لقد بعث الله تعالى موسى وهارون عليهما السلام إلى الطاغية فرعون ليذكراه بالله تعالى، وأمرهما بأن يقولا له كلاما لينا لعله يذكر أو يخشى، قال تعالى: (اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى) «طه: 43 ـ 44».
ولكن فرعون أصر واستكبر وعتى وبغى وتجبّر فأخذه الله وجنودَه نكال الآخرة والأولى، قال تعالى: (هل أتاك حديث موسى، إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى، اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقل هل لك إلى أن تزكّى، وأهديك إلى ربك فتخشى، فأراه الآية الكبرى، فكذّب وعصى، ثم أدبر يسعى، فحشر فنادى، فقال أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) «النازعات 15 ـ 21».
ولما بلّغ موسى عليه السلام رسالته الى فرعون ولم يؤمن بل هدد وتوعد، أمر الله تعالى موسى عليه السلام ان يأخذ بني إسرائيل ويسير بهم باتجاه البحر، ولما سار القوم علم فرعون بذلك فجمع جنوده وجيوشه للحاق به، وعندما أشرف فرعون على المكان الذي عبر منه موسى وبنو إسرائيل رأى طريقا في البحر لا وعورة فيه، فطمع ان يعبره مع جنوده، وأصدر أوامره الى الجنود بالعبور.. حتى إذا كان فرعون وجنوده في وسط الطريق وكان بنو إسرائيل جميعا قد وصلوا الى الشاطئ الثاني، جاء أمر الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأطبقت المياه المنحسرة من البحر على فرعون وجنوده فغرقوا جميعا، ولم يفلت منهم أحد وكانت لحظة الغرق مريرة على نفس فرعون فجعل يصرخ قائلا: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) «يونس: 90»، ولكن الله لم يقبل توبته لأنه تاب مضطرا فأغرقه وألقى بجسده على الشاطئ ليقول له ولكل طاغية متجبر مغرور: (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون) «يونس: 92».
وروى أحمد والترمذي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما قال فرعون: (آمنت انه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) قال: قال لي جبريل: يا محمد، لو رأيتني وقد أخذت حالا من حال البحر، فدسيته في فيه، مخافة ان تناله الرحمة».
ومجرم قوم فرعون المثل البارز الواضح القديم في الزمان المتجدد في حدوثه اليوم وغدا لأن سنة الله قد اقتضت ان يبرز للدعوة اعداء يقفون في طريقها (وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها) «الأنعام: 123». وكما كان في مصر فرعون لعين، فإن هذا العصر قد ظهر فيه فراعنة جدد ينتمون لأفكار جديدة في حركة التاريخ ولكن أصلهم وما يلتقون عليه واحد وهو: الكفر بالله العزيز القهار وهدفهم كذلك واحد هو صد الناس عن دينه سبحانه وتعالى، فاليوم يقف للدعوة والدعاة والمصلحين والمجاهدين في سبيله فراعنة الرأسمالية وفراعنة الاشتراكية وفراعنة الديموقراطية وفراعنة الملكية وفراعنة القومية وغيرهم الذين يقاتلون في سبيل «توحيد» «الشيطان» و«الهوى» وليس من اجل توحيد الواحد سبحانه وتعالى فسحقا سحقا لهم والله المنتقم سيذيقهم سوء العذاب في الدنيا قبل الآخرة كما ذاقه «مرشدهم الروحي» من قبل فرعون مصر لأن عذاب الله ليس من الظالمين ببعيد.