يقول الله تعالى (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) سعيرة الاسدية او هي (ريطة الحمقاء) كما في بعض المصادر، حيث اصابت سعيرة في صغرها حمى فارتفعت حرارتها وحين عوفيت كانت قد فقدت السيطرة على بعض تصرفاتها، وكان الاطفال يعرفون عنها ذلك وكثيرا ما كانوا يزفونها اثناء سيرها فيزداد بذلك بؤس حالها فابتعد عنها الخطاب، فذهبت امها تطلب لها النصيب عند الكهان والعرافين، فما ان يتعرف الخطاب على ظروفها حتى يفروا، وكان الأب يسعى هو ايضا لأن تظفر ابنته بزوج فما افلحوا لتمضي السنوات، ويترسب هذا كله في كيانها فيزيدها انطواء وبؤسا ويموت والدها وتلحق به امها، واصبحت سعيرة وحيدة لا انيس ولا زوج ولا ابن. وذات صباح افاقت من نومها على دقات عنيفة على باب الدار فتحت الباب فوجدت خالتها ومعها ابنها صخرا، قد اتوا من قرية قريبة، استضافتهم واكرمت وفادتهم.
اخبرتها خالتها بان ابنها يريد الزواج منها، فبهتت مشاعرها، أهذا الشاب الوسيم الذي يصغرها كثيرا يريدها زوجة له؟! زغردت الفرحة في وجدانها فلم تهتم بمعاينة باقي التفاصيل او بدقات العقل الذي صحا من غفوته ليكيل لها التهم ويعاين الزوج: هل هو أفاق دعي؟ ام قريب طيب حنون؟ لم تهتم كثيرا، تزوجته وسكن عقلها عن جداله واستكان قلبها وبدت عليها السكينة والسعادة اياما كأنما غير الزواج من خفة عقلها.
وبعد ايام طلبت خالتها منها ان تزودهما بالمال لتجارة لهما سوف يأتيان بها ففعلت وذهب ابن الخالة بالمال ولكنه لم يعد.
سألت سعيرة عنه وذهبت الى قرية بني تميم لتأتي بأخبار زوجها فالتقته فقال لها:خرج علي قطاع طريق فسرقوا مالي فقالت سعيرة بحنان: فلماذا لم ترجع الي لتخبرني لأعطيك غيره؟ قال في برود ونفور: ما الذي جاء بك؟ وتركها ومضى، ومكثت سعيرة اياما في انتظاره ثم ذهبت الى بيت عم زوجها تسأل عنه فقالوا لها: لقد طردناه لسوء سلوكه وتصرفه معك وسطوه على مالك، ومال غيرك بغير حق انه من المطاريد.
عادت سعيرة الى دارها تجر اذيال خيبة الامل وفجيعتها في زوجها الذي لم يحفظ ميثاق الزواج ولا صان صلة القرابة فراح عقلها في غيبوبة جديدة وشديدة فأخذت تضحك وتبكي وتحدث نفسها، فأشفقت عليها جارة حانية فقالت لها: لا تستسلمي لليأس انظري الى الحياة هيا اعملي قالت: ماذا اعمل؟ ولماذا اعمل؟ وانا غير محتاجة للمال قالت الجارة: ان العمل خير علاج للأحزان هيا اغزلي وانا سوف ابيع لك ما تنسجينه من الغزل ثم راقت الفكرة لسعيرة فقامت الى مغزل امها، واشترت الصوف وراحت تغزل ونظرت الى الصوف الذي غزلته وقد تراءى لها زوجها يقف ساخرا والاطفال وهم يقذفونها بالحجارة فتغمض عينيها وتضع يديها فوق اذنيها ثم تسبل يديها وتفتح عينيها بخوف فيصم اذنيها صوت زوجها لمن تغزلين مهما فعلت فأنت دميمة لا اريدك لا اريدك، ودوى صوته في عقلها فأصم سمعها فترنحت وهي ترى طيفه يهزأ بها فتماسكت وبعصبية شديدة امسكت بما غزلت ومزقته اربا اربا وراحت تبكي والجارة الطيبة تهدئ من روعها فتقوم وتغزل من جديد وتنقض غزلها مع كل اطلالة لطيف زوجها الغادر. وجاءت الجارة من جديد وأشفقت عليها ولم تجد الا رعايتها وقد ضرب الله بها مثلا لأمة الاسلام في ألا يبطلوا اعمالهم بعد تمامها، فيقول تعالى(ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم) صدق الله العظيم، كما ان الرسول صلى الله عليه وسلم حذر قريشا من مثل عمل سعيرة فقال صلى الله عليه وسلم«يا معشر قريش لا تكونوا مثل سعيرة فتنقضوا ايمانكم».