- أوضح أن من مظاهر اهتمام الشريعة الإسلامية بصون الأعراض تحريم التجسس ولو كان بداعي الإنكار
- يجب الستر على أهل المعاصي ممن لم يُعرفوا بالفسق مع عدم إهمال نصحهم وحثهم على التوبة
أمر الله سبحانه وتعالى بالستر على العاصي، وعدم إشاعة ما وقع منه، مع عدم إهمال نصحه والأخذ بيده وحثه على التوبة بينه وبين الله، كما قال تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، فإن من يشيع أخبار الفواحش ومن وقع فيها بين المسلمين يرتكب إثما قد يكون أكبر من إثم صاحب المعصية نفسه، هذا ما أكده الأستاذ المساعد بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت د.سليمان معرفي. وأشار معرفي الى أنه يجب على ولي الأمر أن يستر أهل المعاصي من كان منهم مستور الحال غير معروف بالفسق، وأن يعرض لهم التوبة ما لم يثبت المنكر بما يستوجب الحد، فإنه إذا بلغ الإمام ذلك وجب على الإمام إنفاذ الحد وتحرم الشفاعة فيه. وبين معرفي في لقائه مع «الأنباء» حول بحثه القيم الذي كان بعنوان «عرض المسلم في ضوء القرآن والسنة» أن الشريعة الإسلامية حرمت التجسس ولو كان بداعي إنكار المنكر صونا لأعراض المسلمين، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
حدثنا بداية عن موضوع بحثكم القيم، وأهميته؟
لقد أحاط الله عز وجل عرض المسلم بسياج من الحماية، وجعله محرما وتوعد الذي ينتهك حرمته بالعقوبة الدنيوية والأخروية.. فمن العقوبات الدنيوية رجم المحصن وجلد البكر وجلد القاذف ورد شهادته وتفسيقه.. انتهاء بالتعزير.
وما ذاك إلا لعلم الله تعالى بخطورة التعرض للأعراض، وان العرض كالزجاج إذا كسر يصعب بل يستحيل ان يعود الى ما كان عليه، لذا فقد حرم الغيبة والنميمة والسخرية وسوء الظن والتحقير والتجسس وتتبع العورات والغمز واللمز والهمز والافتراء والكذب والاتهام، فكل هذه محرمات يأثم فاعلها ومرتكبها اثما عظيما، بل هي من كبائر الذنوب التي رتب الله تعالى عليها عقوبات برزخية وأخروية.
وفي مقابل هذا كله نجد ان الدين حث على الستر على المسلم وتغطية عيوبه وصون عرضه، ورغب في ذلك ورتب عليه السعادة في الدارين، ويدل عليه كثير من الأحكام والتعاليم التي جاء بها الإسلام، سواء في القرآن أو في السنة الصحيحة الثابتة، كما حث على ان يستر المسلم على نفسه من الذنوب والآثام التي يرتكبها، وعد من لا يقوم بالستر على نفسه مرتكبا كبيرة من الكبائر، فمن باب أولى أن يستر الإنسان على نفسه.
ولقد تساهل الناس في هذا الباب تساهلا كبيرا، فأردت في هذا البحث الذي جعلته بعنوان «عرض المسلم في ضوء القرآن والسنة» أن يكون فيه واعظ ورادع لأولئك المتساهلين الخائضين في أعراض الناس.
كيف قسمت هذا البحث؟
قسمت بحثي هذا الى 8 فصول:
الفصل الأول: في النهي عن التجسس وتتبع العورات، سقت فيه الأدلة من الوحيين وأقوال الصحابة رضي الله عنهم وأقوال العلماء.
الفصل الثاني: في أمر الواقع في المعصية بالستر على نفسه والتوبة بينه وبين الله تعالى، وسقت فيه الأحاديث المصرحة بذلك، وأقوال الصحابة والعلماء.
الفصل الثالث: في أمر من اطلع على المعصية ومن وقع فيها بالستر عليه، وسقت فيه الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية وآثار الصحابة في ذلك.
الفصل الرابع: في حث ولي الأمر أو من ينيبه بالستر على أهل المعاصي، وسقت فيه الأحاديث وآثار الصحابة وأقوال العلماء وبعض التنبيهات.
