قد يكون شهر العسل بين الأسطورة الارجنتيني دييغو مارادونا ومنتخب بلاده قد انتهى على يد الألمان بعد الخسارة المذلة التي تلقاها «راقصو التانغو او لا البيسيليستي» (0-4) في ربع النهائي. «سنرى ما سيحصل. لم أفكر بالرحيل. يجب ان استشير عائلتي واللاعبين. هناك العديد من العوامل التي يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار»، هذا ما قاله مارادونا بعد توقف مشوار منتخب بلاده في ربع النهائي على يد منتخب ألماني شاب نجح في مخالفة جميع التوقعات منذ بداية النهائيات وأطاح ببطلين سابقين بنتيجتين ساحقتين هما انجلترا (4-1) في الدور الثاني ثم الأرجنتين ليبلغ دور الاربعة للمرة الثانية عشرة في تاريخه المتوج بثلاثة ألقاب (1954 و1974 و1990).
وتابع مارادونا «الأمر مشابه لصفعة على وجهي، انها أصعب لحظة في حياتي. اشعر بالخيبة، العودة الى بلادي بعد الخسارة، انه امر صعب. يجب ان نجلس لنرى ما سيحصل. هم سجلوا ونحن لم نتمكن من التسجيل».
وبدا مارادونا عصبيا عندما رد على سؤال حول سبب سيطرة الألمان على وسط الملعب، وأجاب «لماذا لا تذهبون الى الاتحاد الارجنتيني لعرض برنامجكم؟ رأيت مباراة كنت نركض فيها خلف النتيجة..» وفي معرض رده على سؤال حول ما اذا كان اختبر يوما مماثلا في حياته، قال «هناك النتيجة، الخيبة، لا احد بإمكانه تحمل الخسارة 4-0 والخروج من ربع النهائي. عشت هذا الامر عام 1982 كلاعب، لكنني كنت يافعا حينها. هنا، انا سأصبح في الخمسين من عمري في أكتوبر.
انها أصعب لحظة في حياتي. هناك جميع هؤلاء الأشخاص حولي، الكثير من المحترفين حولي، الطاقم الفني والناس. الأمر مشابه لصفعة على وجهي. لا املك الطاقة للقيام بأشياء اخرى (التحدث الى الصحافة)».
قد يكون المشوار انتهى بالنسبة لمارادونا الذي اراد ان يدخل النادي المصغر من الأشخاص الذين تمكنوا من احراز اللقب العالمي لاعبين ومدربين وهو ما نجح في تحقيقه اثنان فقط هما البرازيلي ماريو زاغالو (1958 لاعبا، و1970 مدربا) والقيصر الألماني فرانتس بكنباور (1974 لاعبا، و1990 مدربا).
وكان مارادونا قاد بمفرده منتخب «لا البيسيليستي» الى إحراز كأس العالم في مكسيكو عام 1986 على حساب الألمان بالذات ودمغ الملاعب المكسيكية بموهبة لا تقارن، فأصبح أسطورة في بلاده وهو كان يؤمن ان بإمكانه إعادة الكأس الأغلى الى الارجنتين في مونديال جنوب افريقيا، خصوصا انه يملك تشكيلة من اللاعبين المميزين الذين يعدون من ابرز الأسماء العالمية في الوقت الحالي، أمثال نجم برشلونة الاسباني ليونيل ميسي وهداف اتلتيكو مدريد الاسباني سيرجيو اغويرو، اضافة الى كارلوس تيفيز والقائد الجديد خافيير ماسكيرانو وغيرهم.
وضع مارادونا العنوان العريض لمشواره مع المنتخب: «اولا لدي هدف واحد هو الفوز بكأس العالم. ليس هناك نقطة تجعلني افكر بالوصول الى دور الاربعة (كأقصى حد)، اذ في ظل وجود هؤلاء اللاعبين سيكون هذا هدفنا وسأعمل على تحقيقه»، لكن الألمان كان لهم كلمتهم ايضا وقد ضربت الارجنتينيين مثل الصاعقة. عندما التقى مارادونا بنجم ألمانيا الشاب توماس مولر لأول مرة، اعتقده أحد صبيان المولجين التقاط الكرات في الملاعب، في تجاهل مهين رد عليه لاعب بايرن ميونيخ بأفضل طريقة مسجلا هدفه الرابع في النهائيات ومساهما بشكل أساسي في الفوز الساحق الذي حققه «مانشافت» على الارجنتينيين.
وقد يكون مولر وزملاؤه أطاحوا برأس مارادونا وتسببوا بخروجه من المنتخب لان الصحافة الارجنتينية لن ترحمه على الإطلاق بعدما نجح لفترة في إسكات الانتقادات وحول التجريح الى مديح، لكن شبح الماضي عاد ليطارد «لا البيسيليستي» بشخص الـ «مانشافت الألماني» الذي كان العقبة بينه وبين التأهل الى دور نصف النهائي للمرة الاولى منذ 1990 عندما تواجه المنتخبان في النهائي وخرج الألمان فائزين.
