-
أوضح أن الشيخ عبدالعزيز بن باز امتاز بالقبول عند الموافق والمخالف والغيرة العظيمة على حرمات الله
امتاز سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بالقبول عند الموافق والمخالف، والغيرة العظيمة على حرمات الله تعالى، والرد على كل من أخطأ في الدين أمر واجب، والإنكار على من خالف الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة، إذ كان لا يسكت عن منكر علمه، بل يسارع إلى إنكاره والتحذير منه، ونصيحة من وقع فيه، اتباعا لقول الله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، هذا ما أكد عليه الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الداعية فيصل قزار الجاسم. وأوضح الجاسم حرص الشيخ ابن باز على التثبت من القول قبل الرد عليه أو على قائله، وسلوك مسلك اللين والشدة معا واستعمالهما كل في موضعه وبما تقتضيه الحكمة، وترك اللمز والكلام السيئ وسوء الظن واستخدام العبارات التي تدعو إلى الاستجابة والدعاء للمخالف بالهداية وترك التعنيف في العبارة، وأن الأصل عند سماحته في الردود على المخالفين أن يكون على الأوصاف دون الأشخاص. «الأنباء» التقت الجاسم لتحاوره عن مؤلفه القيم «أصول الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الرد على المخالفين»، والذي راجعه وقدم له كل من العلامة الشيخ د.صالح الفوزان والشيخ د.عبدالعزيز السدحان، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
حدثنا عن موضوع الكتاب ودوافع البحث فيه.
نظرا لما امتاز به سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بالقبول عند الموافق والمخالف، والشهادة له بالأمانة والصدق وحسن النصيحة، مع الغيرة العظيمة على حرمات الله تعالى، قمت بهذا البحث الذي هو ثمرة استقراء لمواقف وأقوال هذا الإمام الكبير في رده على المخالفين، وإنكاره على المخطئين، ثم بعد هذا الجمع عكفت على دراستهما دراسة متأنية محاولا استنباط الأصول التي ينطلق ابن باز من خلالها في رده على المخالفين، حتى وصلت إلى الزبدة والخلاصة لأصوله في ردوده على المخالفين، التي تبين ما كان يتسم به ابن باز من الغيرة العظيمة على دين الله، المقترنة بالحكمة المبنية على جلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها.
وليس غرضي من ذلك جمع ردود ابن باز في موضع واحد، وإنما المراد ذكر أصول الرد على المخالفين، كما انني حاولت أن أذكر هذه الأصول بصورة سهلة وواضحة، من غير تكلف ولا تعقيد، خلافا لما هو موجود في بعض ما كتب في هذا الباب من الغموض والكلام غير الواضح، إلى حد يعسر على القارئ تطبيق أصول الرد على المخالفين فضلا عن فهمها فهما صحيحا.
ولم يكن في نيتي الكتابة في هذا الموضوع ابتداء لولا أن كلفني به من لا أستطيع رده، وهو شيخنا المفضال عبدالعزيز بن محمد السدحان، فإنه قد جرى بيني وبينه كلام حول هذا الموضوع، وأن بعض أصحاب المناهج المخالفة يمنعون الرد على المخالفين، والتغليظ على من يستحق التغليظ، ويحتجون بالشيخ ابن باز رحمه الله، وما عرف عنه من الرفق واللين، فأوضح السدحان حفظه الله طريقة ابن باز، وبين أن كلا يدعي وصلا به، ثم كلفني بكتابة هذا البحث، وجمع كلام الشيخ ومواقفه، فكان هذا البحث، وقد تفضل بقراءته، واستدراك بعض التعديلات عليه، والتقديم له فضيلة الشيخ العلامة د.صالح الفوزان، وقد قمت بتنفيذ جميع التعديلات التي استدركها، كما تفضل أيضا الشيخ د.عبدالعزيز السدحان مشكورا بقراءتها ومراجعتها.
منهج البحث
ما الخطة التي سلكتها في كتابة البحث؟
الخطة التي سرت عليها في هذا البحث أنني تحت كل أصل من أصول الرد على المخالف أضع مطلبين رئيسيين، مطلب في تقرير الأصل من أقوال الشيخ، ومطلب في تقرير أفعاله ومواقفه، ولا أستطرد كثيرا في ذكر الأدلة على صحة الأصل من الكتاب والسنة وآثار السلف، اكتفاء بما ذكره الشيخ منها ضمن ما أسوقه من أقواله.
