت ستاديوم» في مانغاونغ الذي يحتضن موقعة نارية تفوح منها رائحة الثأر بين العملاقين الألماني والإنجليزي في الدور الثاني. ومن المؤكد ان هذه المواجهة تعتبر بكل المعايير الأبرز على الإطلاق في الدور الثاني وتعتبر «نهائي مبكر» بين منتخبين عريقين جدا، لأن «دي مانشافت» الألماني يملك في خزائنه 3 ألقاب، فيما توج منتخب «الأسود الثلاثة» الذي تعتبر بلاده مهد اللعبة الأكثر شعبية في العالم، باللقب مرة واحدة عام 1966 في أرضه وعلى حساب الألمان بالذات في مباراة مثيرة للجدل (4 ـ 2 بعد التمديد). ويتشارك المنتخبان في النسخة الحالية بواقع مشابه لأنهما انتظرا حتى الجولة الاخيرة ليحسما تأهلهما، حيث تغلبت ألمانيا على غانا في الجولة الاخيرة 1-صفر بفضل مسعود اوزيل لتتصدر المجموعة، فيما تغلبت انجلترا على سلوفينيا بالنتيجة ذاتها سجله جيرماين ديفو لتنهي الدور الأول في المركز الثاني خلف الولايات المتحدة بعد تعادلها مع الاخيرة (1 ـ 1) في الجولة الاولى ثم الجزائر (0 ـ 0) في الثانية، ما وضع مدربها الايطالي فابيو كابيللو في وضع حرج للغاية خصوصا امام الصحافة المحلية «القاسية». ولن يكون وضع كابيللو افضل اذا فشل رجاله في الخروج فائزين من مواجهتهم مع الغريم الألماني لأن منتخب «الأسود الثلاثة» لم يرتق الى مستوى توقعات المملكة والصحافة التي ترى فيه الفريق البطل الذي يعانده الحظ، لكن واقع الأمور والمعطيات يشيران الى خلاف ذلك لان الانجليز لم يحققوا شيئا يذكر ان كان على الصعيد العالمي والقاري باستثناء فوزهم بمونديال 1966 وقد يكون عليهم ان ينتظروا حتى 2018 لكي يرفعوا الكأس مجددا في حال نالوا شرف استضافة النسخة الحادية والعشرين من العرس الكروي العالمي.
من المؤكد ان الضغط الذي تمارسه وسائل الإعلام البريطانية على المنتخب يلعب دورا سلبيا جدا في النتائج التي يحققها الأخير خصوصا انها لا تكتفي بتناول المسائل الكروية بل تلقي الضوء على اي شيء يتعلق باللاعبين ان كان شخصيا سطحيا او حميما، وربما تجعل منهم نجوما اكبر حجما مما هم عليه واقعيا، وذلك خلافا لنظرائهم الألمان الذين لا يعيرون اهتماما للأفراد بل الى الـ «مانشافت» كمجموعة موحدة.
ولا مجال للمقارنة بين ما حققه الألمان والانجليز على الصعيدين العالمي والقاري، اذ توج «مانشافت» بلقب كأس العالم أعوام 1954 و1974 و1990 ووصل الى النهائي أعوام 1966 و1982 و1986 و2002، وحصل على المركز الثالث أعوام 1934 و1970 و2006 والرابع عام 1958، ولم يغب عن النهائيات سوى مرتين عام 1930 بعد انسحابه و1950 بعد العقوبة التي فرضت عليه بسبب دور ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، كما توج بطلا لكأس اوروبا أعوام 1972 و1980 و1996 ووصل الى النهائي أعوام 1976 و1992 و2008. اما في الجهة المقابلة، فكل ما حققه منتخب «الأسود الثلاثة» الى جانب تتويجه بطلا عام 1966، فهو وصوله الى نصف نهائي 1990 ونصف نهائي كأس اوروبا عامي 1968 و1996.
لكن هذه المعطيات لن تعني شيئا عندما يدخل الطرفان الى ملعب «فري ستايت ستاديوم» لأن الاحتمالات متكافئة في مواجهة نارية تجمع بين عنصري الشباب والاندفاع والحماس من الجهة الألمانية، والخبرة والقتالية وحنكة مدرب من الجهة الانجليزية.
