انها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، فهي تلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده الرابع قصي بن كلاب.. وكان أبوها خويلد من أغنياء مكة ومن رجالها المرموقين، والمعروفين بالمروءة والشرف.. أما امها فهي فاطمة بنت زائدة من بني عامر بن لؤي فهي قرشية أيضا.
وكانت رضي الله عنها ذات مال، فاستغلت هذا المال في التجارة، وكانت ثاقبة البصيرة، خبيرة بأغوار الرجال، تعرف طبائعهم، وتميز بين الصادق وغير الصادق، فكانت تستأجر من تختاره منهم للتجارة في مالها بأجر معين تعطيه له.
وفي مجلس من المجالس التي ضمت الرسول صلى الله عليه وسلم وعمه أبا طالب قال أبوطالب للنبي صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة، وليس لنا مال ولا تجارة، وهذه عير قومك ـ أي: تجارة قومك ـ قد حضر خروجها الى الشام، وخديجة تبعث برجال من قومك يتجرون في مالها، ويصيبون منافع، فلو جئتها لفضلتك على غيرك لما يبلغها عنك من أمانتك وطهارتك.
وبلغها هذا الحوار الذي دار بين أبي طالب وابن اخيه محمد صلى الله عليه وسلم فبادرت بالإرسال إليه لما عرفت عنه من الصدق والأمانة، وعرضت عليه ان يخرج للتجارة في مال لها الى الشام، وان تعطيه من الأجر أكثر مما تعطي لغيره، فقبل صلى الله عليه وسلم هذا العرض.
ثم خرج صلى الله عليه وسلم الى بلاد الشام، ومعه غلام للسيدة خديجة اسمه ميسرة، وربح صلى الله عليه وسلم في تلك التجارة ربحا عظيما خلال عرضها في بلاد الشام، ثم عاد الى مكة، ومعه ميسرة الذي سارع الى سيدته خديجة رضي الله عنها فقص عليها ان تجارتها في هذه المرة قد ربحت ربحا لم تربحه من قبل.
واستقبلت السيدة خديجة محمدا صلى الله عليه وسلم بالسرور والشكر على الربح الوفير الذي عاد اليها من تجارتها.
ولكن هذا الشكر والسرور الذي قابلت به السيدة خديجة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونا كافيين بالنسبة لها، فقد مال قلبها الى النبي صلى الله عليه وسلم وتمنت لو انه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان زوجا لها، لأنها لم تر في حياتها كلها مثالا أو شبيها له في صدقه وفي أمانته، وفي حيائه واستقامته، وفي رجولته وبهاء هيئته وفي شرف نسبه وكمال مروءته.
وفي أحد الأيام وهي تفكر في الطريقة التي بها يتم الزواج بالرسول صلى الله عليه وسلم جاءت لزيارتها صديقتها السيدة نفيسة بنت منيه، وخلال حديث السيدة خديجة معها كاشفتهــا برغبتها في الزواج من محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
ويسرت لها نفيسة الأمر، واتجهت الى النبي صلى الله عليه وسلم لتقول له: يا محمد ما الذي يمنعك من الزواج؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم ليس عندي من المال ما أتزوج به، فقالت له: فإن دعيت الى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ فقال لها صلى الله عليه وسلم ومن هذه فقالت له: انها خديجة بنت خويلد ذات الشرف والمال والجمال، فقال لها صلى الله عليه وسلم اني أقبل الزواج بها ولكن كيف يتم ذلك؟ فأجابته: اترك ذلك لي، وأسرعت نفيسة لتبشر السيدة خديجة بقبول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الزواج بها.