بقلم: عايد البرازي
من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله جل وعلا لم يخلق الخلق سدى وهملا بل أرسل لهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ووضح لهم سبيل الهداية والصراط المستقيم الذي ارتضاه الله عز وجل لعباده، وهذا السبيل القويم قائم على أصل عظيم من أجل أصول الدين وهو توحيده وعبادته والاخلاص له، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) لذلك من أعظم ما يجب أن يعنى به الانسان المسلم في حياته هو صلاحه واستقامته على هذا الأمر لان من المعلوم أن الله عز وجل لا يقبل من عبد عملا إلا ما كان خالصا لوجهه تبارك وتعالى وعلى الاتباع لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم.
فالنية شأنها عظيم وأمرها كبير، وتحتاج من المرء الى مجاهدة ومصابرة على إصلاحها وأصل ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما الأعمال بالنيات»، أي الأعمال حاصلة بالنية صلاحا وفسادا، وقد كان سلفنا الصالح رحمهم الله يعتنون بنياتهم أشد الاعتناء، قال سفيان الثوري: «ما عالجت شيئا أشد من نيتي»، وقال الدارقطني: «طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله»، وقال الشاطبي: «آخر الأشياء نزولا من قلوب الصالحين حب السلطة والتصدر»، وقال ابن الأثير: «الشهوة الخفية، حب اطلاع الناس على العمل فالنية تتقلب على المرء فلابد من مراجعتها بين الحين والآخر».
وانه من المحزن المؤسف ان الناس في زمننا الحاضر يعتنون بالمظاهر وحب البروز والظهور لاسيما أننا نجد أن الإعلام يروج لبعض الناس الشهرة على حساب الدين فتجد البعض على سبيل المثال اذا اشتهر بأنه قارئ أو منشد أو داعية إسلامي أو مفسر أحلام ونحو ذلك أخذ يخرج كثيرا في الفضائيات والصحف والمجلات وجميع الوسائل المرئية أو المسموعة حتى يثنى عليه الناس ويكسب مدحهم وإعجابهم له، وهذا مشاهد في هذا الوقت أكثر مما مضى، فلابد على الإنسان أن يعرف قدر نفسه ويلتزم حدوده، قال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه»، ولا يعني من كلامي هذا أن الدعوة الى الله تحجم عن تلك الأماكن بل لابد من الدعوة لمن كان أهلا لها من أهل العلم والفضل والنهى، ولكن أعني أن بعض الناس تعلقت قلوبهم بالمشهورين واعتبروهم أئمة وعلماء الدين فيأخذون عنهم ويتركون العلماء الربانيين، قال الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه: «لايزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن أمنائهم وعلمائهم، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا»، فكلما انتشر الورع الصادق بين الناس ومعرفة حال الإنسان لنفسه انتشر بين الناس الصدق والأمانة والمعروف وحب الخير والبر وغيرها من الفضائل العظيمة وكل ذلك يعتبر من أعظم ما يعالج به المرء نيته مع الله تعالى ومع الناس.
وأيضا من صور معالجة المرء لنفسه ونيته الإكثار من العبادات التي تكون في السر فإنها أدعى وأقرب للإخلاص الذي هو لب العبادة وأصلها، قال تعالى: (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم»، ومن صور المعالجة للنفس أيضا الاحتساب للأجر والثواب، مثال ذلك وجود بعض الناس مثلا يزور المقابر من أجل مجاملة الناس ولا يحتسب الأجر أن يزور المقابر لأنها تذكر الآخرة، ومن صور المعالجة للنفس والنية قراءة الكتب التي تبين حال السلف الصالح وإخلاصهم مع الله لتجد العجب العجاب، ككتاب سير أعلام النبلاء للذهبي فهو مشجع للقدوة والأسوة، ومن صور المعالجة للنية أن يستعين المرء بالله تعالى دائما وأبدا ويكثر من الدعاء ويحرص على الأدعية الجامعة النافعة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي»، فالدعاء أعظم سلاح للمرء المسلم في حياته.