عبدالله العنزي
«لو كرميلا.. حكم عليك بالإعدام» بهذه الكلمات القاسية استيقظ كريملا بطل رائعة فيكتور هوغو «في اليوم الاخير من رجل مدان» من كابوسه المرعب، وراح يتأمل بسقف سجنه المتهالك وهو يخيّل له انه رجل آخر «غير الذي ينتظر محكمته بعد بضعة أسابيع لقضية قتل عمد مع سبق الاصرار والترصد»، رجل يتكئ على هذه الفتاة ويمازح الأخرى التي ينظر اليها، رجل «يقهقه» بقوة على وقع مسرحيات شكسيبر الهزلية، وفي خضم تلك الأحلام المجانية يصطدم كرميلا بالسلاسل بين يديه التي تحول بينه وبين تهذيب شعره.
ولو «فتشت» في مفكرة مدرب تشلسي الايطالي كارلو انشيلوتي عن مواعيده عند الساعة العاشرة و45 دقيقة الليلة لوجدت أسطرها بيضاء تماما، فهو الوحيد في لندن الذي لا يعلم الى الآن ما اذا كان سيذهب الى منزله بعد المباراة امام مان يونايتد او يتوجه الى مكتب الرئيس للتفاوض على انهاء العقد.
ومشكلة تشلسي الحقيقية ليست في اللاعبين او المدربين بل هي في رئيسهم الملياردير الروسي ابراموفيتش الذي لا يملك من الصبر الا القليل، فهو ملياردير ولكن بعقلية عربية بحته تجده على استعداد ان يأتي بمدرب جديد وفريق جديد في كل مباراة شريطة ان يفوز بها، وان خسر قام بتسريح الجميع من لاعبين ومدربين وحتى عمال نظافة، ألم أقل لكم انه بعقلية عربية؟ انظروا اليه كيف تعاقد مع صديقه الأوكراني اندريه شفتشينكو وقام بفرضه على المدربين بطريقة نادرة الحدوث في أوروبا.
وابراموفيتش الذي يملك بحسب رأي القيصر الألماني فرانتس بيكنباور «ماكينة صنع نقود في منزله» لا يفرّق بين عالم البورصة وعالم كرة القدم، فهو يريد الربح السريع، ولو وضعوه مكان رئيس «فيفا» جوزيف بلاتر لاقترح منح كأس بعد كل مباراة لكي لا يكبد نفسه عناء الانتظار لموسم كامل حتى يرفع قائده جون تيري الكأس.
والمسكين انشيلوتي وجد نفسه بين ليلة وضحاها رجلا مذنبا بسبب سوء نتائج الفريق الذي لم يحقق الفوز في نصف مباريات الفريق بالدوري، فضلا عن الخروج مبكرا في مسابقتي كأس انجلترا وكأس الرابطة، وعلى الرغم من كونه رقما مخيفا لفريق بنجومية تشلسي الا انه يبدو واقعيا اذا ما نظرنا الى نتائج كل مباريات «البريرمييرليغ» لهذا الموسم، فهي نتائج دعت رجلا عاصر كل بطولات الدوري الممتاز السير اليكس فيرغسون الى وصفها بالغريبة.
انشيلوتي يشبه كثيرا كرميلا هذه الليلة، فكلاهما ينتظران حكما ما سيصدر بعد لحظات، الاول في ملعب للكرة والثاني في محكمة، فهذا سينظر الى مصيره معلقا بين الأقدام في ستامفورد بريدج، وذاك سينتظره ما سيخرج من أفواه هيئة المحلفين، فالرجل الايطالي يعلم تماما انها قد تكون أمسيته الأخيرة في لندن اذا ما خسر عندها سيعيش نفس المشهد وبنفس التوقيت تقريبا عندما يذهب الى مكتب الرئيس.
الساعة لدى كرميلا تشيرا الى الـ 9 والنصف عندما فتح قسيس السجن باب زنزانته، فجلس أمامه مبتسما، ونظر الى سقف الزنزانة وقاله له: يا بني مستعد؟ فأجاب كرميلا بصوت خافت: أنا لست مستعد.. ولكن أنا مستعد.