-
ذكر أن مصطلح الإرهاب ظهر في بلاد أوروبا خلال الثورة الفرنسية قبل قرنين من الزمان
أكد الأستاذ في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت وإمام وخطيب مسجد الدولة الكبير د.وليد محمد العلي أن الإسلام يحرّم الإرهاب ويجرّم صنيع الإرهابيين وأن الدين والمتدينين بريئون من كل فعل أو قول خارج عن شريعة الله تعالى، ويلحق الضرر بالفرد والجماعة، أو يتلف المصالح العامة أو الممتلكات الخاصة، ويشيع الخوف في المجتمع. وأشار العلي الى أن أعداء الإسلام دأبوا على تصوير الإسلام وكأنه يسترخص النفس البشرية كذبا وزورا، وربطوا بينه وبين مسمى الإرهاب رغم أنه ظهر عندهم منذ قرنين مع الثورة الفرنسية، وأضاف أن أحكام وآداب الجهاد الإسلامي الحقة تؤكد على أنه شرع لإرادة الخير والرحمة بالجميع، لافتا إلى أن أسباب الإرهاب ليست دينية بل نتيجة انحراف فكري قد تغرسه بعض الألعاب الإلكترونية التي تشجع على قتل المسلم وانتهاك حرمته. «الأنباء» التقت العلي لتحاوره عن بحثه القيم الذي كان بعنوان «مخاطر الإرهاب وآثاره في تشويه صورة الدين والمتدينين»، الذي نشر في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، وهي مجلة فصلية محكمة تصدر عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، وفيما يلي تفاصيل الحوار:
ما موضوع رسالتكم وما أهميته للمجتمع؟
حرصت الشريعة الإسلامية على غرس روح الاعتدال في نفوس المسلمين، وتعميق التدين الوسط في أفعال وأقوال المؤمنين.
فهي سماحة مع القريب والبعيد والاصدقاء والاعداء، واعتدال في سائر مناهج الحياة بين طرفي الغلو والجفاء، وهي وسطية في العلم والعمل وفي كل نمط من الانماط، وخيرية سمحة مبرأة من جفاء التفريط وغلو الافراط.
ولما كان ارهاب ـ الفعل والقول ـ فتنة متولدة من سفاح الظلم والجهل، أصبح الارهاب ظاهرة عالمية، ولم تعد محاضنه اقليمية.
فهو لم ينتسب في زمان من الأزمنة ولا في مكان من الأمكنة الى ملة من الملل، ولا نحلة من النحل، وإنما ينتسب إلى التشدد الذميم للرأي الأعرج، والتطرف السقيم للفكر الأعوج، والتعصب الوخيم للمذهب الاهوج. لذا فإن من بغي حملة الاقلام، الذي يمده عدوان الانام نسبة الارهاب إلى الاسلام، سواء ارهاب الفكر العلمي، أو إرهاب السلوك العملي.
فشريعة الاسلام، التي هي دين السلام تجرم ترويع الآمنين، وتحرم تفزيع المسالمين، فلم يزل حملتها بصدق في كل مصر من الامصار، ودعاتها بحق في كل عصر من الأعصار ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
لذا فقد دعت الشريعة الإسلامية السمحة الى المحافظة على النفس والدين والعرض والعقل والمال، وجاء الارهاب ليطل بقرنه، فيسفك النفس، وينتهك الدين، ويستبيح العرض، ويغتال العقل، ويغتصب المال..
لذا كان من الواجب على كل العقلاء المنصفين والمفترض على جميع الحكماء المعتدلين ان تتضافر جهودهم الصالحة، وان تتوافر كلماتهم الناصحة، لبيان مخاطر الارهاب وآثاره، لانه جريمة العصر، التي شوهت جمال الدين وجلال المتدينين، واوقعت الانفس في التهلكة، وحملتها على العدوان على الانفس والاموال والاعراض.
ما أسباب الإرهاب في نظركم؟
للإرهاب أسباب كثيرة، فمنها أسباب تربوية، ومنها أسباب اجتماعية، ومنها أسباب اقتصادية، ومنها أسباب سياسية، ومنها أسباب نفسية، فمن الأسباب مثلا ما تمارسه بعض الشركات التجارية العالمية في هذا العصر، بحجة الإثارة والتسلية، في حق الطفل من جريمة بشعة لا يغتفرها علماء النفس وأساتذة التربية المتخصصون، حيث أصبحت ألعاب الأطفال مثل «playstation» وغيرها سببا من أسباب الانحراف الفكري والانجراف العدواني الذي يغرس في نفس الغربي حب قتل المسلم وانتهاك حرمة دمه المصون، ويحار المسلم حينئذ وليس بالضرورة أن يحظى بعد هذه الحيرة بما يقنعه من الجواب: ماذا لو صنعت هذه الألعاب في بلاد المسلمين هل سيعد هذا من قبيل الإرهاب؟ لذا فإن من الجور على الدين والمتدينين القول إن أسباب الإرهاب دينية، فإن الإرهاب حتى وإذا أُلبس زورا وبهتانا لباس الدين، إلا أننا نعتقد اعتقادا جازما أن أسبابه الحقيقية ترجع إلى واحد من الأسباب المتقدمة، وأن الدين والمتدينين بريئون من هذا الإرهاب. الإسلام دين سلام، وعدل يستظل به جميع الأنام، فهو شريعة تدعو إلى التراحم بين المجتمع، وديانة تكفل الحرية وتحمل المسؤولية، وتكاليف تأخذ بالوسطية والاعتدال، وملة تشيع روح التكافل بين الأفراد، وتقطع كل سبيل يوصل إلى البغضاء والشحناء، وبهذا يعلم أن الإسلام يحرم الإرهاب، ويجرم صنيع الإرهابيين، وأن الدين والمتدينين بريئون من كل فعل أو قول خارج عن شريعة الله تعالى، ويلحق الضرر بالفرد والجماعة، أو يتلف المصالح العامة أو الممتلكات الخاصة، ويشيع الخوف في المجتمع.
