بقلم: محمد العصيمي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فما أقبحها من صفة وما أشنعها من نعت، وما أسوأها من خلق، تلكم الصفة التي هي التناقض فهي إن كانت في تعاملات الإنسان الدنيوية سيئة فإنها في أمر الآخرة أسوأ وأقبح وأشنع.
هذه الصفة هي التي أشار إليها القرآن في مواضع كثيرة وقبح أهلها وذمهم ومقتهم بها قال الله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، فهذه الآية جاءت في بعض المتناقضين من اليهود الذين كانوا يتورعون عن غش الناس ويأمرونهم بالبر والطاعة، بينما هم واقعون في أعظم صور التناقض المتمثلة في عدم إيمانهم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء رجل إلى ابن عباس وهو يستأذنه في أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال له رضي الله عنهما إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات فافعل، قال: وما هن؟ قال: الأولى قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، قال: أحكمت هذه؟ (أي عملت بها بما جاء فيها)، فقال الرجل «لا»، والثانية قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) «قال: أحكمت هذه؟ قال الرجل «لا»، الثالثة قول العبد الصالح شعيب عليه السلام (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه).
وقد ذكر لنا نبينا صلى الله عليه وسلم خبر أحد المتناقضين وهو ذلك الرجل المتزين بلباس الشرع والمتظاهر بمظهر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كما جاء في حديث أسامة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهاناعن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه»، فهذا مثال ظاهر لما قد يؤديه التناقض بصاحبه.
وإن المتأمل لأحوال الناس في هذا الزمن يرى صور التناقض ظاهرة وكثيرة من أي زمن مضى، وحسبي أن أذكر بعضا من صور التناقض المتمثلة في تصرفات بعض الصائمين والصائمات حتى نتجنب مشابهتهم والاقتداء بهم.
1 ـ فمن المتناقضين ذلك الرجل وتلك المرأة اللذان يصومان رمضان رياء، أو يقومان لياليه طلبا للمدح والثناء، ويفعلان الخير مراعاة لنظر الخلق، فمثل هؤلاء لم يقدروا الله حق قدره ومثل هؤلاء قد أتعبوا أنفسهم، وأهلكوا أبدانهم وفوق هذا ليس لهم عند الله أجر ولا نصيب قال تعالى في الحديث القدسي «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» رواه مسلم عن أبي هريرة.
2 ـ ومن المتناقضين كذلك ذاك المرء الذي يدعي معرفة الخير وطرقه ولكنه يتصرف بما يخالف هذه المعرفة، فتجده يعرف فضل قراءة القرآن ولم يكلف نفسه النظر في المصحف ويعرف فضل الصدقة فتجده من أشح الناس وأبخلهم على الفقراء والمحتاجين، ويعرف فضل قيام الليل وفضل العشر الأواخر لكنه لم يبذل أسباب القيام والصلاة فهذا لم يواطئ قوله ويصدق فيه قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون).
3 ـ من التناقض أيضا ما نراه من بعض من يفطر في هذا الشهر مع معرفته وعمله بتحريم ذلك وأنه من كبائر الذنوب كما قال الإمام أحمد «من أفطر متعمدا في نهار رمضان ولا عذر له فهو عندنا شر من الزاني والسارق وشارب الخمر»، ومن قبيح فعل هؤلاء هو جرأتهم على الفطر استهتارا، واستهزاء ومجاراة لأحوال الفساق.
4 ـ ومن المتناقضين ذاك الذي يصوم ولكنه لا يصلي فهذا من أعظم صور التناقض الظاهرة في شهر الصيام، فترك الصلاة كفر بالله تعالى على الصحيح من قول العلماء، فكيف ينفع مع الكفر صيام؟ فمثل هذا يقال له «أتعبت نفسك وأجهدتها بترك الأكل والشرب واعلم أنه ليس لك عند الله أجر ولا نصيب».
ومازالت صور التناقض لم تنته بعد وهو ما سنتكلم عنه في المقالة القادمة بإذن الله تعالى.