انحبست انفاس القارة الافريقية باكملها عندما اعتقدت ان لويس سواريز مهد الطريق لها لكي تتواجد في الدور نصف النهائي للمرة الاولى في تاريخها عبر ممثلها الغاني، لكن اسامواه جيان رفض الهدية الاوروغوانية وتحول في ثوان من بطل الى الرجل الذي «اغتال» حلم الملايين، ولتخرج غانا من الباب الكبير.
ثوان معدودة فصلت بين غانا والمجد، ها هو الحكم البرتغالي اوليغاريو بينكويرنكا يهم لاطلاق صافرة نهاية موقعة «سوكر سيتي» بين منتخبي «النجوم السوداء» ونظيره «لا سيليستي» والتعادل سيد الموقف 1 ـ 1 بعد 120 دقيقة لكنه انتظر نهاية الهجمة الغانية على مرمى «سيليستي»: معمعمة داخل المنطقة والجميع يبحث عن الكرة فوجدها البديل دومينيك اديياه وحولها برأسه نحو مرمى الحارس فرناندو موسليرا لكن اين هو الاخير؟ كان في ارض الملعب بعدما اخفق في ابعاد الخطر الداهم على مرماه، لكن لا داعي للقلق هناك سواريز يدافع عن العرين ويتقمص شخصية حارسه لثوان معدودة فصد الكرة بيده عند خط المرمى ومنعها من دخول الشباك.
ضحى مهاجم اياكس امستردام الهولندي بنفسه ولعب ورقة «الجوكر» لان لا شيء يخسره في حال خروج بلاده لكن لديه الكثير ليربحه في حال فشل اللاعب الغاني الذي سيتولى تنفيذ ركلة الجزاء في وضع الكرة داخل الشباك، وهذا ما حصل فعلا: تقدم جيان بحثا عن تسجيل هدفه الخامس في نهائيات كأس العالم ومعادلة انجاز الكاميروني روجيه ميلا اكثر اللاعبين الافارقة تسجيلا في كأس العالم (1990 و1994)، وخصوصا حمل بلاده لتكون اول بلد افريقي يتواجد في المربع الذهبي، فحبست الانفاس في «سوكر سيتي» ثم تبعتها صيحات الصدمة لان مهاجم رين الفرنسي سدد في العارضة ولم يحصل حتى على فرصة الرثاء على نفسه لان الحكم اعلن صافرة نهاية اللقاء والاحتكام الى ركلات الترجيح.
تقدم دييغو فورلان ووضع اوروغواي في المقدمة ثم صدم الجميع بان اول ركلة غانية ستكون لجيان، لكن الاخير نجح هذه المرة في وضع الكرة في الشباك لكن ذلك لم يخفف عنه على الاطلاق لان زميليه جون منساه واديياه اصطدما بتألق موسليرا الذي استعاد دوره من سواريز واكمل مهمة القضاء على حلم راود قارة باكملها وقفت خلف ممثلها الوحيد الذي تخطى الدور الاول بعد خروج البلد المضيف والجزائر والكاميرون وساحل العاج ونيجيريا.
من المؤكد ان اوروغواي ستتذكر كثيرا التضحية الجريئة لسواريز الذي كان اصلا بطل وصولها الى ربع النهائي للمرة الاولى منذ 1970 بتسجيله هدفي المباراة امام كوريا الجنوبية (2 ـ 1)، فارضا نفسه من ابرز نجوم جنوب افريقيا 2010، متقمصا شخصية فيكتور ايسباراغو الذي كان بطل تأهل اوروغواي الى نصف النهائي عام 1970، حين كان نظام البطولة يقضي بتأهل متصدر وثاني المجموعة الى ربع النهائي بسبب مشاركة 16 منتخبا فقط، بتسجيله هدف الفوز على الاتحاد السوفييتي
1 ـ 0 بعد التمديد ليقود «لا سيليستي» الى موقعة نارية مع برازيل بيليه وجيرزينيو وغيرسون وكارلوس البرتو وريفيلينو، فكانت الغلبة لـ «سيليساو» 3 ـ 1 ليسقط حلم الاوروغويانيين بالعودة الى منصة التتويج ورفع رصيدهم الى ثلاثة ألقاب بعد ان توجوا ابطالا لنسختي 1930 و1950.
ثم تقمص سواريز دور الحارس لثوان قبل ان يعيده لموسليرا الذي سيدون اسمه ايضا في سجل الابطال الذين اعادوا العملاق الازرق ليلعب دوره بين كبار الكرة المستديرة بعد سبات طويل.
