بقلم: محمد العصيميذمّ الله صفة التناقض، فقد جاء رجل إلى ابن عباس وهو يستأذنه في أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال له رضي الله عنهما إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات فافعل، قال: وما هي؟ الأولى قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، قال: أحكمت هذه ـ أي عملت بها وبما جاء فيها، قال الرجل: لا، الثانية قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) قال أحكمت هذه؟ قال الرجل: لا، الثالثة قول العبد الصالح شعيب عليه السلام «وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه».
واليوم نكمل معك أخي القارئ صور أخرى للتناقض عند بعض الصائمين:
1- من صور التناقض الظاهرة تجويع بعض الناس لنفسه ومنعها من الأكل والشرب مع إطلاق العنان لسائر الجوارح، فتجده لا يتورع عن غيبة المسلمين وتتبع عوراتهم، وعن الكذب والسب والشتم، وليعلم أن الجوع والعطش لم يكن مقصود الصيام يوما فالله غني عن تجويع بطوننا وظمأ أفواهنا، قال جابر: «إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار يوم صومك، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء».
2- ومن التناقض كذلك أنك تجد كثيرا من الداعين في قنوت الوتر يسألون الله ويلحون عليه ويدعونه بقولهم «اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك» وبعد أقل من ساعة، تجده وقد انصرف إلى الحرام يشاهد النساء في الفضائيات وفيها ما فيها من خلاعة ومجون ومسلسلات فيها من القصص التي تيسر فعل المعصية والشذوذ والزنا والاستهزاء بأهل التدين، وغيرها مما تعف الألسن عن ذكرها أليس هذا من التناقض؟
3- ومن صور التناقض كذلك أن بعض الناس تجده في أمر قليل وحقير من أمور الدنيا يقف الساعات وينتظر الأيام دون كلل أو ملل، بينما تجده وقد ظهرت عليه علامات الضجر والتأفف والملل في صلاة التراويح أوفى صلاة التهجد، يود لو أن الإمام اكتفى بقراءة آية أو آيتين أو ركعة أو ركعتين وليته استشعر انه يقف بين يدي أعظم من وقفت له الخلائق، وأجل من ناجاه صفوة الأنبياء والملائكة وهو (الله) جل في علاه.
4- ومن التناقض أيضا: ذاك الصائم الذي حرص على ألا يخدش صومه أثناء النهار بقول أو فعل، وتلك المرأة المتبرجة التي تورعت عن كثير من المحرمات من تبرج وسفور من وضع الأصباغ وتعريض المسلمين للافتتان بها، إلى هنا وكل هذا حسن لكن يتجلى التناقض عند مثل هؤلاء أنهم سرعان ما يعودون إلى ما كانوا عليه من تضييع لحدود الله وحرماته بعد الإفطار، فالمتبرجة عادت إلى تبرجها، والمعرض إلى إعراضه ومثل هؤلاء ظنوا إن الله انما أمر بطاعته واجتناب معصيته زمن الصيام ليس إلا وقد ذكر العلماء أن من أسباب رد الحسنة وعدم قبولها اتباعها بالسيئة قال بعض السلف: من عمل حسنة ثم اتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها، وقال كعب: من صام رمضان وهو يحدث نفسه أنه إذا أفطر عصى ربه فصيامه عليه مردود، قال تعالى: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب).