- منصور وضيف الله شاركا في سباق الماراثون
شيئا فشيئا أصبحت الألعاب الأولمبية «فاصلة» بين الإحداث العالمية الكبيرة، لا بل جسدت معاني الهدنة الأولمبية القديمة، فبدت وكأنها فترة التقاط أنفاس بين جولة سياسية ومطلبية وأخرى.
فقد صادفت ألعاب الأولمبياد التاسع عشر التي أقيمت من 12 إلى 27 أكتوبر في مكسيكو وسط أحداث دامية: حرب فيتنام، اجتياح الاتحاد السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا، اغتيال مارتن لوثر كينغ والسناتور الاميركي روبرت كينيدي، تفاقم الحركات الثورية والطلابية في أنحاء العالم، الثورة الثقافية الصينية.
وقبل الدورة بـ 10 أيام، شهدت ساحة الثقافات الـ 3 وسط العاصمة المكسيكية اعتصامات واحتجاجات طلابية وإضرابات وتظاهرات وصدامات مع الشرطة. وبلغت الحصيلة 267 قتيلا و1200 جريح.
وأوكل الرئيس المكسيكي غاستوفو دياز اورداز مهمة القمع لـ 3 آلاف شرطي أعادوا الهدوء إلى العاصمة وتمكن من إعلان افتتاح الألعاب في هذا البلد النامي، في ظل الحراب.
وكانت المرة الأولى التي تقام فيها الدورة في أميركا الجنوبية وشارك فيها 5516 رياضيا بينهم 781 امرأة من 112 دولة، تباروا في 172 مسابقة ضمن 18 لعبة هي: كرة القدم والخماسي الحديث والزوارق الشراعية والجمباز والسباحة والمبارزة والتجذيف وكرة السلة والرماية وألعاب القوى والمصارعة والكرة الطائرة والدراجات ورفع الأثقال والهوكي على العشب والملاكمة والكانوي كاياك والفروسية.
مشاركة الكويت
وشاركت للمرة الأولى فعليا كل من الكويت وليبيا وباربادوس وهندوراس البريطانية وغويانا وهندوراس وجمهورية الكونغو الدميوقراطية (زائير) وباراغواي وسلفادور وسورينام وسيراليون وجمهورية أفريقيا الوسطى. كما بدأت المشاركة الألمانية الشرقية. وكانت مشاركة الكويت في دورة الألعاب الأولمبية الـ 18 في طوكيو رمزية واقتصرت على وفد إداري فقط، بينما تعتبر مكسيكو 86 هي المشاركة الفعلية، حيث شاركت الكويت بلاعبين اثنين في سباق الماراثون هما مريحيب عايد منصور وسعود عيد ضيف الله.
وأسهمت إقامة المسابقات في أماكن على ارتفاع 2250م عن سطح البحر، حيث تقل كمية الأوكسجين وتخف الأوزان في تدحرج الأرقام القياسية، وبعضها كان إعجازيا.
فلا عجب ان يسقط 34 رقما عالميا و38 رقما أولمبيا وبفوارق كبيرة ولافتة، وان يتمكن مثلا 7 من المشاركين في مسابقة الوثبة الثلاثية من «كسر» الرقم الأولمبي و5 من «تحطيم» الرقم العالمي، وفي مقدمهم الفائز بالميدالية الذهبية السوفييتي فيكتور سانييف (17.39م)، في حين اكتفى الأول في دورة طوكيو عام 1964 الپولندي جوزف شميدت بـ 16.85م.
واعتمد التوقيت الإلكتروني رسميا في الألعاب للمرة الأولى علما ان ضبط الوقت أخذ يدويا وإلكترونيا في مسابقات ألعاب القوى والدراجات والتجذيف والكانوي كاياك والسباحة والفروسية.
وأزال استخدام أرضية الترتان على مضمار ألعاب القوى أي عائق «طبيعي» أمام العدائين، وأجريت فحوصات للتأكد من الأنوثة. وكان السويدي هانز غونار ليلينوال المشارك في الخماسية الحديثة أول المقصيين من الألعاب بداعي تعاطيه منشطا، إذ وجدت آثار كحول في فحص بوله.
