السيدة هاجر وهبها ملك مصر الى السيدة سارة ـ زوجة ابراهيم الأولى ـ عندما هاجرا الى مصر، ولما أدركت سارة انها كبرت في السن، ولم تنجب، وهبت هاجر لزوجها ليتزوجها، عسى الله ان يرزقه منها الولد.
وتزوج ابراهيم عليه السلام السيدة هاجر، وبدت عليها علامات الحمل، ثم وضعت اسماعيل عليه السلام ووجدت الغيرة طريقها الى قلب السيدة سارة، فكأنها أحست أنها فقدت المكانة التي كانت لها في قلب زوجها من قبل، فطلبت منه ان يأخذ السيدة هاجر بعيدا عنها، فأخذها سيدنا ابراهيم عليه السلام الى صحراء مكة، بأمر من الله، ولحكمة يريدها عز وجل، وحدث ما حدث لها ولوليدها.
ومرت الأيام بطيئة ثقيلة، حتى نزل على هاجر وابنها اسماعيل بعض أناس من قبيلة «جرهم» وأرادوا البقاء في هذا المكان، لما رأوا عندها الماء، فسمحت لهم بالسكن بجانبها، ومشاركتها في الشرب من ماء زمزم، واستأنست بهم، وشب الطفل الرضيع بينهم، وتعلم اللغة العربية منهم، ولما كبر تزوج امرأة منهم. فما أعظم كرم الله على عباده الطائعين، أرضعت الأم الصغير بعدما در الحليب في أثدائها من جديد بعدما شربت من ماء زمزم نعمة ربها لها.
وجاءها قوم جرهم، هم أناس كانوا في رحلتهم فوجدوا عين ماء في ذاك المكان وامرأة وطفل هما أصحاب المكان، فاستحبوا العيش معها فاستأذنها في هذا فأذنت لهم به، فأنسها الله بوحدتها بقبيلة من البشر تسكن إليها وقالوا هم قبيلة من اليمن حينما أرو الطيور في السماء قرب الماء وكان هناك اختبار إلهي أشد صعوبة وعسرة على نفس الزوجة والأم مما سبق.
حينما رأى إبراهيم عليه السلام انه يذبح ولده اسماعيل في المنام والأكيد انه كان أمر شديد الصعوبة على قلب الأم التي رضخت راضية مرة أخرى لأمر ربها فأطاعته بأن رضيت ان يذبح ابنها على يد أبيه وزوجها الحبيب، ثم أطاعت أمر زوجها وتركته يأخذ الصبي اسماعيل دون ان تعترض الأم المربية بكلمة واحدة رغم تمزق قلبها واحتراقه على فلذة كبدها وابن عمرها، أي امرأة هذه، وأي زوجة هذه، وأي أم هذه، يا لها من رائعة ليس لها مثيل.
وباقي القصة نعلمه جميعا حيث أنزل الله كبشا من السماء فداء لاسماعيل وثوابا عظيما وجزاء رائعا لكل من هاجر وابراهيم واسماعيل عليهم أفضل السلام.
هذه هي هاجر أم الذبيح وأم العرب العدنانيين، رحلت عنا بعدما تركت لنا مثالا رائعا للزوجة المطيعة، والأم الحانية، والمؤمنة القوية، فقد أخلصت النية لله تعالى، فرعاها في وحشتها، وأمّنها في غيبة زوجها، ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب.