غزوة حنين (8 هجرية) وقعت بين المسلمين وقبيلتي هوازن وثقيف في وادي حنين بين مكة والطائف حيث انتصر المسلمون عليهم.
لقد كان لفتح مكة في رمضان سنة 8هـ وبهذه الصورة القوية والمباغتة أثر بالغ في تحريك ضغائن القبائل العربية المنافسة لمضر عموما وقريش خصوصا، وكانت بطون قيس عيلان بالأخص في حالة عداء تقليدية وقديمة مع بطون مضر، لذلك لما فتح المسلمون مكة اجتمعت قبائل هوازن وثقيف وبني هلال وقررت محاربة المسلمين مدفوعة بعداوة الإسلام وعداوة القبلية والعصبية.
قرر القائد العام لتحالف مشركي هوازن وثقيف «مالك بن عوف» أن يسوق مع الجيش الأموال والعيال والنساء ليزيد ذلك من حماس المشركين في القتال ويجعلهم يقاتلون حتى الموت، إن لم يكن للنصر فللدفاع عن الحرمات، ولم يعجب هذا الرأي أحد قادة الجيش المجربين ذوي الخبرة وهو «دريد بن الصمة» ولكن مالك بن عوف أصر عليه، وهدد بالانتحار إذا لم يطيعوه، فأطاعوه على سفاهة رأيه، ولقب من بعدها بالأحمق المطاع.
وسار جيش التحالف الشركي حتى وصل إلى وادي أوطاس وهو على مسيرة يوم من مكة تقريبا،
وصلت أخبار هذا الجيش للرسول صلى الله عليه وسلم، فاستعد بجيش كبير يضم كثيرا من مسلمي الفتح الذين لم يدخل الإسلام في قلوبهم بصورة كاملة، وكان الجيش كبيرا بصورة أعجبت كثيرا من المسلمين، وداخلتهم الثقة الكاملة إلى حد الغرور من النصر الكاسح على المشركين، وانزعج الرسول صلى الله عليه وسلم من مقولة بعضهم: «لن نغلب اليوم من قلة».
قام «مالك بن عوف» بوضع جيشه على شكل كمائن في مداخل ومضايق وشعب وادي حنين ويقع في منطقه جبلية وعرة بين مكة والطائف بعد أن سبق المسلمين لهذا الوادي، ووضع خطته على مفاجأة المسلمين بالسهام القاتلة، وفي يوم 10 شوال سنة 8هـ وعند السحر دخل المسلمون وادي حنين وهم لا يدرون بوجود كمائن العدو، وفجأة انهالت السهام عليهم من كل مكان والعدو يهجم عليهم هجمة رجل واحد، فأصيب المسلمون بالدهشة المربكة وتراجعوا بدون نظام، فركبوا فوق بعضهم من شدة الصدمة، وصاح بعض حديثي العهد بالإسلام مثل أبي سفيان بن حرب وكلدة بن الجنيد بما في صدورهم وعندها قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعمل جريء، عندما عرض نفسه لمخاطرة كبيرة، إذ انحاز إلى جهة اليمين ثم نادى على المسلمين، وخصص النداء للمهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان، حتى اجتمع عنده 100 من خاصة أصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن حمي الوطيس» ثم أخذ قبضة من تراب الأرض ورمى بها في وجوه القوم وقال: «شاهت الوجوه» ولم تمر سوى ساعات قلائل حتى انهزم العدو هزيمة منكرة، وفروا إلى عدة أماكن مختلفة، طائفة إلى «أوطاس» وأخرى إلى «نخلة» ومعظم الفارين إلى حصون الطائف، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عدة فرق لمطاردة الفارين، وذلك من أجل منعهم من التجمع ومعاودة الهجوم على المسلمين.
استطاعت فرق المطاردة القضاء على الفارين، وبعدها اتجه الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون مباشرة إلى الطائف حيث منازل وحصون ثقيف، وقد لجأ إليها «مالك بن عوف» ومعظم الفارين، وضربوا على الطائف حصارا شديدا، ووقعت خلاله مناوشات حامية بين المدافعين عن الحصن والمسلمين، حدثت خلالها إصابات كثيرة للمسلمين جعلتهم يغيرون مكان معسكرهم. حاول الرسول صلى الله عليه وسلم الضغط على المحاصرين بقطع حدائق أعنابهم (والطائف كثيرة الفواكه إلى يومنا هذا)، فسألوه أن يدعها لله والرحم، فتركها لله والرحم، ثم أعلن أن من خرج من عبيد ثقيف للمسلمين هو حر، فخرج إليهم ثلاثة وعشرون رجلا، ثم حاول الهجوم بشدة ولكن أهل الحصن أعدوا فيه ما يكفيهم لحصار سنة، وبعد المشاورة قرر الرسول صلى الله عليه وسلم الرجوع ورفع الحصار عن الطائف.
ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رفع الحصار عن الطائف، مكث بالجعرانة، وهو المكان الذي تم تجميع غنائم حنين فيه، وكانت كبيرة وضخمة بالمقارنة بغنائم المعارك السابقة، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بتوزيعها على رؤساء القبائل وأشراف مكة والمؤلفة قلوبهم، وأفاض في العطاء، حتى ازدحم عليه الأعراب والناس طمعا في المال، ولم يعط النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار من هذه الغنيمة الضخمة شيئا، فوجد الأنصار في أنفسهم من هذا الأمر وتكلموا فيه حتى كثرت فيهم القالة، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ووعظهم موعظة بليغة مؤثرة أزالت من نفوسهم أي أثر للحزن ووجد النفوس. «يا معشر الأنصار، مقالته بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم، ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم ؟» قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل.
ثم قال: «ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟» قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله المن والفضل. قال: «أما والله لو شئتم لقلتم، فصدقتم ولصدقتم: أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك».
أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار».
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا وأنزل الله عز وجل في أحداث غزوة حنين وما جرى فيها للمسلمين من إعجاب بالنفس آيات من الذكر الحكيم في سورة التوبة، ليتأسى المسلمون بهذه الحادثة العظيمة وما فيها من دروس وعبر.