وجمعت الولايات المتحدة 107 ميداليات بينها 45 ذهبية، وتصدرت الترتيب أمام الاتحاد السوفييتي الذي حصد مشاركوه 91 ميدالية (29 ذهبية). وحلت اليابان ثالثة 25 (11)، والمجر رابعة 32 (10) وألمانيا الشرقية خامسة 25 (9).
وأفرزت دورة مكسيكو «باقة» من الأسماء التي أنهت مسيرتها أو غيرت مجرى ومفهوم المسابقات، أو أرست قواعد جديدة، ولفتت الأنظار بتصرفاتها، ونجوما صمدوا في تاريخ الألعاب.
والتمهيد السابق لا يمنعنا من الإشارة إلى الزنوج الأميركين «ملوك» سباقات جري المسابقات القصيرة جيم هاينز وطومي سميت ولي ايفانز، ومواطنهم بطل الوثب العالي ديك فوسبيري ومايسترو رمي القرص آل اورتر، «وشهب» الوثب الطويل بوب بيمون، وجيش العدائين الكينين بقيادة «الضابط» كينو الذي حصد بداية ذهب 1500 م، والتألق الاميركي - الاسترالي في السباحة، وقصص الأحلام في الجمباز و«عروساتها» الروسيات والتشيكوسلوفاكيات.
والغريب ان سرعة الريح كانت تتوقف دائما عند مترين في الثانية خلال النهائيات، ما جعل الأرقام المحطمة قانونية 100%!.
وإذا كان العناء في جري المسافات الطويلة بسبب الارتفاع عن سطح البحر شكل عائقا أمام كثيرين فإن خفة الأوزان سمحت بإنجازات وأرقام في الرمي والوثب. فقد توج اورتر أولمبياده الرابع بذهبية رابعة في رمي القرص، وحسن رقمه نحو 4 أمتار مسجلا 64.78 م.
وهاهو الطالب الأميركي الممشوق القوام فوسبيري يقلب موازين الوثب العالي ومعادلاته المتعارف عليها وتقنياته المعتمدة، فقد تخطى العارضة مرتقيا على ظهره ومسجلا رقما جديدا مقداره 2.24 م، مسطرا نقلة جديدة في التطور الرياضي.
وأسهم انتشار استخدام الزانة المصنوعة من الألياف الزجاجية في تصاعد مؤشر أرقام القفز بالزانة على غرار ارتفاع مؤشرات أسهم البورصة، وهي باتت مثل الرفاص الذي يرفع المشاركين إلى أعلى. مسابقة افتتحها الروسي بليزنتزوف برقم مبشر (5.30 م) أي أكثر بـ 20 سنتيمترا من الرقم الأولمبي المحقق في طوكيو بفضل الأميركي فريديريك هانسن. ثم سجل الأميركي بينيل (5.35 م). واختتم المهرجان الأميركي الآخر روبرت سيغرين على ارتفاع 5.40 م، وبفارق المحاولات عن الألماني كلاوس سشبروسكي والألماني الشرقي فولفغانغ نوردويغ.
أرضية مطاطية
هكذا بدت الزانة الجديدة هدية تقنية صناعية على غرار بساط الترتان المطاطي الذي لا يتأثر بالأمطار، وعليه تمكن جيم هايز (22 عاما) من كسر حاجز الثواني الـ 10 للمرة الأولى بتسجيله 9.9 ث، وتسجيل الفريق الأميركي 38.24 ثانية في التتابع 4 مرات 100 م، رقم عالمي جديد علما أن الفريقين الكوبي (38.40 ث) والفرنسي (38.43 ث) صاحبي المركزين الثاني والثالث حطما الرقم العالمي السابق أيضا.
