-
المصارف التقليدية دخلت عنوة في المجتمعات الإسلامية زمن الاستعمار
أكد أستاذ كلية الشريعة في جامعة الكويت د.نايف محمد العجمي أن المصارف الإسلامية تتميز عن غيرها من المصارف بالأنشطة الاستثمارية، حيث ان المصارف التقليدية لا تعرف من الاستثمار إلا المتاجرة بالديون، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن ما يؤخذ على المصارف الإسلامية هو تركيزها في النشاط الاستثماري على عقود المرابحة، حيث بلغ متوسط الاستثمار في هذه الأداة أكثر من 90% من مجمل الاستثمارات، وهذا ما جعل الخبراء يشككون في مدى جدية المصارف الإسلامية في التزام مبادئ الاقتصاد الإسلامي. «الأنباء» التقت العجمي ليحدثها عن بحثه القيم المقدم لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان «المعاملات الاستثمارية في المصارف الإسلامية»، والذي أوضح فيه أن المصارف الإسلامية تركت وظيفتها التنموية وراءها ظهريا، وبدأت في محاكاة المصارف التقليدية في الأسلوب مما أضر بها فجعلها تدخل في الحيل المذمومة شرعا وأكبر شاهد على ذلك ما يعرف «بالتورق المنظم». وخلص العجمي في الرسالة حول قضية المرابحة المصرفية إلى أن عقود المرابحة لا تصح إلا بثلاثة شروط، أن يكون المصرف مالكا للسلعة، وأن تكون السلعة مقبوضة للمصرف، على أن يكون قبض المنقول بالتخلية مع التمكين من التصرف، وأخيرا ألا يقصد منها التحايل على الربا، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
ما موضوع رسالتكم، وما سبب اختياركم له؟
إن المصارف التقليدية حينما أدخلت عنوة في المجتمعات الإسلامية زمن قوى الاستعمار انبرى للتصدي لها علماء الأمة ومفكروها، وذلك من خلال كشف مساوئها وبيان عدم مشروعيتها، ودعوة الناس إلى وقف التعامل معها، وقد أدى رفض هذا الواقع المنقول من الغرب بعجره وبجره إلى البحث عن البديل الإسلامي، والدعوة إلى تحويل هذه المصارف التقليدية إلى إسلامية في الشكل والمضمون، فقامت إثر ذلك المصارف الإسلامية التي تزايدت حتى وصلت إلى أكثر من 200 مصرف ومؤسسة مالية في نهاية 2000م، وأبرز ما يميز المصارف الإسلامية عن غيرها هو ما تقوم به من نشاط استثماري واسع، استوعب معظم مواردها المالية، واشتمل على صيغ استثمارية متنوعة ومتعددة، لم تكن معروفة من قبل في الأعراف المصرفية، وهذه الصيغ الاستثمارية هي في الواقع معاملات مستجدة، وفيها من التشابك والتداخل ما يصعب معه القطع بحكم شرعي فيها، وقد انبرى لها كثير من العلماء والباحثين وكذلك المجامع الفقهية والهيئات الشرعية، فكتبت البحوث والدراسات، وعقد الندوات والمؤتمرات من أجل البت في قضايا الاستثمار المصرفي المتنوعة، ومع ذلك بقيت جملة منها لم ينته فيها إلى شيء، وجملة أخرى بحاجة إلى مزيد بحث ونظر، وهو ما رغبني في سلوك هذه المسالك والدخول في لجج هذه القضايا الشائكة، فكان أن تقدمت إلى قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بموضوع «المعاملات الاستثمارية في المصارف الإسلامية» لنيل درجة الدكتوراه، لعلي أسهم في هذا الميدان بشيء.
ويرجع اختياري لهذا الموضوع إلى عدة أسباب، أبرزها حاجة المسلمين إلى معرفة الحكم الشرعي للمعاملات المالية المعاصرة، وعلى وجه الخصوص المعاملات الاستثمارية، فقد أصبحت هذه المعاملات جزءا مهما من تعاملاتهم اليومية، ومن الأسباب أيضا الرغبة في جمع آراء العلماء المعاصرين في هذه المعاملات، وكذلك قرارات المجامع، وفتاوى الهيئات، ثم الموازنة بينها، وكذلك المساهمة بالرأي في القضايا التي لم ينته فيها إلى شيء، والبحث عن الحلول والبدائل في المسائل التي لا يسع الناس إلا العمل بها.
ما خطة البحث التي وضعتم عليها رسالتكم؟
يتكون هذا البحث من مقدمة وتمهيد و3 فصول وخاتمة، فكان الفصل الأول عن الاستثمار في عقود المرابحة، وتضمن 4 بحوث، حقيقة المرابحة المصرفية وشروطها وأحكام الثمن فيها والجانب التطبيقي لها في المصارف الإسلامية، والفصل الثاني عن الاستثمار في الأسهم، وفيه 6 مباحث، حقيقة الأسهم وحكم التداول بها عموما، وحكم تداولها باعتبار السهم، وباعتبار نشاط الشركة، وباعتبار موجودات الشركة، وأخيرا أحكام تداول الأسهم في الأسواق المالية، والفصل الثالث هو حول الاستثمار في عقود الاستصناع.
