لقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين: مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، ومرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك. وكانت طبيعة المرحلة الأولى تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم، هي المكان المناسب لمثل هذه الظروف من أيام الدعوة.
كانت هذه الدار ـ دار الأرقم ـ على جبل الصفا، ذلك الجبل المنعزل عما يدور حوله، فهي إذن بمعزل عن أعين الأعداء والمتربصين، وكانت ـ فضلا عن ذلك - للأرقم بن أبى الأرقم بن أسد بن عبدالله المخزومي وكان اسمه عبد مناف، وهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول، وباعوا عرض الدنيا لأجل الآخرة، وآثروا تحمل الأذى والعذاب على حياة الشرك والكفر، فقد توافرت ـ لهذه الدار ـ صفات عدة جعلت منها منطلقا ومنارا لهذه الدعوة الناشئة.
والذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لاختيار هذه الدار عدة أسباب، منها:
أن صاحب هذه الدار وهو الأرقم لم يكن معروفا بإسلامه، فلم يكن يخطر ببال أحد من المشركين أن يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في هذه الدار. أن الأرقم بن أبي الأرقم كان فتى عند إسلامه، ولم تفكر قريش أن هناك تجمعا إسلاميا عند أحد الفتيان، بل إن نظرها كان يتجه في الغالب إلى بيوت كبار الصحابة.
أن هذه الدار كانت قريبة من الكعبة المشرفة.
وفي هذه الدار المباركة، التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه رضي الله عنهم، وتلقوا عنه تعاليم الإسلام وتوجيهاته الكريمة، حيث كان صلى الله عليه وسلم يتلو عليهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم، ويعلمهم أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة، وما وصلت إليه، وموقف المعرضين عنها والصادين عن سبيلها.
كان يسمع شكوى أصحابه وما يلقونه من أذى المشركين وكيدهم، يتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والمصابرة، ويبشرهم بأن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع المؤمنين، وأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.