- أشار إلى أن كثرة المؤلفات في فضائل الشام وبيت المقدس ترجع إلى كثرة المحن والفتن التي تعرضا لها
- استنتج المستشرق «تشارلز ماثيوز» أن كتاب ابن الفركاح وضع كمختصر ودليل لزوار المسجد الأقصى
ان الله تعالى قد فاضل بين الأزمان، واختص بعض الشهور والأيام والليالي بمزيد فضل وبركة، كما فاضل بين الأماكن فجعل في بعضها من البركة ما ليس في غيرها، كم قال تعالى (وربك يخلق ما يشاء ويختار)، فكانت مكة حيث بيت الله الحرام خير البلاد، ثم بعدها المدينة النبوية حيث مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم أرض الشام حيث مسجد بيت المقدس، وقد لقيت أرض الشام عموما وأرض بيت المقدس خصوصا مزيدا من العناية في التأليف، ويرجع ذلك إلى كثرة المحن والفتن التي تعرض لها ذاك المكان المبارك، هذا ما أشار إليه الباحث فهد صياح الديحاني في رسالته لنيل درجة الماجستير، والتي هي تحقيق ونقد مخطوط بعنوان «باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس» للإمام إبراهيم بن عبدالرحمن الفزاري المعروف بابن الفركاح (660 - 729هـ). وأوضح الديحاني في لقائه مع «الأنباء» أن مما يؤخذ على المؤلف ابن الفركاح في كتابه دعوته إلى زيارة بعض البقاع والأماكن المخصوصة والتزام بعض الآداب والأدعية المحدثة مما يعد من الأمور المبتدعة، مؤكدا أن كل ما جاء في فضل أماكن وبقاع في الشام غير بيت المقدس مكذوب ومستند إلى إسرائيليات وأحاديث واهية لا تصح، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
حدثنا في البداية عن موضوع رسالتكم وأهميتها.
ان الله تعالى قد فاضل بين الأزمان، واختص بعض الشهور والأيام والليالي بمزيد فضل وبركة، كما فاضل بين الأماكن فجعل في بعضها من البركة ما ليس في غيرها، فكانت مكة وفيها بيت الله الحرام خير البلاد، ثم بعدها المدينة النبوية وفيها مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم أرض الشام وفيها مسجد بيت المقدس، وقد كثرت المصنفات في بيان فضائل هذه الأماكن، وما أودع الله فيها من البركة، وقد لقيت أرض الشام عموما وأرض بيت المقدس خصوصا مزيدا من العناية في التأليف، حتى كثرت فيها المؤلفات وتنوعت، ولعل سبب ذلك يرجع إلى كثرة المحن والفتن التي تعرض لها ذاك المكان، وممن كتب في بيان فضائل بيت المقدس الشيخ برهان الدين إبراهيم بن عبدالرحمن الفزاري، المعروف بابن الفركاح المتوفى عام 729هـ، فصنف فيها رسالة بعنوان «باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس»، وقد قمت بتحقيق ونقد هذا الكتاب كموضوع لاستيفاء جزء من متطلبات التخرج لدرجة الماجستير في برنامج الحديث الشريف وعلومه من كلية الدراسات العليا بجامعة الكويت.
أسباب اختيار الموضوع
لكن ما أسباب اختيار هذا الموضوع بالتحديد؟
قررت القيام بتحقيق هذا الكتاب تحقيقا علميا يتناسب مع أهمية هذا الموضوع لأسباب عديدة، أهمها الرغبة في المشاركة في إحياء التراث الإسلامي من خلال إخراج هذا الكتاب، وثانيا الرغبة في اكتساب الخبرة من خلال الممارسة العملية لتحقيق المخطوطات لعلها تكون دافعا في المستقبل لخدمة العلم الشرعي من هذا الجانب، وثالثا الرغبة في دراسة فضائل بيت المقدس دراسة علمية، ومعرفة الصحيح الثابت من الضعيف المزور، نظرا لكثرة ما ينقل في فضائلها مما تستنكره الأسماع، ورابعا أن هذه الرسالة جاءت مع اختصارها جامعة لأغلب الأحاديث والآثار في هذا الموضوع، فكان في القيام بتخريج هذه الأحاديث والآثار ونقدها خدمة عظيمة لكل من أراد أن يطالع أحاديث أو آثار أي كتاب في هذا الموضوع غالبا.
