اعترض المسلمون قافلة أبي سفيان القادمة من الشام وكان السبب الذي دفع المسلمون لاعتراض القافلة هو استرجاع أموالهم التي نهبتها منهم قريش قبل وأثناء هجرتهم إلى المدينة، لأن اغلب المهاجرين تركوا أموالهم في مكة أو أخذتها منهم قريش بالقوة. وصل الخبر إلى المسلمين بأن قافلة أبي سفيان بن حرب قدمت من الشام، وتحمل أموالا وتجارة لقريش، وقدر عدد الرجال بها ما بين ثلاثين إلى أربعين رجلا من قريش، منهم مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص فلما وصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم محمد ندب المسلمين إليهم، وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها. فبدأ الناس يستعدون للانطلاق، البعض جهز سلاحا والبعض الأخر لم يجهز سلاحا بل وسيلة نقل من ناقة وخلافه، إذ أنهم لم يعتقدوا باحتمالية قيام الحرب. وكان أبو سفيان حينما اقترب من الحجاز راح يتحسس الأخبار ممن كان يلقى من المسافرين والقوافل، تخوفا على أموال قريش من المسلمين. ووصله من بعض المسافرين أن محمدا قد استنفر المسلمين للقافلة، فأخذ حذره، واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، ليستنفر قريشا للدفاع عن أموالهم، وليخبرهم بأن محمدا قد يهاجم القافلة. فانطلق ضمضم سريعا إلى مكة.
ما أن وصل ضمضم إلى مكة حتى جدع بعيره، وحول رحله، وشق قميصه، ووقف فوق بعيره ببطن الوادي وهو يصرخ: يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث.
استعداد قريش للخروج
بدأت قريش بتجهيز سلاحها ووابلها ورجالها للقتال، وقالوا: أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي، كلا والله ليعلمن غير ذلك. واتفقوا أن يخرج جميع رجالها وساداتها إلى محمد، فمن تخلف أرسل مكانه رجلا آخر، فلم يتخلف أحد من أشرافها عن الخروج إلا أبو لهب، حيث أرسل العاصي بن هشام ابن المغيرة بدلا عنه، وذلك لكون العاصي مدينا له بأربعة آلاف درهم، فاستأجره أبو لهب بها.
وحاول أمية بن خلف التخلف، فقد كان شيخا ثقيلا، فأتاه عقبة بن أبي معيط، وهو جالس بين ظهراني قومه، بمجمرة يحملها، ووضعها بين يديه قائلا: يا أبا علي، استجمر، فإنما أنت من النساء، فرد عليه أمية: قبحك الله وقبح ما جئت به، ثم جهز سلاحه وفرسه وخرج مع الناس. عند بدء التحرك تخوف البعض بسبب الحرب بين قريش وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، إذ اعتقدوا ان يغدر بهم بنو بكر وهم منشغلون بملاقاة المسلمين. فقال سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي، وهو أحد أشراف بني كنانة: أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه. يؤمن الكثير من المسلمين بأن من أجار قريشا من بني بكر لم يكن سراقة بل كان إبليس، الشيطان، وهم يعتقدون أنه تقمص شكل سراقة وقال ما قال لقريش.
هنا بعث محمد صلى الله عليه وسلم بسبس بن الجهني، (من بني ساعدة)، وعدي بن أبي الزغباء الجهني، (من بني النجار)، بمهمة استكشافية إلى بدر ليحضرا له أخبار قافلة أبي سفيان بن حرب.
وصل خبر خروج جيش المشركين إلى المسلمين، ولم يكن خروج المسلمين لقتال المشركين خيارا مطروحا في الأصل، بل كان الخروج من أجل الغنيمة بالقافلة. كما أن الأنصار في بيعة العقبة اشترطوا حماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة فقط وتبرؤا من ذلك حتى دخوله اليهم في المدينة حيث قالوا له وقتها: يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فقام النبي محمد باستشارة من معه، فتكلم كل من أبي بكر وعمر بن الخطاب، ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا ههنا قاعدون «ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ثم وجه النبي كلامه إلى الأنصار قائلا:أشيروا علي أيها الناس، فقال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟
فقال النبي محمد: أجل
فقال سعد: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء. لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: سيروا وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم أكمل بعدها المسلمون طريقهم من ذفران، فمروا بمنطقة تسمى الأصافر، ثم إلى بلد تسمى الدبة ثم جعلوا كثيبا عظيما كالجبل العظيم يسمى الحنان على يمينهم، ونزلوا قريبا من بدر.