«كانت احدى اكثر اللحظات هدوءا بالنسبة لي»، هذا ما قاله حارس لاتسيو الايطالي عن شعوره عندما تقدم جيان لينفذ ركلة الجزاء في الوقت بدل الضائع من الشوط الاضافي الثاني، مضيفا «لم اشعر بشيء عندما نفذ جيان ركلة الجزاء خلال التمديد، ذهني كان فارغا، لم يكن هناك شيء افكر فيه، كنت هادئا جدا، حاولت ان اشتت تركيزه ولحسن الحظ اخفق في تسديدته».
قد يتهم البعض سواريز بالغش الرياضي لكنه تصرف بشجاعة وراهن على القدر الذي حاول ان يفسره مدربه اوسكار تاباريز: «يمكن لاولئك الذين يؤمنون بالقدر ان يفسروا ما حصل بطريقة اخرى، لكني لا املك اي تفسير لما حدث. لقد كانت مباراة صعبة، تحلينا بالجرأة الكافية للنجاة»، اما سواريز فقرر ان يفسر الموقف بشكل مازح نوعا ما: «أنا غوليراسو (حارس كبير)، لقد كانت صدة المونديال، لم أكن أملك الخيار»، في اشارة منه الى الهدف الذي سجله الارجنتيني دييغو مارادونا بيده في مرمى انجلترا في ربع نهائي مونديال 1986 في المكسيك.
وتابع سواريز الذي سيغيب عن لقاء نصف النهائي امام هولندا: «قمت بذلك لكي يفوز زملائي بركلات الترجيح. عندما رأيت أن كرة جيان لم تدخل في المرمى، كانت فرحتي عارمة».
ودافع تاباريز عن لاعبه قائلا «كانت حدسية، لقد وضع يده بطريقة عفوية امام الكرة وحصل على بطاقة حمراء وسيغيب عن المباراة المقبلة. لقد دفع ثمن الحركة التي قام بها، لم يكن يدرك ان غانا ستهدر ركلة الجزاء، ليس من العدل القول اننا غشينا لتحقيق الفوز».
جماهير غانا حزينة لكنها فخورة
رغم انكسار قلوبهم بعد هزيمة منتخب بلادهم، مازالت جماهير غانا فخورة بأداء منتخب النجوم السوداء بالمونديال. وتنبأت صحيفة جنوب أفريقية قبل المباراة: «في مساء الجمعة، لن يرى سوى 11 نجمة فقط.. ستكون 11 نجمة سوداء للمرة الأولى في التاريخ». وقالت أبينا ـ أنسا أدجي، كاتبة من أكرا، لدى مغادرتها الستاد مع خمسة غانيين آخرين سافرت معهم لحضور البطولة: «لقد حطمت الهزيمة قلوبنا، فقد كانت المباراة في أيدينا». قبل أن تضيف: «ولكننا فخورون بفريقنا على أي حال. لتحيا 2014»، فيما رددت المجموعة المصاحبة لها والتي التفت في أعلام غانا: «نجوم غانا السوداء فريق عظيم». ومع خروج الجماهير من الستاد رفع صبي يلون وجهه بألوان العلم الغاني الأحمر والأخضر والذهبي لافتة مكتوب عليها شعار: «من يقول ان النجوم السوداء لا تلمع؟».
راييفاتش فكر في تغيير الحارس
قال مدرب غانا الصربي ميلوفان راييفاتش «هذه هي كرة القدم... كانت مباراة صعبة للغاية، كما اننا لعبنا 120 دقيقة في الدور ثمن النهائي. حصلنا على ركلة جزاء وفرصة التأهل الى الدور نصف النهائي، لكن هذا الامر لم يحصل. في ركلات الترجيح، كان الاوروغويانيون يتمتعون بافضلية معنوية وكل شيء حصل بسرعة، فكرت حتى بتغيير حارس المرمى لكني لم اقم بهذا الامر. لعبت غانا بطريقة جيدة جدا في هذه النهائيات، لعبنا بطريقة جيدة في جميع المباريات، لكننا افتقدنا اثنين من لاعبينا (اندريه ايوو وجوناثان منساه بسبب الايقاف)، وافتقدناهما كثيرا على ارضية الملعب».