لم يكن دخول مارادونا الى نهائيات النسخة التاسعة عشرة من العرس الكروي العالمي كسائر المدربين الآخرين، لان احدا لم يأخذ مسيرته التدريبية على محمل الجد، سواء كانت الصحافة المحلية او الدولية وحتى اللاعبين السابقين مثل البرازيلي بيليه او الفرنسي ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الاوروبي لكرة القدم، خصوصا بعدما عانى المنتخب الارجنتيني الأمرين خلال التصفيات حيث تعرض لهزائم تاريخية أبرزها سقوطه امام بوليفيا 6-1، وهو لم يحسم تأهله حتى الجولة الاخيرة بفوزه على الاوروغواي. واعتقد الجميع ان مسلسل معاناة التصفيات سيتواصل فصولا في النهائيات، الا ان رجال مارادونا ضربوا بقوة وخرجوا فائزين بالمباريات الثلاث التي خاضوها في الدور الاول، ثم تخلصوا من المكسيك في الدور الثاني ليضربوا موعدا ثأريا مع الألمان في ربع النهائي في اعادة لمواجهة الدور ذاته قبل 4 أعوام عندما خرج «مانشافت» فائزا بركلات الترجيح بعد تعادلهما 1-1، ليجدد الفوز على «لا البيسيليستي» بعد ان كان حرمه من الاحتفاظ بلقبه بطلا للعالم بالفوز عليه 1-0 في نهائي مونديال 1990 حين كان مارادونا في صفوفه. لكن من اعتقد ان الألمان الشبان لن يكونوا قادرين على مواجهة ليونيل ميسي ورفاقه كان مخطئا تماما وقد يجد مارادونا نفسه في معركة جديدة مع الصحافة الارجنتينية والجميع يتذكر ما قام به بعد تأهل منتخبه الى النهائيات اثر الفوز على الاوروغواي في الجولة الاخيرة من تصفيات اميركا الجنوبية، حيث قال في مونتيفيديو بعد فوز بلاده «أهدي هذا التأهل الى الشعب الارجنتيني بأسره والى عائلتي، لكن قطاعا واحدا لا يستحق هذا الاهداء (في اشارة الى الصحافيين) لأنهم عاملوني كالنفايات. لقد اخترعوا مشاكل بيني وبين (المدير الفني) كارلوس بيلاردو غير موجودة..»، قبل ان يستفيض باهاناته، مستخدما ألفاظا جنسية بذيئة للغاية بحق الصحافيين.
ودفع مارادونا ثمن هذه الفورة اذ اوقفه الاتحاد الدولي «فيفا» عن جميع النشاطات الكروية لمدة شهرين وغرمه بمبلغ 25 الف فرنك سويسري (16.560 الف يورو) بسبب العبارات النابية التي ادلى بها وهو تقدم باعتذاره: «أطلب السماح من النساء، ومن والدتي، ومن سيدات الارجنتين، ومن سيدات الاوروغواي، ومن نساء العالم بأكمله. لكن ليس من الآخرين»، قبل ان يعود ويقدم اعتذاره الى الاتحاد الدولي وعائلة كرة القدم، ما دفع «فيفا» الى تخفيف العقوبة.
وشدد الاتحاد الدولي على ضرورة ألا تتكرر هذه الحادثة مع مارادونا لان هذا الأمر سيقوده الى اتخاذ قرارات اقسى بكثير، لكن تجدد ما حصل سابقا ليس مستبعدا على الإطلاق ويبقى ان ننتظر عودة صاحب «يد الله» الى بلاده لمعرفة ما اذا كان سيدخل في معركة اعلامية جديدة أم سيكتفي بالصمت تجنبا لأي عواقب تأديبية.
..والصحف الأرجنتينية: خسرنا بالضربة القاضية أمام خصم ذكي
من جهتها رأت الصحف الأرجنتينية ان الخسارة الثقيلة التي تلقاها منتخب بلادها امام نظيره الألماني 0 ـ 4 في ربع النهائي سببها عدم فعالية نجم برشلونة الاسباني ليونيل ميسي وقصر بصيرة رجال المدرب دييغو مارادونا.
«الأرجنتين تعود الى ديارها بعد ضربة قاضية وقاسية»، هذا ما عنونته صحيفة «كلارين» في موقعها على شبكة الانترنت، مضيفة «لقد خسروا على يد خصم ذكي». كما انتقدت الصحيفة التكتيك الذي اعتمده مارادونا بجعل ميسي يلعب بعيدا عن منطقة الجزاء، مضيفة «لقد انتظر كثيرا لتصله الكرة. قام ببعض التوغلات التي شكلت بريق أمل لكنه كان في قبضة الألمان طيلة الوقت تقريبا. لقد ترك البطولة دون ان يظهر مواهبه او يسجل أي هدف».
اما صحيفة «لا ناثيون» فاعتبرت ان ألمانيا استفادت من عدم فعالية المنتخب الأرجنتيني الذي عانى من ظهور كارلوس تيفيز وميسي او غونزالو هيغواين دون مستواهم الطبيعي، مضيفة «لم يملك (المنتخب) الأجوبة في مواجهة الخصم». وبدورها اعتبرت «اينفوباي» ان المنتخب الأرجنتيني قدم مباراة سيئة وودع كأس العالم بهزيمة مذلة على يد المحدلة الألمانية.