الإرهاب مصطلح قديم
ما رأيك فيمن يربط الإرهاب بالإسلام؟
من المؤسف جدا أن يحاول بعض المغرضين أن يربط في كل مناسبة بين الإرهاب والإسلام، ولا يخفى أن هذا الربط باطل، لاسيما أن هذا المصطلح قد أول ما ظهر قبل قرنين في بلاد أوروبا، إبان الثورة الفرنسية عام (1789-1793م)، وكان ذلك عندما أعلن روسبير بداية عهد الإرهاب (reign of terror) في فرنسا عام 1793م، ومن اسم هذا العهد اشتقت اللغتان الإنجليزية والفرنسية مصطلح الإرهاب، (terrorism) بالإنجليزية، و(terrorisme) بالفرنسية، فخلال الثورة الفرنسية قام روبسبير ومن معه من أمثال سان جيست وكوثون بأعمال العنف السياسي على أوسع نطاق، حيث قادوا حملة إعدام رهيبة شملت كل أنحاء فرنسا، حتى قدر عدد من أعدموا في الأسابيع الستة الأخيرة من عهد الإرهاب بـ 1366 مواطنا فرنسيا، كما تمكن هؤلاء القادة من قطع رؤوس 40 ألفا بواسطة المقصلة واعتقال وسجن 300 ألف آخرين. ومازال هذا المصطلح يستخدم ويتداول بعد ذلك حسب الاضطرابات السياسية التي تمر بالعالم، بعيدا عن إلصاقه بالإسلام، واتهام المسلمين به، وهذه الحقيقة التاريخية تبطل الاتهامات المزيفة التي تصف الإسلام بهذا المصطلح وتلصقه به، يقول نيكولاس كرستوف «إن نوع الاعتداء الجريء العنيف الذي نربطه الآن بالإسلاميين كان بدلا عن ذلك مرتبطا منذ قرون بأماكن، مثل اليابان والصين.. والمسلمون ليسوا محتكرين للتكتيكات الانتحارية»
كيف كان الإرهاب وسيلة تشويه للإسلام؟
مصطلح الارهاب يصور الاسلام وكأنه دين يسترخص النفس البشرية، فيحمل صاحبها على الإلقاء بها إلى التهلكة والإقدام على العمليات الانتحارية، ويحرضها على قتل الابرياء وترويع المستأمنين، كما يسوغ لها الغدر بالعهود، وعدم الوفاء بالعقود.
ويسعى ارباب هذا المصطلح الى اقناع غير المسلمين بأن هذا الاسلام ـ الذي هذا نهجه كما زعموا ـ لا يصلح دينا يعتنقونه؛ لانه ـ في نظرهم ـ دين يقوم على القتل والترويع والإتلاف، ويعمدون الى طمس صورة الاسلام الحقيقية وتشويهها بإبراز هذه الصورة التي مثل بها في كل وسيلة من وسائل الإعلام.
حقيقة الجهاد
البعض يرى في الجهاد الإسلامي صورة من صور الإرهاب، فما تعليقك؟
لو كشف اللثام عن أحكام الجهاد وآدابه في الإسلام لعلم أنه مؤسس على إرادة الخير والرحمة بالجميع، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ـ الحديث»، فالجهاد في سبيل الله تعالى ما شرع في الإسلام لمحاربة الأبرياء، ولا لإفساد الأرض وإهلاك الحرث والنسل وسفك الدماء، وإنما شرع لدعوة الناس إلى كلمة سواء، ألا يعبد إلا الله ولا يشرك به شيئا، وقد جاء في احكام وآداب الجهاد تحريم الغلول والغدر والتمثيل، ونهي اشد النهي عن قتل من لم يباشر القتال كالوليد الصغير وغيره من المرأة المستضعفة أو الشيخ الفاني أو الخادم المستأجر، وهذه الأخلاق العظيمة قد أشار إليها المؤلف الأميركي الشهير «ول ديورانت» بقوله «لقد كانت جيوش العرب خيرا من جيوش الفرس والروم نظاما وأحسن قيادة، يألفون المشاق وينالون جزاءهم من الفيء، لقد كان بوسعهم أن يحاربوا وبطونهم خاوية، ويعتمدون على النصر في الحصول على طعامهم، ولكنهم لم يكونوا في حروبهم همجا متوحشين».