ما منهج البحث الذي اتبعتموه في رسالتكم؟
اتبعت في هذا البحث المنهج التالي، أولا تصوير المسائل المراد بحثها تصويرا دقيقا قبل بيان حكمها، ثم اقتصرت في مسائل الإجماع على ذكر الحكم بدليله، مع توثيق الإجماع من مظانه المعتبرة، وإذا نقلت الاتفاق فأعني به اتفاق الأئمة الأربعة أو أصحابهم، وفي مسائل الخلاف أذكر جميع الأقوال في المسألة مع بيان من قال به من أهل العلم، وقد اقتصرت على المذاهب الأربعة ومذهب الظاهرية، كم وثقت قول كل مذهب من كتب أهل المذهب نفسه، واجتهدت في استقصاء أدلة الأقوال، مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يجاب به عنها، كما قمت بعزو الآيات، وتخريج الأحاديث والآثار الواردة في البحث، وترجمت للأعلام الذين وردت أسماؤهم عدا الصحابة والأئمة الأربعة، وأخيرا قمت بعمل فهارس فنية لتسهيل البحث على القارئ.
المرابحة المصرفية
ما حكم المرابحة المصرفية بحسب ما خلصتم إليه في نهاية البحث؟
خلصت في الرسالة حول قضية المرابحة المصرفية إلى التالي، أن عقود المرابحة لا تصح إلا بـ 3 شروط، الأول أن يكون المصرف مالكا للسلعة، ويتفرع عنه أن المرابحة تتم بإحدى صيغتين، الأولى بيع المرابحة مع الإلزام بالمواعدة، وهذه صيغة غير جائزة، والثانية بيع المرابحة مع عدم الإلزام بالمواعدة، وهذه صيغة جائزة على القول الراجح، وأما الشرط الثاني فهو أن تكون السلعة مقبوضة للمصرف، وقد بينا في الرسالة أن الراجح في مسألة بيع المبيع قبل قبضه هو القول بعدم الجواز، أما صفة القبض في المنقولات فالراجح فيه قول الحنفية، وهو أن قبض المنقول يكون بالتخلية مع التمكين من التصرف، والشرط الثالث ألا يقصد منها التحايل على الربا، ويتفرع عنه ما يلي، أن القول الراجح في العينة هو التفريق بين حالتين، الأولى أن يكون ثمة مواطأة أو اتفاق، أو شرط لفظي، أو عرفي بين العاقدين على الشراء اللاحق، فهنا يحرم العقد، والثانية أن تخلو المعاملة من ذلك، فالراجح هو القول بالجواز، وأخيرا بينت أن التورق نوعان، تورق فردي، وقد انتهيت إلى القول بجوازه، وتورق منظم، وقد أثبت بما لا يدع مجالا للتردد بحرمته وضرره على الأفراد والاقتصاد.
النتائج
ما أبرز النتائج التي توصلت إليها من خلال رسالتك؟
أبرز النتائج العامة للرسالة هي كالتالي:
ـ المصارف الإسلامية تتميز عن غيرها من المصارف بالأنشطة الاستثمارية، فالمصارف الأخرى غير الإسلامية لا تعرف من الاستثمار إلا المتاجرة بالديون.
ـ يؤخذ على المصارف الإسلامية تركيزها في النشاط الاستثماري على عقود المرابحة، حيث بلغ متوسط الاستثمار في هذه الأداة في أكثر المصارف الإسلامية أكثر من 90% من مجمل الاستثمارات.
ـ المصارف الإسلامية اعتدمت باقي الأدوات (مثل عقود إجارة وعقود مضاربة وعقود مشاركة) في استثمارها بشكل بسيط وبنسب ضئيلة جدا، وهذا ما جعل خبراء الاقتصاد الإسلامي يشككون في مدى جدية المصارف الإسلامية في التزام مبادئ الاقتصاد الإسلامي. ـ يتفرع من النتيجة السابقة أن المصارف الإسلامية تركت وظيفتها التنموية وراءها ظهريا، وصارت تتاجر بالديون من خلال التركيز على عقدي المرابحة والتقسيط. ـ إن محاكاة المصارف التقليدية في الأسلوب أضر بالمصارف الإسلامية، فجعلها تدخل في الحيل المذمومة شرعا، وأكبر شاهد على ذلك ما يعرف «بالتورق المنظم». ـ ان الأخطاء التطبيقية لأدوات الاستثمار لا تحصى كثرة، وهذا ينبئ عن انفكاك بين جهات التنفيذ وجهات الرقابة، فالمصارف وان اشتملت على جهاز رقابي، فإن كثرة الأخطاء في التطبيق يدل على غيابه ميدانيا ـ أهم النتائج أن أكثر المصارف الإسلامية لم تثبت جديتها في أسلمة جميع أنشطتها الاستثمارية وغير الاستثمارية.
هل من كلمة أخيرة تقولها في نهاية اللقاء؟
في الختام لا يفوتني أن أترحم على شيخنا ومعلمنا ومؤدبنا الأستاذ د.محمد بلتاجي حسن، رحمه الله، الذي كان لي شرف التتلمذ على يديه، وقد كان من فضل الله علي أن أكرمني بقبول الأستاذ د.محمد نبيل غنايم الإشراف على الرسالة، فقد كان إشرافه من جميل العزاء بفقد استاذنا، فشكر الله إشرافه وأجل مثوبته، كما لا يفوتني أن أشكر القائمين على جامعة الأزهر، وأخص منهم القائمين على كلية دار العلوم وقسم الشريعة الإسلامية في الكلية، حيث أتاحوا لي فرصة الانتساب إليها وإكمال الدراسة فيها ومواصلة البحث وتحصيل العلم على أكابر أساتذتها.