مونتيفيديو تهلل وترقص فرحاً
احتفل مواطنو أوروغواي بفوز منتخبهم وكأن هذه الدولة الأميركية الجنوبية الصغيرة قد فازت بالفعل بالبطولة بأكملها.وأطلق عشاق كرة القدم في العاصمة مونتيفيديو والمدن الصغيرة والقرى الألعاب النارية في السماء بينما طافت السيارات الشوارع وهي تطلق أبواقها، وخرج المشجعون إلى الشوارع يغنون ويرقصون ويلوحون بعلمهم الوطني كما احتضن الغرباء بعضهم البعض مع شعورهم بالفرحة.وكتبت إحدى الصحف «شكرا لكم على كأس العالم التي لا تنسى» وكتب صحيفة أخرى «لقد فازت أوروغواي بالفعل» ووصف صحافي محلي آخر الفوز بأنه «لا يصدق، لا مثيل له، ونهائي قد يصيب بأزمة قلبية».وقال شاب وهو يبكي فرحا «هذا مثل الحلم»، كما احتفلت جماهير الكرة في الأرجنتين المجاورة بفوز أوروغواي.
موخيكا: أوروغواي والأرجنتين بالنهائي
لم يجد رئيس أوروغواي، خوسيه موخيكا، كلمات لوصف تأهل منتخب بلاده إلى الدور نصف النهائي، لكنه غامر بتوقع نهائي للمونديال يجمع الفريق بجاره الأرجنتيني. ولم يدل الرئيس بتعليقات، لكن وزير داخليته، إدواردو بونومي، قال إنه قبل خمس دقائق من نهاية المباراة «كانت أوروغواي تعيش ليلة سوداء والآن باتت في سماء برتقالية»، في إشارة إلى ألوان قمصان المنتخب الهولندي الذي يواجهه الفريق في الدور قبل النهائي. وقال بونومي: «حتى لو لم نحقق الفوز، فإننا سنحضر حفل استقبال لهؤلاء الفتيان الذين تقدموا بشكل رائع» في البطولة.
صدمة وحسرة أصابتا لاعبي غانا
أصيب لاعبو منتخب غانا بصدمة كبيرة مع توديعهم المونديال. وقال المدافع جون بانتسيل «لسنا سعداء بالخروج في هذه المرحلة من البطولة.. لا أعرف ماذا حدث. ولكننا كنا سيئي الحظ». وقال «كان تضييع جيان لضربة الجزاء جزء من المباراة، لم يكن الأمر مقصودا».
وأضاف: «إنه (جيان) مثلنا جميعا أراد الفوز بهذه المباراة، إن شعوره بالغ السوء حاليا لأننا لم نفز ولكنه مازال لاعبا يافعا وقد طالبناه جميعا بنسيان الأمر».
وأضاع البديل دومينيك أديياه وقائد الفريق جون منساه ضربتي جزاء لغانا.
وقال أديياه: «كنا نستحق التأهل للدور قبل النهائي، ومن يدري ربما كنا نستحق النهائي. ولكنها ليست نهاية العالم وعلينا أن نستمر».
فورلان: سواريز أنقذنا
وصف نجم أوروغواي، دييغو فورلان، زميله لويس سواريز بالمنقذ وقال فورلان بعد المباراة «أعتقد أن سواريز أنقذ المباراة بيده... بعد ذلك كان (الحارس فرناندو) موسليرا رائعا في ضربات الترجيح».
وأضاف هداف أتلتيكو مدريد الاسباني أن «الجميع سعداء للغاية. الطريقة التي انتهت بها المباراة غير معقولة».
من جانبه، أعرب قائد الفريق ومدافعه، دييغو لوغانو، عن ثقته في التعافي من إصابته في الركبة اليمنى واللحاق بمباراة هولندا.
صحف أوروغواي: التأهل «معجزة سماوية»
اعتبرت الصحف الأوروغويانية الصادرة على شبكة الانترنت ان تأهل بلادها كان «معجزة سماوية». وعنونت «أل بايس» ابرز الصحف اليومية: «معجزة سماوية: أوروغواي بين أفضل أربعة منتخبات في العالم». وأضافت الصحيفة: «فازت أوروغواي على غانا 4 ـ 2 بركلات الترجيح، بعد نهاية مباراة جهنمية، لقد دعت نفسها بين أفضل 4 منتخبات في العالم لأول مرة منذ العام 1970». وأشادت «أل بايس» بالدور الريادي لحارس المرمى فرناندو موسليرا الذي «أوقف ركلات الترجيح» والمهاجم سيباستيان ابرو «الذي سجل الركلة الأخيرة بحرفنة». وحيا موقع «راديو اسبكيتادور» منتخب «أوروغواي على سقف العالم»، وأشاد بصدتي الحارس موسليرا في الركلات الترجيحية». وكتبت «أل أوبسريفادور» اليومية: «(لوكيرا توتال) أي الجنون الكامل» وأشادت بالركلة الأخيرة التي سددها أبرو على طريقة التشيكوسلوفاكي بانينكا.