ما المنهج الذي سرتم عليه ضمن عملكم للرسالة؟
قسمت الكتاب إلى قسمين، القسم الأول الدراسة، والقسم الثاني التحقيق، فأما القسم الأول فيشمل المقدمة والتمهيد وأربعة فصول، هي كالتالي، الأول التعريف بابن الفركاح، والثاني التعريف بكتاب «باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس» ووصف النسخ الخطية، الثالث حكم زيارة القبور بقصد التقرب لله بالصلاة والدعاء عندها وحكم شد الرحال إليها، الرابع تاريخ بيت المقدس قديما وحديثا، وأما القسم الثاني فهو عبارة عن كتاب ابن الفركاح بتحقيقي وتعليقي عليه، وقد جعلت في آخره فهارس فنية تخدم الكتاب وتسهله للقارئ.
دليل للزوار
ما سبب تأليف ابن الفركاح لهذه الرسالة؟
لم يذكر المؤلف سببا لتأليف الكتاب، ولا أعرف أحدا من العلماء ممن جاء بعده أنه أشار إلى هذا، ولكن أحد المستشرقين وهو «تشارلز ماثيوز» قام بعمل دراسة تحليلية حول كتابنا هذا كتبها باللغة الإنجليزية، وقد ذكر فيها أن الكتاب وضع مختصرا ليكون دليلا سهلا لزوار المسجد الأقصى والآثار الموجودة فيه، وما ذكره ماثيوز ليس ببعيد، فإن أسلوب الكتاب يدل على ذلك والله أعلم.
لكن ما منهج المؤلف الذي التزمه في تأليفه؟
المؤلف رحمه الله اتكأ على كتابين كما صرح بذلك في مقدمة كتابه، هما «فضائل بيت المقدس» لأبي المعالي المشرف المرجى بن إبراهيم المقدسي من علماء القرن الخامس، و«الجامع المستقصي في فضائل المسجد الأقصى» لبهاء الدين القاسم بن علي بن الحسن ابن العساكر الدمشقي الشافعي، وذكر أن أغلب اعتماده كان على كتاب بهاء الدين ابن العساكر، والقليل من ذلك من كتاب المشرف بن المرجى، وطريقته في هذا الكتاب أنه قسمه إلى أبواب يسوق في كل باب الأحاديث والآثار الواردة فيه مقتصرا من ذلك على ما في الكتابين السابقين من غير أن يضيف جديدا من عنده، وأكثر ما كان يأخذه من المشرف ابن المرجى دعوته لزيارة بعض البقاع والأمكنة التي يظن أن زيارتها مشروعة، كما أن المؤلف يسوق الأحاديث والآثار في هذا الكتاب من غير إسناد طلبا للاختصار، ولم يكن يتتبع الأحاديث ببيان حكمها لاسيما المنكرات والواهيات.
مآخذ على الكتاب
هل هناك أي مآخذ على الكتاب أو على المؤلف في رسالته التي حققتموها؟
وقع المؤلف رحمه الله فيما وقع فيه عامة أصحاب كتب فضائل بيت المقدس، كدعوته إلى زيارة بعض البقاع والأماكن والتزام بعض الآداب والأدعية عندها وغيرها من الأمور المبتدعة، وهذا لا شك في عدم جوازه وأنه من البدع المحدثة، وبيان ذلك من وجوه.
أولها: أن معتمد أكثر هذه العبادات المبتدعة أحاديث منكرة، والاعتماد على الأحاديث الضعيفة فضلا عن المنكرة والواهية في إحداث هذه العبادات لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله «ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة.. ولم يقل أحد من الأئمة انه يجوز ان يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع».
ثانيا: أن أكثر الآثار التي جاءت في بيان فضائل بعض الأماكن والبقاع كانت عن كعب الأحبار ووهب بن منبه ونوف البكالي وغيرهم، وهؤلاء مشهورون بالأخذ من أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية «وقد صنف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس، وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم».
ثالثا: أن هذه الزيادات المبتدعة والتعظيم المبالغ فيه لبعض الأمنكة والبقاع لم يكن عليها هدي الصحابة والتابعين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية «وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين، ولم يصل بمكان غيره ولا زاره»، ويقول في موضع آخر «وبيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين، سواء كان مولد عيسى أو لم يكن».
كلمة شكر
هل من كلمة أخيرة تختم بها هذا اللقاء الموجز؟
أود أن أشكر الله عز وجل أولا وآخرا على ما أنعم به علي، ثم أشكر بعد ذلك لوالدي الكريمين على حسن تربيتهما ودعائهما لي بالتوفيق والسداد، ثم أشكر بعد ذلك لشيخي الكريم وأستاذي الفاضل د.مبارك سيف الهاجري حفظه الله، الذي كان أول من تتلمذت عليه في علم الحديث فكان سبب محبتي له واهتمامي به، وكذلك أشكر كلا من د.وليد الكندري ود.حاكم المطيري اللذين تشرفت بمناقشتهما لرسالتي، ولا أنسى الشكر للشيخ المحقق مشهور حسن آل سلمان الذي أشار إلي بتحقيق هذه المخطوطة وزودني ببعض نسخها.