ضرب الله للمشركين مثلا برجلين، جعل الله لأحدهما جنتين، أي: بستانين من اعناب محفوفتين بالنخيل المحدق في جنباتهما، وفي خلالهما الزروع، وكل من الاشجار والزروع مثمرة مقبلة في غاية الجودة، وكان الرجلان شريكين، ثم اقتسما المال، فصار لكل واحد منهما ثلاثة آلاف دينار، فاشترى المؤمن منهما عبيدا بألف وأعتقهم، وبالألف الثانية ثيابا وكسا العراة، وبالألف الثالثة طعاما وأطعم الجياع، وبنى ايضا مساجد، وفعل خيرا كثيرا.
واما الآخر: فنكح بماله نساء ذوات يسار، واشترى دواب وبقرا فاستنتجها فنمت له نماء مفرطا، واتجر بباقيها فربح حتى فاق أهل زمانه غنى. وأدركت الأول الحاجة فأراد ان يستأجر نفسه في جنة يخدمها فقال: لو ذهبت الى شريكي وصاحبي فسألته ان يستخدمني في بعض جناته رجوت ان يكون ذلك اصلح لي، فجاء فلم يكد يصل اليه من غلظ الحجاب، فلما دخل عليه وعرفه سأله حاجته، قال: ألم أكن قاسمتك المال شطرين، فما صنعت بمالك؟
فقال: اشتريت به من الله ما هو خير وأبقى.
قال: أئنك لمن المصدقين، ما اظن الساعة قائمة، وما اراك الا سفيها، وما جزاؤك عندي على سفاهتك الا الحرمان، او ما ترى ما صنعت انا بمالي حتى آل الى ما تراه من الثروة وحسن المال؟ وذلك اني كسبت وسفهت انت، اخرج عني، ثم كان من قصة هذا الغني ما ذكره الله في القرآن من الإحاطة بثمرها وذهابها اصلا.
وقد جاءت القصة في سورة الكهف في الآيات 32 ـ 44: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه) اي: بكفره وتمرده وتجبره وانكاره المعاد ويوم القيامة، (قال ما اظن ان تبيد هذه ابدا) وذلك اغترار منه، لما رأى فيها من الزروع والثمار والاشجار والانهار المطردة في جوانبها وارجائها، ظن انها لا تفنى ولا تفرغ ولا تهلك ولا تتلف، وذلك لقلة عقله وضعف يقينه بالله، (ولئن رددت الى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) أي: ولئن كان معاد ورجعة الى الله ليكونن لي هناك أحسن من هذا الحظ عند ربي، ولولا كرامتي عليه ما أعطاني هذا.
يقول تعالى مخبرا عما اجابه به صاحبه المؤمن واعظا له وزاجرا عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار: (اكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) وهذا انكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه، وابتدأ خلق الانسان من طين وهو آدم، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين.
ولهذا قال المؤمن: (لكنا هو الله ربي): اي لكن لا اقول بمقالتك بل اعترف لله بالوحدانية والربوبية (ولا أشرك بربي أحدا) أي: بل هو الله المعبود وحده لا شريك له، ثم قال له ناصحا: (ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله ان ترن انا اقل منك مالا وولدا)، تخصيص وحث على ذلك، اي: هلا اذ اعجبتك حين دخلتها ونظرت اليها حمدت الله على ما انعم به عليك، واعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: ما شاء الله لا قوة الا بالله، ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله او ماله او ولده فليقل: ما شاء الله لا قوة الا بالله.