و«بقبضة سوداء» وعزيمة لا تلين تفوق الاميركي طومي سميث في سباق 200 م، وكانت الحصيلة رقما عالميا جديدا دون 20 ثانية، إذ سجل 19.83 ث أي اقل بنحو نصف ثانية من الرقم المسجل في دورة طوكيو 1964. وتقدم سميث على الاسترالي بيتر نورمان (20.06 ث)، والاميركي جون كارلوس (20.10 ث).
ولحظة التتويج شاء سميث وكارلوس أن يظهرا تضامنهما مع القوة السوداء موجهين رسالة ضد التمييز العنصري في العالم وخصوصا في الولايات المتحدة، فرفعا قبضتيهما و«المغلفتين» بقفازين أسودين، وكان الرد طردها من القرية الأولمبية، وحظيا باستقبال «غير مناسب» في لوس أنجيليس، وأمضى كارلوس بعدها 6 أعوام يعاني البطالة.
«الحمى السوداء» أصابت أيضا الفائزين الأميركيين الثلاثة في سباق 400 م لي ايفانز (43.87 ث) ولورانس جيمس (43.97 ث) وفريمان (44.41 ث). فاعتلوا منصة التتويج يعتمرون قبعات سود ورفعوا أيديهم للتحية بقبضة مشدودة.
أما «الرد المناسب»، فجاء من أسود آخر هو الملاكم جورج فورمان خليفة جو فرايزر في الوزن الثقيل، فقد صعد إلى الحلقة يحمل علما اميركيا، ولوح به عند إعلان فوزه.
بيمون يحلق عالياً ويصدم الجميع
وفي 18 اكتوبر 1968، كان ستاد «ازتيك» في مكسيكو شاهدا حيا على محطة أسطورية في الوثب الطويل هي عنوان الألعاب كما ونوعا، جملة وتفصيلا، بطلها الاميركي بوب بيمون. والحكام لم يحسبوا حسابها ولم تكن عندهم أساسا أجهزة قياس لتحديد مسافتها، ظن الجميع أن الفائز بالمركز الأول لن تتعدى وثبته 8.50 م أو 8.60 م على أبعد تقدير لكن بيمون تخطى الخيال، فالرقم الأولمبي مقداره 8.07 م، والرقم العالمي 8.35 م .ورقم بيمون 8.90م وهو نفسه لم يصدق ذلك! يومها قيل أن على الجميع الانتظار حتى العام 2000 ربما لكسر الرقم الفلكي الجديد، لكن الأميركي مايك باول فاجأ الجميع ووثب 8.91 م عام 1991 في بطولة العالم لألعاب القوى في طوكيو. حل بيمون أول واكتفى بوثبتين فقط 8.90 م و8.04 م، وحل ثانيا الألماني الشرقي كلاوس بير 8.19 م.
وكانت الشمس ساطعة في سماء مكسيكو أثناء المنافسة، غير أن غيمة كبيرة بدت زاحفة لتحجب سريعا النور وينهمر المطر الغزير. وقف بيمون مذهولا على غرار باقي المشاركين والجمهور الكبير.
ماراثون درامي .. والذهب يعانق تونس
لمع الذهب في عنق العداء التونسي محمد القمودي بطل سباق 5 آلاف متر (14.05.00 دقيقة)، وهو تقدم على الكينيين كيبكوش كينو (14.5.2 د) ونافتالي تومو (14.06.4 د).
وحصد القمودي البرونزية في سباق 10 آلاف متر (29.34.2 د) خلف تومو (29.27.4 د) والإثيوبي مامو وولدي (29.28.00 د). ووجد وولدي مشاركته في سباق الماراتون مناسبة جدا وهو القادم من بلد يتميز بوفرة السفوح العالية والهضاب المسطحة المحفزة للجري والخصبة بإنجاب العدائين الجيدين، ففاز مسجلا 2.20.26 س.
لكن السباق المكسيكي كان دراما حقيقية بسبب اختلاف المناخ ومقومات الارتفاع، فمن أصل 82 عداء أخذوا إشارة الانطلاق أكمل أقل من نصفهم المسافة وبلغوا خط النهاية، وكثرت خلاله حالات الإغماء.