بقلم: محمد العصيمي
ها هو شهر رمضان قد انصرف، فقد كان للمؤمنين روضة وأنسا، وللغافلين قيدا وحبسا، انصرف وقد خلف بعده أفراحا وأتراحا قال ابن مسعود رضي الله عنه في يوم عيد «من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟ أيها المقبول هنيئا لك، ويا أيها المحروم جبر الله مصيبتك»، نعم والله حق أن يهنأ من كان ممن قال فيهم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وحق أن يهنأ كذلك من كان ممن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، وحق أن يعزى في المقابل من دخل عليه رمضان ثم انصرف فلم يغفر له فيه ذنبا ولم يزدد من الله فيه قربا.
ثم يجب أن نعلم أن العمل والعبادة والجد والاجتهاد ليست هي المقصد والمراد، وإنما هناك أمر آخر يجب أن يحرص عليه ويهتم به، ألا وهو أمر «قبول ذلك العمل» ولهذا كان أمر العبادة عند السلف من أسهل ما يكون على نفوسهم وألذ ما يكون على قلوبهم وأيسر ما يكون على جوارحهم ليس في رمضان فحسب وإنما في كل السنة قال الحسن: «أدركت أقواما لو قيل لهم يوم القيامة غدا ما استطاعوا أن يزيدوا شيئا في أعمالهم» لماذا؟ لأنهم في عبادة مستمرة وعمل لا ينقطع، أما أمر القبول فهو الذي أقض مضاجعهم وأهم أنفسهم قال علي رضي الله عنه: «كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل» وقال فضالة بن عبيد: «لو أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها».
علامات قبول العمل
يجب على المرء أن يتعلم علامات قبول العمل وأن يحرص على تحصيلها والعناية بها وأن يبذل وسعه في بلوغها،
أولا: الاستقامة على طاعة الله والمداومة على ذلك، فمن العيب أن يعبد الله في زمان دون زمان، أو في مكان دون مكان، قال الإمام أحمد: «بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان» فالطاعة أيها الموفق وأيتها الموفقة لا تنقضي بانقضاء رمضان بل هي باقية ما دام المرء حيا قال الحسن: «إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت فقال الله لنبيه : (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
ثانيا: عدم خرق الطاعة بفعل السيئة بعدها، قال كعب: «من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود». وقال تعالى في مدح المؤمنين المقتضي لذم غيرهم: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق. والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب).
ثالثا: الخوف والوجل من عدم قبول العمل، وهذا دليل على صدق الإيمان وعدم الاغترار بالعمل قال تعالى في وصف المؤمنين: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم)، فهؤلاء مع ما معهم من أعمال صالحة عظيمة من إيمان وجهاد وهجرة في سبيل الله ومع ذلك لم يتكلوا عليها وإنما رجوا رحمة ربهم وخالقهم.
رابعا: سؤال الله قبول الأعمال والإلحاح عليه سبحانه، وهذا يتأكد بعد انقضاء العبادة وانصرامها، ولذلك نجد أن الله جل جلاله بعد أن ذكر أحكام الصيام أمر بدعائه وسؤاله فقال: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، وجاء عن السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل الله منهم رمضان فهنيئا لهم.