مسيلمة الكذاب هو أحد الذين ادعوا النبوة، وسمى نفسه «رحمان اليمامة» فكساه الله جلباب الكذب واشتهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، وصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول: ان جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس ـ وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد ـ حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: «لو سألتني هذه القطعة ما اعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت». متفق عليه.
والرؤيا هي ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام ان انفخهما، فنفختهما، فطارا فأولتهما كذابين يخرجان بعدي، فكان احدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة». متفق عليه.
ولقد وفد على مسيلمة الكذاب عمرو بن العاص، بعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل ان يسلم عمرو، وكان صديقا له في الجاهلية، فقال مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال عمرو: لقد أنزل عليه سورة وجيزة، قال: وما هي؟ فقال: سورة العصر، وتلاها عليه، فقال مسيلمة: وأنا لقد أنزل عليّ مثلها ثم قال: «يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفر نقر» ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم اني أعلم انك تكذب. (تفسير ابن كثير/سورة يونس) وله أيضا (في تفسير سورة يس) قال:
ولما اشتد امر مسيلمة الكذاب بعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد يدعوه للرجوع عن غيّه، فجعل مسيلمة يسأل حبيبا فيقول: أتشهد ان محمدا رسول الله؟ فيقول حبيب: نعم، ثم يقول: أتشهد اني رسول الله؟ فيقول حبيب: لا اسمع، في اذني صمم. فجعل مسيلمة اللعين يأمر السياف ان يقطع حبيبا عضوا عضوا، وكلما سأله لم يزده عن ذلك حتى مات بين يديه وهو يقول: أشهد ان محمدا رسول الله.
واشتد امر مسيلمة فراح يشرع الأحكام لقومه، من ذلك انه وفد على متنبئة تدعى «سجاح» فأعجبه جمالها فقرر ان يتزوجها، فجعل مهرها ان اسقط عن قومها وجوب صلاتي الصبح والمغرب حسب ادعائه.
وعن نعيم بن مسعود قال: ان رسولَيْ مسيلمة قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما»، وكتب معهما: «من محمد رسول الله الى مسيلمة الكذاب، اما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين».
قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم انه نبي». رواه الطبراني وأبوداود مختصرا، وقال الهيثمي في «المجمع»: رواه الطبراني من طريق ابن اسحاق قال: حدثني شيخ من أشجع، ولم يسمعه وسماه أبوداود: سعد بن طارق، وبقية رجاله ثقات.
ولما لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ازداد بلاء مسيلمة، فما كان من أبي بكر الا ان جهز له جيشا بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه في جمع كثير من الصحابة، فقاتلوه قتالا مريرا حتى خذله الله تعالى، وقتل على يد وحشي بن حرب رضي الله عنه.
روى البخاري في صحيحه عن وحشي رضي الله عنه قال: «لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج مسيلمة الكذاب قلت: لأخرجن الى مسيلمة لعلي اقتله فأكافئ به حمزة. قال: فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان، قال فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ثائر الرأس، قال: فرميته بحربتي، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه. قال: ووثب اليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته. قال: فقالت جارية على ظهر بيت: واأمير المؤمنين، قتله العبد الأسود».