- أكد أن خروج المعتكف من المسجد لغير الحاجة يبطل الاعتكاف
- يجوز للمعتكف الخروج من المسجد للإتيان بالطعـام والخروج للوضــوء وغسـل الجنابة وقضاء الحاجة
عبادة الاعتكاف من أبرز أسباب تزكية النفس، ففيها ينقطع العبد لإصلاح نفسه وتعهدها، وينقطع عن الدنيا ويتفرغ للآخرة، ويلزم المسجد طاعة لله عز وجل، وقد كان الاعتكاف مشروعا في الشرائع القديمة، وفي الجاهلية، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، وهو من الأمور المستحبة والتي لا يوجبها إلا النذر، هذا ما أوضحه الأستاذ المشارك في قسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض د.سعد الخثلان. وأضاف أنه يجوز للمعتكف الخروج من المسجد للإتيان بالمأكول أو المشروب والخروج للوضوء وغسل الجنابة أو لقضاء الحاجة، وأنه لا يبطل الاعتكاف بالانتقال من مسجد تقام فيه الجماعة إلى مسجد جامع لأداء صلاة الجمعة، مؤكدا في الوقت نفسه أن خروج المعتكف من المسجد لغير حاجة يبطل الاعتكاف، وأن خروجه لأمر ينافي الاعتكاف مبطل له من باب أولى. «الأنباء» التقت د.الخثلان ليحدثنا عن محتوى بحثه القيم الذي كان بعنوان «خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه»، والذي كتب فيه عن هذه العبادة الجليلة، الاعتكاف، نظرا لأهميتها وكثرة الأسئلة والاستشكالات فيها، خاصة فيما يتعلق بخروج المعتكف من معتكفه، من الحالات التي يجوز فيها الخروج، والحالات التي تبطل الاعتكاف، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
ما موضوع بحثك وما سبب اختيارك له؟
إن الله تعالى قد علق فلاح العبد على تزكيته لنفسه قال تعالى (قد أفلح من زكاها)، وقد جاءت هذه الآية بعد أحد عشر قسما، وليس لهذا نظير في القرآن، وقد وقعت جوابا لهذا القسم مما يؤكد على أهمية تزكية النفوس، وأن الفلاح كل الفلاح معلق على هذه التزكية، وتحصيل تزكية النفوس بأمور قد جاء بيانها في الكتاب والسنة، ومن أبرزها عبادة جليلة ينقطع فيها العبد لإصلاح نفسه وتعهدها وينقطع عن الدنيا ويتفرغ للآخرة، وهي عبادة «الاعتكاف» التي يقول الإمام ابن القيم في المقصود منها «عكوف القلب على الله تعالى وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه»، وقد أحببت أن أكتب في أبرز مسائل هذه العبادة وهي «خروج المعتكف من المسجد والاشتراط فيه» نظرا لأهمية هذه المسألة، وكثرة الأسئلة والاستشكالات فيها، ولأنني لم أقف على من أفردها ببحث مستقل مع أهميتها، وإن كان فقهاؤنا رحمهم الله قد تناولوها في كتبهم إلا أني أردت جمع كلامهم على اختلاف مذاهبهم وجمع الأدلة الواردة فيها وتحرير هذه المسألة بالبحث والمناقشة حتى يتجلى فيها ما أحسبه الأقرب للكتاب والسنة.
ما منهجك الذي سرت عليه في إعداد لهذا البحث؟
قمت في بداية كل مبحث بتصوير المسألة التي تحتاج إلى إيضاح تصويرا دقيقا قبل بيان حكمها ليتضح المراد بها، ثم أعرض الآراء فيها حسب الاتجاهات الفقهية مع نسبة كل رأي بمن قال به من أصحاب المذاهب، وأعرض أدلة الأقوال، وأورد المناقشة على الأدلة أو الاستدلال بها، ثم اتبعه ببيان ما توصلت إلى رجحانه من الآراء مع بيان سبب الترجيح، كما قمت بتخريج الأحاديث من مصادرها.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وأربعة مباحث، المبحث الأول هو حقيقة الاعتكاف والأصل فيه، والمبحث الثاني اشتراط المسجد لصحة الاعتكاف، والثالث خروج المعتكف من المسجد، والرابع الاشتراط في الاعتكاف، ثم ختمت البحث بأهم النتائج، وذيلته بفهرس للمصادر والمراجع المستفاد منها في كتابة البحث.
