جرت أحداث هذه الغزوة في شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة، وسببها أنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار ـ رأس وسيد بني المصطلق ـ سار في قومه وبعض من حالفه من العرب، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقــد ابتاعــوا خيــلا وسلاحــا، وتهيأوا للخــروج، حينها بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي، ليستطلع له خبر القوم، فأتاهم حتى ورد عليهم ماءهم، وقد تألبوا وجمعوا الجموع، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله فأخبره خبرهم، فندب رسول الله الناس، فأسرعوا في الخروج، وخرج معه سبعمائة مقاتل وثلاثون فرسا، وكان منهم جماعة من المنافقين.
وبلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله إليه، فخافوا خوفا شديدا، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله إلى المريسيع وهو مكان الماء، فضرب عليه قبته، ومعه عائشة وأم سلمة، وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لملاقاة القوم.
وجعل راية المهاجرين مع أبي بكر الصديق، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم.
والصحيح من روايات هذه الغزوة كما يذكر الإمام ابن القيم وأهل السير أنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغاروا عليهم عند الماء، وسبوا ذراريهم، وأموالهم، ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيح «أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون ـ أي غافلون ـ وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية» رواه البخاري ومسلم.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث، وهي بنت خمس وعشرين سنة.
وكان السبب في زواجه منها أنه لما قسم صلى الله عليه وسلم السبايا، وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس، وأرادت جويرية من رسول الله أن يقضي عنها مكاتبتها، ففعل ذلك رسول الله وتزوجها، وبسببها فك المسلمون أسراهم من قومها.
وكانت رضي الله عنها ذات صبر وعبادة، فعن ابن عباس قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند جويرية وكان اسمها برة، فحول اسمها (إلى جويرية)، فخرج وهي في مصلاها ورجع وهي في مصلاها فقال: لم تزالي في مصلاك هذا، قالت: نعم، قال: قد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت لوزنتهن، سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» رواه أبو داود.
وكان الهدف من زواج رسول الله من جويرية بنت الحارث الطمع في إسلام قومها، وقد تحقق هذا الهدف السامي، فأعز الله المسلمين بإسلام قومها.
وكشفت هذه الغزوة حقد المنافقين على الفئة المؤمنة، فما إن علموا بأن المسلمين انتصروا في المريسيع، حتى سعوا في إثارة العصبية بين المهاجرين والأنصار، ومن تلك المواقف التي اشتهرت ما رواه جابر رضي الله عنه، حيث قال: «كنا في غزاة فكسع ـ وهو ضرب دبر غيره بيده أو رجله ـ رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين.
وقال جابر وكانت الأنصار حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ثم كثر المهاجرون بعد، فقال عبدالله بن أبي أو قد فعلوا، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه» رواه البخاري. وقد باءت محاولتهم الدنيئة هذه بالفشل، فلم يتمكنوا من فعل ما أرادوا.
ثم سعوا إلى إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه وأهل بيته، فشنوا حربا نفسية مريرة من خلال حادثة الافك التي اختلقوها على أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تحدثنا عن تفاصيل هذه الحادثة في مقال مستقل.
ولنــا أن نستفيــد مــن هذه الغزوة دروســا وعظات، نستخلصها من الحــوادث المصاحبة لهذه الغزوة، وخاصة حادثة الافك التي أظهرت خطر المنافقين وجرأتهم، حتى نالوا من عــرض رسول اللــه صلى الله عليه وسلم، ثــم ما ينبغي على المؤمن فعله عند سماع الشائعات من حفظ اللسان وعدم الخوض فيها، يضاف إلى ذلك الصبر، وعدم التعجل في الأمور عند الابتلاء، أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما برز في هذه الغزوة خلق العفو والتسامح، وتجسد ذلك في موقفه مع اليهود وخاصة مع رأس المنافقين عبدالله بن أبي ابن سلول.
ومما يشار إليه في أحداث هذه الغزوة نزول سورة المنافقون، التي كشفت أخبار المنافقين، وأشارت إلى بعض الحوادث والأقوال التي وقعت منهم، وفضحت أكاذيبهم.