بقلم: د. محمد النجدي
للشريعة الإسلامية الغراء فضل السبق على جميع المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، وما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية اللاحقة، ومن قبلها ميثاق الأمم المتحدة، ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنته الشريعة الإسلامية الغراء.
فقد قال الله تعالى في كتابه (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)، وحقوق الإنسان كما جاء بها الإسلام في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم المطهرة، حقوق أصلية ثابتة، لا تقبل حذفا ولا تعديلا ولا نسخا ولا تعطيلا، بل إنها حقوق ملزمة للجميع، فليس من حق أي بشر كائنا من كان أن يعطلها، أو يتعدى عليها، ولا تسقط بإرادة الأفراد بالتنازل عنها، ولا بإرادة المجتمعات، ولا السلطات التي تحكمه.
أما فيما يتعلق بالقيمة القانونية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهي ليست إلا مجرد تصريح صادر عن الأمم المتحدة غير ملزم للدول أو الحكومات، فحقوق الإنسان في المواثيق الدولية عبارة عن توصيات أو أحكام أدبية، أما في الإسلام فحقوق الإنسان عبارة عن فرائض تحميها عقوبات جزائية، فللسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذ هذه الفرائض، خلافا لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية، والتي تعتبرها حقا شخصيا مما لا يمكن الإجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه.
إن كرامة الإنسان حق من حقوقه التي كفلها الإسلام للإنسانية عامة، وواجب من الواجبات الشرعية الملزمة، والتي يسأل عنها الحاكم والمحكوم، لا تخضع لاجتهادات الجماعة فتختلف من زمان إلى زمان، أو من مكان إلى مكان، بل حقوق ثابتة وليس فضلا يمنحه المجتمع للإنسان، بل الفرد نفسه ملزم بتحقيق هذه الحقوق التي تحقق له الكرامة الذاتية، فأمره الله سبحانه بالابتعاد عما يمتهنها بذل وخضوع، وعبودية لغير الله تعالى، وهو الشرك بالله بأحد الأنداد أو الأصنام، وكذلك فليس له أن يقتل نفسه بالانتحار، ولا أن يتعاطى المخدرات، والمسكرات المذهبة للعقل الذي هو ميزة الإنسان عن الحيوان.
وأورد هنا أهم أحكام الإسلام في حقوق الإنسان، وهو حق الحياة والسلامة في البدن والعقل والعرض والنسل والمال، وإن مما يدل على كرامة الإنسان في الإسلام، هو تسخير الكون برمته للإنسان، قال تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)، وأن الاعتداء على الإنسان الواحد يساوي الاعتداء على البشرية قاطبة، كما قال تعالى (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وعدم التهور في إلقاء النفس بالتهلكة، كما في قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، فجاءت الشريعة الإسلامية بكل ما فيه حماية للإنسان وحفظ نفسه، فالإنسان محترم في حياته وبعد مماته، فلا يجوز التمثيل بجثته ولو في الحرب، حتى القتال لم يشرع إلا من أجل إحقاق الحق، والدفاع عنه، ورد الباطل والفساد ودرء شره عن الناس، وذلك بعد الإنذار والإعلان، مع وجود القيود الصارمة على العمليات الحربية، من تحريم قتل غير المحاربين من النساء والأطفال وكبار السن والرهبان.
وما القصاص إلا دفاع عن الإنسان وحياته، فبالقصاص تحيا النفوس، كما قال الله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب)، كما أوجب لحمايتها تناول ما يقيمها من ضروري الطعام والشراب واللباس والسكن، وجاءت الشريعة بالحفاظ على النسل والأنساب، فحثت على إيجاد النفوس وبقاء النوع على الوجه الأكمل عبر الزواج والتناسل، وأوجبت حفظ العرض بوسائل كثيرة، كغض البصر، وحفظ الفرج، وتحريم الزنا، والمعاقبة عليه بأشد العقوبات، وفرض حد القذف، وكذلك حفظ المال الذي هو عصب الحياة فأوجبت للحفاظ عليه السعي في طلب الرزق، وأباحت المعاملات والمبادلات والتجارات، وللحفاظ على المال حرمت الشريعة السرقة والغش والخيانة والربا بكل صوره، وأكل أموال الناس بالباطل وعاقبت على ذلك، وكذلك الحفاظ على عقله بتحريم الخمر والمخدرات، وما يذهب العقل، حرصا على سلامة بدنه، وعقله، وعدم السخرية منه، أو شتمه، أو مناداته بلقب لا يحبه.