حقيقة الاعتكاف
ما حقيقة الاعتكاف والأصل فيه؟
الاعتكاف من الشرائع القديمة قال الله تعالى (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين)، وقال عز وجل عن مريم عليها السلام (فاتخذت من دونهم حجابا)، وقال تعالى (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «ولأن مريم عليها السلام قد أخبر الله سبحانه أنها جعلت محررة له أو كانت مقيمة في المسجد الأقصى في المحراب، وأنها انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذت من دونهم حجابا، وهذا اعتكاف في المسجد واحتجاب فيه»، وقد كان الاعتكاف معروفا في الجاهلية قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما يدل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «أوف بنذرك».
وحقيقة الاعتكاف شرعا «لزوم المسجد لطاعة الله تعالى»، وهو مشروع، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع، والأصل فيه أنه مسنون إلا أنه يجب بالنذر بإجماع العلماء، قال النووي «الاعتكاف سنة بالإجماع، ولا يجب إلا بالنذر بالإجماع».
ضوابط مسجد الاعتكاف
أجمع العلماء كما ذكرتم في بحثكم على اشتراط المسجد، لكن ما هو ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف للرجل؟
اختلف العلماء في ضابط المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف للرجل على عدة أقوال، لكن القول الراجح باختصار هو أن الضابط في المسجد الذي يشرع الاعتكاف فيه للرجل هو المسجد الذي تقام فيه الجماعة، لقوة أدلة هذا القول، ولضعف أدلة الأقوال الأخرى، ثم إن هذا القول هو الذي عليه أكابر الصحابة كعلي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهم أعلم الناس بمدلول النصوص الشرعية والله تعالى أعلم.
لكن ما هو ضابط المسجد الذي يشرع للمرأة الاعتكاف فيه، خاصة أن الجماعة لا تجب عليها؟
تختلف المرأة عن الرجل في أنها لا تجب عليها صلاة الجماعة عند جميع العلماء، ومن هنا لم يقل أحد من العلماء بأن المرأة يلزمها الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة أو الجماعة وإنما اختلفوا في اشتراط اعتكافها في أي مسجد أو أن ذلك لا يشترط وأن لها أن تعتكف في مسجد بيتها على قولين مشهورين، القول الأول يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في أي مسجد، وإن لم تقم فيه الجماعة، وليس لها أن تعتكف في مسجد بيتها، وإليه ذهب جمهور العلماء من المالكية وهو الصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة، والقول الثاني لا يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في المسجد بل يجوز لها أن تعتكف في مسجد بيتها، وهو مذهب الحنفية وقول الشافعي في القديم، لكن بعد استعراض قولي العلماء في هذه المسألة، وأدلتهم يظهر والله أعلم، أن الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وهو أنه يشترط لصحة اعتكاف المرأة أن تعتكف في مسجد، ولا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها، لقوة أدلة هذا القول، ودلالة السنة الصحيحة الصريحة له.
أبرز النتائج
ما أبرز نتائج هذا البحث؟
ختمت هذا البحث بذكر أهم النتائج التي توصلت إليها، منها أنه يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد، وقد اتفق العلماء على ذلك واختلفوا في ضابط المسجد الذي يشرع الاعتكاف فيه، والذي ترجح لنا بالنسبة للرجل أن يكون المسجد تقام فيه الجماعة، وبالنسبة للمرأة أي مسجد وإن لم تقم فيه الجماعة، ولا يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها، ويجوز للمعتكف الخروج من المسجد لقضاء حاجة البول والغائط أو للإتيان بالمأكول أو المشروب سواء كان بالذهاب لمنزله أو بشرائهما، وإذا وجد من يأتيه بهما فليس له الخروج من المسجد، ويجوز له الخروج للوضوء وغسل الجنابة إن لم يمكنه ذلك في دورات مياه المسجد، فإن أمكنه فهل الخروج للوضوء والغسل في منزله؟ هذا محل خلاف بين الفقهاء، والذي يترجح لنا أن المعتكف إذا كان لا يحتشم من دخول دورات المياه فليس له الخروج إلى منزله للتطهر فيه، أما إن كان يحتشم من دخولها فيجوز له الخروج والتطهر من منزله، وكذلك لا يبطل الاعتكاف بانتقال المعتكف من مسجد تقام فيه الجماعة إلى مسجد جامع لأداء صلاة الجمعة، وأخيرا فان خروج المعتكف من المسجد لغير حاجة يبطل الاعتكاف، وخروجه لأمر ينافي الاعتكاف مبطل له من باب أولى، ولمزيد من التفصيل ننصح بالرجوح إلى البحث الأصلي على موقعنا الإلكتروني «www.saad-alkthlan.com».