عمت فرحة عارمة العاصمة الاسبانية مدريد. وتجمع ما بين 150 و250 الف مشجع في وسط العاصمة مرتدين اقمصة المنتخب الاسباني وحاملين الاعلام الوطنية هاتفين «ابطال.. ابطال» بمجرد تسجيل اندريس انييستا بهدف الفوز في الدقيقة 116 قبل ان تنطلق افراح هستيرية عقب اعلان الحكم الانجليزي هاورد ويب نهاية المباراة.
وانطلقت الاحتفالات في مختلف انحاء العاصمة واطلقت السيارات العنان لابواقها وسط هتافات «تحيا اسبانيا» و«اسبان، اسبان، نحن اسبان».
وستستمر احتفالات الملايين من الجماهير الاسبانية بهذا اللقب التاريخي طيلة الليلة حتى وصول المنتخب الاسباني وسيستقل لاعبو المنتخب الاسباني حافلة مكشوفة تجول بهم في الشوارع امام المشجعين.
لم تستطع اسبانيا تقديم أدائها الممتع الذي قادها للتربع على عرش كرة القدم، وهي تلعب ضد هولندا القوية في نهائي كأس العالم، لكنها قدمت أداء ميزه الهدوء لتفوز بهدف مقابل لا شيء، وتحرز اللقب للمرة الأولى في تاريخها.
وخاب أمل كل من منّى نفسه باستعراض فني راق في فنون التحرك والتمريرات السلسة، بعد أن خرجت المباراة متواضعة إلى حد كبير، ولم يحسم النتيجة سوى هدف وحيد للاعب الوسط اندريس انيستا قبل 4 دقائق من نهاية الوقت الإضافي.
وكان المونديال الذي شهد بعض اللمحات العبقرية، واللحظات الساحرة رغم أن مستوى الإثارة، لم يكن كما تمنى العالم يحتاج بحق إلى نهائي مليء بأفضل ما في اللعبة.
لكن المشاهدين تابعوا على عكس ذلك سيلا من الأخطاء التي بلغت 47 خلال المباراة بعضها عنيف والآخر هدفه الإيذاء فكانت النتيجة 13 إنذارا وحالة طرد واحدة.
ورغم ما يملكه المنتخبان من مهارات فإنهما، لم يقدما سوى القليل من كرة القدم التي ميزت أداءهما لسنوات طويلة.
وأدى الإرهاق الذي حل بلاعبي المنتخبين إلى لعب أكثر انفتاحا في الوقت الإضافي قبل أن يضرب انيستا ضربته، لكن لا اسبانيا قدمت أداءها المعروف بكثرة التمريرات، ولا هولندا أظهرت للعالم كرتها الجميلة.
ويمكن إلقاء بعض اللوم فيما آلت إليه المباراة النهائية على العصبية التي تصاحب المناسبة، وهو أمر مفهوم في حالة المنتخب الاسباني الذي يلعب في النهائي للمرة الأولى، وهولندا التي حرصت بشدة على تجنب ثالث هزيمة في النهائي.
لكن استراتيجية الهولنديين خاصة في الشوط الأول والتي اعتمدت على القوة البدنية لمواجهة الاسبان ساهمت أيضا في الأداء المخيب للأمل.
فلقد أدى هذا الأسلوب إلى حصول 8 لاعبين من هولندا على إنذارات من الحكم الانجليزي هاوارد ويب.
لكن اللعب القوي والتدخلات الخشنة أفلحت بعد أن أدى هذا الأسلوب لهز المنتخب الاسباني، ومنعه من الاستحواذ على الكرة بالطريقة التي تمتع لاعبيه ومثلت عماد نجاحه في السنوات الثلاث الأخيرة.
وقد لا يعجب هذا الأسلوب كثيرين لكن بيرت فان مارفيك مدرب هولندا، أوضح بجلاء أنه وعى الدرس من هزيمة المانيا على يد الاسبان في الدور نصف النهائي.
ولجأت المانيا للتراجع للدفاع وإلى الاعتماد على الهجمات المرتدة فسمحت لتشابي وزملائه بتنفيذ «طريقة الاحتفاظ بالكرة» في وسط الملعب وكانت النتيجة فشل المانيا في اللعب بطريقتها وتهديد الدفاع الاسباني.
وعلى العكس فضل الهولنديون خوض المعركة في وسط الملعب بالاعتماد على قوة مارك فان بومل ونايجل دي يونغ لفرض السيطرة على هذه المنطقة والسماح لارين روبن في الجانب الأيمن وديرك كاوت في الجانب الأيسر بالاستفادة من أي مساحات خالية.
لكن في النهاية كانت التمريرات من وسط الملعب في عمق الدفاع الاسباني هي ما منح هولندا الخطورة في الشوط الثاني وفي مرتين انطلق روبن منفردا باتجاه المرمى ليسدد في المرة الأولى في ساق كاسياس ويفشل في الثانية في التسديد بعدما بدا أن المدافع كارليس بويول جذبه.
وفشلت اسبانيا في الوصول بإيقاع اللعب إلى المستوى الذي تحتاجه لتظهر فاعليتها حتى شارك البديل خيسوس نافاس بعد ساعة من اللعب على حساب المهاجم بيدرو.
وسنحت لديفيد فيا وسيرجيو راموس فرص جيدة في المراحل الأخيرة من المباراة لحسم النتيجة لصالح اسبانيا بينما كان بوسع روبن لو مر من بويول تسجيل هدف الحسم لهولندا.
وجاء الوقت الإضافي ثم لاحت ركلات الترجيح في الأفق قبل أن يحرز انيستا اللاعب الذي قدم أفضل لمحات فردية في المباراة هدف الحسم.
وتستحق اسبانيا الإشادة على هدوئها في مواجهة العنف الهولندي والتحلي بالصبر والثقة في قدراتها التي ظهرت طيلة البطولة لتحقق انتصارات صعبة كلها بهدف نظيف في جميع مباريات مراحل خروج المغلوب على البرتغال وپاراغواي والمانيا.
ومرة أخرى كان الهدف الوحيد كافيا ورغم غياب الجمال في المباراة النهائية صبت هولندا غضبها على الحكم الانجليزي فيما تحولت اسبانيا للاحتفال بلقبها الذي طال انتظاره.