تسلل نور الإيمان الى نفسها وهي بمكة، آمنت بالله ورسوله في بداية الدعوة ولم تكتف بذلك بل انطلقت تدعو الى دين الله رغم قسوة المشركين وغلظتهم، أخذت تدخل على نساء قريش سرا كي تدعوهن الى الإسلام وترغبهن فيه.
بعد ذلك تغير حال نساء المشركين وبعضهن بدأن يتكلمن عما يسمعن وعما يردن أن يدخلن إليه والبعض منهن هداهن الله تعالى إلى الإسلام، وعندما علم أزواجهن بما تفعله أم شريك مع زوجاتهم غضبوا أشد الغضب ثم اجتمعوا في مجلس وأخذوا يخططون لقتل أم شريك، فقال أحد المشركين كيف تريدون قتلها وهي من بني أسد وإن قتلناها فسيأخذون ثأرها منا؟ عرفها الناس بأم شريك اسمها غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية، كانت زوجة رجل اسمه ابوعسكر الدوسي، كانت تعرف خطورة دورها وانها لو انكشف أمرها فستتعرض لبطش المشركين، وهذا ما حدث، ظهر أمرها لأهل مكة عرفوا انها تدعو للإسلام أمسكوا بها وقالوا لها: لولا أهلك لأنزلنا بك أشد العذاب، ومن يسمع ذلك يظن أنهم سيعفون عنها من أجل أهلها ولكن الحقيقة انهم بالغوا في تعذيبها فقد حملوها على بعير شرس غليظ من غير أن يضعوا شيئا تحتها، ساروا بها الى خارج مكة، انطلقوا بها في طريق خال طويل تركوها 3 أيام من غير طعام ولا ماء يروي ظمأها.
كانوا إذا انتصف النهار نزلوا في الطريق ونصبوا خيامهم كي يستريحوا في ظلها وتركوا أم شريك سابحة في عرقها تحت حرارة الشمس المحرقة مقيدة بالحبال من غير قطرة ماء تروي ظمأها وقيل أنهم كانوا يطعمونها خبزا وعسلا كي يشتد عطشها وتزداد معاناتها، فعلوا ذلك 3 أيام متتالية وفي اليوم الثالث نزلوا في الطريق حينما انتصف النهار واشتدت حرارة الشمس وبلغ بها الإعياء مبلغا حتى كادت تفقد وعيها فأقبلوا نحوها، وقالوا لها، اتركي الإسلام وعودي إلى ديننا.
لم تكن، رضي الله عنها، قادرة على الكلام، فتحت عينيها وأشارت بإصبعها الى السماء، فهموا معنى إشارتها وعرفوا انها لن تعبد إلا الله الواحد سبحانه فتركوها لمزيد من الحر والعطش.
كادت رضي الله عنها، تفقد حياتها وتلفظ آخر انفاسها، وفجأة شعرت بدلو ماء بارد على صدرها، مدت يدها في لهفة وشربت منه رشفة وشعرت بعد ذلك كأن أحدا انتزع منها دلو الماء.
فتحت عينيها، أخذت تبحت عنه حولها فرأت عجبا، رأت الدلو معلقا بين السماء والارض اقترب الدلو منها مرة ثانية، شربت رشفة أخرى، فلما اقترب المرة الثالثة شربت منه حتى ارتوت وسكبت الماء على وجهها وثيابها، عاد الرجال اليها بعد ان نالوا قسطا من الراحة وجدوها في حالة طيبة غير التي تركوها عليها، لقد شربت وارتوت وبللت رأسها ووجهها وثيابها، قالوا لها في دهشة، من أين حصلت على هذا الماء يا عدوة الله، قالت لهم، انا لست عدوة الله تعالى بل انتم أعداء الله، ثم أوضحت لهم الأمر قائلة، أما بالنسبة لهذا الماء فهو رزق من عند الله. ظهرت الدهشة على وجوههم انطلقوا نحو خيامهم مسرعين، لعلها حصلت على الماء من آنيتهم وجدوا آنيتهم وقربهم مليئة بالماء كما هي مربوطة بإحكام لم تمتد يد إليها فأدركوا صدق كلامها، عادوا إليها مسرعين وقد تسلل نور الإيمان إلى قلوبهم وقفوا أمامها معتذرين نطقوا بالشهادتين. اعتنقوا الإسلام جميعا فأسلموا عند ذلك، كلهم، وأطلقوها من عقالها وأحسنوا إليها.
أسلموا كلهم بسبب صبرها وثباتها، وتأتي أم شريك يوم القيامة وفي صحيفتها، رجال ونساء، أسلموا على يد الله ثم يدها.