الفصل الخامس: في حد الزنا والقذف، وما فيه من تشريع لحفظ الأعراض وصيانتها.
الفصل السادس: في تحريم الغيبة والنميمة والسخرية وما شابهها، وسقت فيه الأدلة على عظم تحريمها وسوء عاقبتها وأقوال العلماء فيها، وبينت في هذا الفصل المواضع التي تجوز فيها الغيبة مع الاستدلال عليها.
الفصل السابع: في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النصح والإنكار.
الفصل الثامن: في المعاصي التي لا يستر على صاحبها ولو كان مستترا بها.
هذا وقد ختمت البحث بخاتمة بينت فيها النتائج التي توصلت إليها مع التوصيات بحسب ما يقتضيه الموضوع.
ما تعريف عـــرض المسلم في ضوء القرآن والسنة؟
1- العرض: خلاف الطول، والجمع أعراض وعروض وعراض.
2- العرض بالفتح: العطاء والطمع والمال، قال تعالى: (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك..).
3- والعرض بكسر العين وإسكان الراء: الحسب والنفس.
والعرض: موضع المدح والذم من الإنسان.
والمراد من بحثنا هذا هو موضع المدح والذم من الإنسان وهو ما يعرف اليوم بالسمعة والشرف والمكانة الاجتماعية.تحريم التجسس
اذكر لنا شيئا من مظاهر اهتمام الشريعة بحفظ وصون أعراض المسلمين؟
من مظاهر اهتمام الشارع بصون الأعراض، والحث على الستر النهي عن التجسس وتتبع عوارت المسلمين، وذلك لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا)، قال ابن الجوزي «قال المفسرون: التجسس هو البحث عن عيوب المسلمين وعوراتهم، فالمعنى: لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه ليطلع عليه إذ ستره الله»، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا»، والتجسس يحرم ولو كان بداعي الإنكار.
ماذا يصنع العاصي والظالم لنفسه إذا أراد التوبة وتكفير ذنوبه، وهل يعترف بما اقترف من المعاصي حتى يبرئ ذمته عند الله؟
امر الشارع الحكيم من وقع في المعصية بالستر على نفسه وعدم المجاهرة بمعصيته، والتوبة إلى الله منها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل في الليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويكشف ستر ربه عنه»، فالحديث يزجر من يشيع عن نفسه ما عمل من المعاصي بأنه لن يكون في عافية ولا عفو من الله، وفي موطأ الإمام مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله تعالى عليه»، فالحديث ظاهر الدلالة في الأمر بالستر والتوبة إلى الله وعدم فضح الإنسان نفسه.
الستر على العصاة
ماذا يصنع المسلم إذا اطلع على معصية العاصين؟
أمر الشارع بالستر على العاصي وعدم إشاعة ما وقع منه، مع عدم إهمال نصحه والأخذ بيده وحثه على التوبة بينه وبين الله، كما قال تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)، فإن من يشيع أخبار الفواحش ومن وقع فيها بين المسلمين يرتكب إثما قد يكون أكبر من إثم صاحب المعصية، ولذا أثر عن علي رضي الله عنه أنه قال «القائل الفاحشة والذي يشيع بها في الإثم سواء»
لكن هل يُطلب من ولي الأمر أو من ينيبه الستر على أهل المعاصي؟
يجب على ولي الأمر أن يستر أهل المعاصي من كان منهم مستور الحال غير معروف بالفسق، وأن يعرض لهم التوبة، ومن الأدلة ما رواه مسلم من حديث بريدة في قصة ماعز أنه قال «يا رسول الله طهرني، قال: صلى الله عليه وسلم مم أطهرك؟ قال: من الزنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال: أشرب خمرا؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أزنيت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم»، قال العلامة ابن القيم «وفيها أن الإمام يستحب له أن يعرض للمقر بأن لا يقر»، وقال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف «اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في الإسلام، وأولى الأمر ستر العيوب»، لكن يلزم التنبيه الى أنه إذا ثبت المنكر بما يستوجب الحد وبلغ الإمام فيجب على الإمام إنفاذه، وتحرم الشفاعة فيه.