وانطلق بعدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق حتى وصلا إلى سفيان الضمري، أحد شيوخ العرب في المنطقة، فسأله النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن قريش، وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الضمري: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له: إذا أخبرتنا أخبرناك
فقال الضمري: أذاك بذاك؟ ليجيبه محمد: نعم. فقال الضمري: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، (وهو المكان الذي وصله المسلمون فعلا) وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقالا: نحن من ماء، ثم انطلقا فلما عادا إلى معسكر المسلمين، خرج علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، إلى ماء بدر فأسروا غلمان لقريش يحضرون الماء منهم أسلم، وهو غلام بني الحجاج وعريض أبو يسار، وهو غلام بني العاص بن سعيد، فأعادوهم إلى معسكر المسلمين، وكان النبي محمد يصلي، فاستجوبوهما فقالا: نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء. فلم يصدقوهما وضربوهما. فأضطر الرجلان للكذب وقول أنهما ملك لأبي سفيان، ليطمع المسلمون بأفدية فلا يضربوهم. فلما أنهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم صلاته قال لعلي وأصحابه: إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا، والله إنهما لقريش أخبراني عن قريش؟ قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى ـ والكثيب العقنقل ـ فقال لهما النبي محمد صلى الله عليه وسلم: كم القوم؟ قالا: كثير قال: ما عدتهم؟ قالا: لا ندري؛ قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يوما تسعا، ويوما عشرا، فقال: القوم فيما بين التسع مئة والألف. ثم قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فخرج النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين وقال لهم: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها. هروب أبو سفيان بالقافلة وطلبه من قريش العودة استطاعت «العيون الإسلامية» أن ترصد عملية هروب العير، وأرسل أبو سفيان إلى قريش أن القافلة قد نجت، ولا حاجة لهم في قتال أهل يثرب، لكن أبا جهل أبى إلا القتال، وقال قولته المشهورة: «لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم ثلاثا ننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا، فلن تزال العرب تهابنا أبدا»، لكن «بني زهرة» لم تستجب لهذه الدعوة فرجعت ولم تقاتل.
المعركة
وصل المشركون إلى بدر ونزلوا العدوة القصوى، أما المسلمون فنزلوا بالعدوة الدنيا. وقام المسلمون ببناء عريش للرسول صلى الله عليه وسلم على ربوة، وأخذ لسانه يلهج بالدعاء قائلا: «اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني؟ اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم فلن تعبد في الأرض». وسقط ردائه عن منكبيه، فقال له أبو بكر: «يا رسول الله، إن الله منجز ما وعدك».
قام المسلمون بردم آبار بدر بعد أن استولوا عليها وشربوا منها - حتى لا يتمكن المشركون من الشرب منها. وقبل أن تبدأ المعركة، تقدم ثلاثة من رجال قريش وهم: عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وولده الوليد يطلبون من يبارزهم من المسلمين. فتقدم ثلاثة من الأنصار، فصرخوا بهم قائلين: «يا محمد، أخرج إلينا نظراءنا من قومنا من بني عمنا» فقدم الرسول صلى الله عليه وسلم عبيدة بن الحارث، وحمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب. فبارز حمزة شيبة فقتله، وبارز علي الوليد فقتله، وبارز عبيدة عتبة فجرحا بعضهما، فهجم حمزة وعلي على عتبة فقتلاه. واشتدت رحى الحرب، وحمي الوطيس. وقد ذكر في القرآن أن الله أمد جيش المسلمين بالملائكة: (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين) وهكذا انتهت المعركة بنصر المسلمين وهزيمة المشركين، حيث قتل من المشركين سبعون وأسر منهم سبعون آخرون. أما شهداء المسلمين فكانوا أربعة عشر شهيدا. ولقد رمى المسلمون جثث المشركين في البئر، أما الأسرى فقد أخذ الرسول أربعة آلاف درهم عن كل أسير امتثالا لمشورة أبي بكر، أما من كان لا يملك الفداء فقد أعطه عشرة من غلمان المسلمين يعلمهم القراءة والكتابة.