من المؤكد ان مواجهة الانجليز ستعطي صورة حقيقية عن قدرة «دي مانشافت» بنسخته الأصغر منذ 76 عاما على التعامل مع المباريات الكبرى، بعد ان قدم أداء لافتا في الدور الأول حتى في المباراة التي خسرها أمام صربيا (0 ـ 1) لأنه قدم مستوى مميزا بـ 10 لاعبين وحصل على الكثير من الفرص وبينها ركلة جزاء أضاعها لوكاس بودولسكي. اما في المعسكر الانجليزي، فيأمل كابيللو ان يكون الفوز الذي حققه لاعبوه على سلوفينيا في الجولة الاخيرة قد حررهم من الضغوط التي واجهتهم وجعلتهم مكبلين في مباراتيهما امام الولايات المتحدة والجزائر ما دفع المدرب الايطالي حينها الى انتقاد عناصر المنتخب قائلا «ليس هذا هو الفريق الذي اعرفه».
تيري لا يخشى أي خصم
علق لاعب وسط تشلسي فرانك لامبارد على الموقعة الألمانية، معتبرا ان على منتخب بلاده ألا يخشى اي خصم بعد ان استعاد أخيرا روحيته ومستواه الاعتيادي، مضيفا «اذا لعبنا كما فعلنا امام سلوفينيا مع بعض التحسين فسنملك حينها فرصة كبيرة (للفوز). أظهرنا مع العزم والروح القتالية ما بإمكاننا فعله. لا اعتقد انه يهمنا من سنواجه بعد الآن، لأن جميع المباريات ستكون صعبة من الآن وصاعدا. اي فريق نواجهه سيكون صعبا».
وواصل «البطولة تنطلق الآن لأننا وصلنا الى الادوار الاقصائية. الطريقة التي لعبت فيها خلال دور المجموعات لا تمنحك الفوز باي شيء، ومن المؤكد انها لا تؤخذ في الحسبان اذا ودعت من الدور الثاني. كل شيء يبدأ الآن».
لوف: ستكون مباراة نارية
قال مدرب ألمانيا يواكيم لوف «نحن الآن نتطلع لموقعة دور ثمن النهائي، ستكون مباراة نارية. ربما رأيتم لاعبينا الشباب يعانون من اجل التعامل بشكل ايجابي مع الضغط، لكنها كانت واحدة من المباريات التي يجب ان تفوز فيها»، مضيفا «حققنا الهدف المنشود امام غانا، وأنا سعيد بذلك».
وتابع لوف «نحن سعداء لمواجهة انجلترا، ستكون مباراة صعبة للغاية وسيشهد عليها التاريخ»، محذرا من خطورة الانجليز وخصوصا مهاجمهم واين روني المطالب بإظهار مستواه الحقيقي بعد ان قدم اداء متواضعا جدا في المباريات الثلاث التي خاضها في الدور الاول ما دفع كابيللو الى استبداله في الشوط الثاني من مباراة سلوفينيا.
ويحوم الشك من الجهة الالمانية حول مشاركة نجم الوسط والقائد الفعلي للمنتخب باستيان شفاينــشتايغر بسبب الاصابة التي تعرض لها امام غانا، واعترف لوف ان المانيا تواجه «بعض المشاكل، فالمدافع جيروم بواتنغ يعاني من مشكلة في الظهر، اما باستيان فهو مصاب في فخذه». وأوضح لوف ان مسعود اوزيل تلقى ايضا ضربة قوية في الدقائق الاخيرة من مباراة غانا، لكنه بدا قلقا بشكل اكبر على حال شفاينشتايغر. وقال لوف «آمل ان يشفى خلال الايام القليلة المقبلة، فإذا لم يتمكن شفاينشتايغر من اللعب، وهو ما لا أتمناه، فستكون ضربة كبيرة لنا».
كول: متلهفون للمواجهة
قال لاعب خط الوسط جو كول إن المنتخب الإنجليزي مستعد لمواجهة ألمانيا، وإن الحالة المزاجية اختلفت في المعسكر بعد الفوز على سلوفينيا. واضاف كول اختلفت الحالة المزاجية بشكل كبير منذ تأهل إنجلترا إلى «الدور الثاني». وتابع «اللاعبون متلهفون لمواجهة الألمان».
وقال كول (28 عاما) الذي شارك في 3 من بطولات كأس العالم حتى الآن «لا نحب أن يطلق علينا «الجيل الذهبي»، فهذا شيء يزيد الضغوط علينا»، وأضاف «يمكنني أن أتذكر أن المنتخب البرتغالي أطلق عليه هذا الاسم قبل أعوام قليلة، لكنهم لم يحرزوا شيئا، إننا نريد الفوز بشيء».