وجوب الإنكار
ما حكم الرد على المخالف وإنكار المنكر؟
الرد على كل من أخطأ في الدين أمر واجب، والإنكار على من خالف الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة كان أبرز سمات ابن باز، إذ كان لا يسكت عن منكر علمه، بل يسارع إلى إنكاره والتحذير منه، ونصيحة من وقع فيه اتباعا لقول الله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، قال مدير مكتب سماحته الشيخ محمد الموسى «سماحة الشيخ إمام عصره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا دأبه ومنهج حياته، فلا يكاد يذكر له معروف إلا أيده، ودعا لصاحبه، ودعمه بكل ما يستطيع، ولا يكاد يذكر له منكر صغيرا كان أم كبيرا، خاصا أم عاما، وسواء كان من فرد أو جماعة إلا بادر إلى إنكاره، وتغييره بما يستطيع»، وفي مجموع فتاواه يصرح ابن باز بقوله «أما ما خالف النص من الكتاب والسنة فالواجب الإنكار على من خالف النص بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن».
قول باطل
لكن هل ينكر في المسائل الخلافية؟
مقولة «لا انكار في مسائل الخلاف قول باطل» هي مقولة باطلة لا يعلم أن أحدا من أئمة الإسلام ذكرها، وللتوضيح أكثر، فإن الأقوال المخالفة على نوعين، الأول ما كان عليه دليل من كتاب أو سنة أو أثر من السلف، فهذا للاجتهاد فيه مجال، فلا إنكار فيه، فيقال بالتالي إذن «لا إنكار في مسائل الاجتهاد»، والنوع الثاني ما لم يكن عليه دليل من كتاب أو سنة أو أثر من السلف، فهذا ينبغي إنكاره مهما كانت مكانة ومنزلة القائل به، قال ابن القيم (قولهم «إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها» ليس بصحيح)، وفي مجموع فتاواه يصرح ابن باز بقوله «والخطأ ما خالف الدليل الشرعي، وهو ما قاله الله ورسوله، فلا يؤخذ أحد من الناس إلا بخطأ يخالف الدليل، والواجب اتباع الحق».
بيان الخطأ سبب للاجتماع
لكن أليس من منهج الشيخ ابن باز أن قضايا إنكار المنكر والرد على المخالفين سبب للفرقة بين المسلمين؟
يرى الشيخ ابن باز أن الرد على المخالفين، وبيان أخطائهم سبب من أسباب اتحاد المسلمين واعتصامهم بحبل الله، وأن من سكت عن بيان الخطأ والإنكار على من فعله ظنا منه أن الرد وبيان حال المخالفين مما يفرق الأمة فقد أخطأ خطأ كبيرا، وخالف الكتاب والسنة والإجماع في وجوب إنكار المنكر وتصحيح الأخطاء، وقد بينت السنة أن السكوت عن الأخطاء سبب للفتنة وانتشار الشر والفساد، وسبب للتفرق والبلاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» رواه البخاري.
قواعد وضوابط
يتبين لنا حتى الآن الجهد الكبير الذي قمت به مشكورا في استقراء أقوال ومواقف الشيخ ابن باز، فنود منكم بإيجاز ذكر أبرز ما خلصتم إليه من ضوابط وقواعد في إنكار المنكر التي تميز بها رحمه الله.
منها حرص الشيخ ابن باز على التثبت من القول قبل الرد عليه او على قائله، وإيمانه بأن الشريعة جاءت باللين والشدة معا، ويستعمل كل منهما في موضعه، وأن الأصل في الرد والدعوة والبيان اللين والرفق والتماس الحكمة وترك الشدة والعنف، وأن اللين والرفق مطلوبان ابتداء حتى في الشركيات والبدع والمتلبسين بها.
ومنها ترك اللمز والكلام السيئ وسوء الظن واستخدام العبارات التي تدعو الى الاستجابة والدعاء للمخالف بالهداية وترك التعنيف في العبارة، وكذلك انزال الناس منازلهم واعتبار الوجاهات والمناصب لكونه ادعى للقبول، وأن الأصل في الرد على المخالفين أن يكون على الأوصاف دون الأشخاص، وانه لا يلزم في الرد على المخالفين ذكر ما لهم من الحسنات ولا يجب ما يسمى بالموازنة ما لم يكن ذكرها ادعى للقبول بحيث لا يفوت المقصود من الرد وبيان المخالفة، وأيضا يجب التشهير بمن عظم خطره من المخالفين المبتدعين الذين ظهر عنادهم، وأن من أظهر المنكر علانية وجب الرد عليه علانية، وغيرها من الضوابط التي فصلتها وأتيت بالشواهد عليها في الكتاب فليراجع.