كتاب ومؤلف
عدنان عبدالقادر: سورة الكهف ذكرت أنواع الفتن فإذا قرأها المسلم كل جمعة فإنه يحصّن نفسه منها
كم من قارئ لسورة الكهف وناظر إلى ما احتوته من قصص بديعة لا يعرف مناسبة تسلسل تلك القصص، وكم من تال لسورة الكهف كل جمعة يبتغي نورا من الله يوم القيامة لكنه لا يدري ما علاقة السورة بنور الآخرة، وكم من حافظ لآيات سورة الكهف يرجو العصمة من فتنة الدجال لكنه لا يعلم ما علاقة السورة بالعصمة منه، تساؤلات عديدة وكثيرة تجد إجابتها أيها القارئ الكريم في الكتاب الذي حمل عنوان «من لطائف اللفظ ونواعم اللحظ في مقاصد سورة الكهف وقراءتها يوم الجمعة».
جميع الفتن التي ابتلي بها محمد صلى الله عليه وسلم أو قد يبتلى بها أي مسلم قد حوتها تلك السورة العظيمة سورة الكهف، بل قد ذكرت حلولا وعلاجات تقي المسلم العاقل من الوقوع فيها كفتنة القهر والظلم وكفتنة العجب والتيه وكفتنة السلطة والملك، فتن وطرق الوقاية منها يذكرها ويفصل فيها الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف الداعية عدنان عبدالقادر في لقائه مع «الأنباء» حول مؤلفه، وفيما يلي نص اللقاء:
حدثنا في البداية عن موضوع الكتاب؟
ان كل سورة من كتاب الله تعالى تتناول موضوعا واحدا وتغطيه من جميع جوانبه، وتعرضه بأسلوب يشوق القارئ المتدبر لما يقرأ، لذا تجده إذا ما قرأ أحدهم السورة يحار على اي موضع يقف ليركع ان كان مصليا، او يغلق الجهاز ان كان مستمعا، او يطوي المصحف ان كان خارج الصلاة لما يجد من ترابط بين الآيات، كالعقد الذي ان حللته تناثرت منه الدرر متتابعة.
واغلب سور القرآن لا تخلو من قصة، وبعضها يغلب عليها الجانب القصصي، ثم غالبا ما تجد بعد كل قصة تعليقا ينبه القارئ الى مغزى هذه القصة، من ذلك سورة الكهف التي تقرأ كل جمعة، فقد تكللت بقصص متنوعة ولطائف بلاغية جميلة يلحظها من امعن فيها فكره، وفي ذلك جهد المقل لعل الله تعالى ان يعفو عن جامعها، في كتاب أسميته «من لطائف اللفظ ونواعم اللحظ في مقاصد سورة الكهف وقراءتها يوم الجمعة».
الفتن والوقاية منها
إذن ما الموضوع الذي تدور حوله سورة الكهف؟
موضوع سورة الكهف التحذير من جميع أنواع الفتن التي ربما يتعرض لها العبد في دنياه خاصة الدعاة الى الله تعالى، وهذه الفتن 6، أولها فتنة القهر والظلم والتضييق بسبب التمسك بالدين ودعوته كما في قصة أصحاب الكهف، وفتنة حب مجالسة أهل الشرف والمال وهي في قوله تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا)، وفتنة شهوة المال والولد والنساء كما في قصة صاحب الجنتين.
وفتنة الفخر بالنسب كما في تكبر إبليس وافتخاره بأصله، وفتنة العلم كما في قصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، وأخيرا فتنة المنصب كما في قصة ذي القرنين الذي ملك مغرب الأرض، فهذه هي جميع أنواع الفتن التي قد يتعرض لها العبد في دنياه إلى قيام الساعة، ومصير من آمن واستعان بالله تعالى على الفتن جنات الفردوس.
كما هو معلوم أن من فضائل سورة الكهف عصمة الحافظ لـ 10 آيات منها من فتنة الدجال، فما السر في ذلك؟
سورة الكهف جمعت كل أنواع الفتن وذكرت كيف يتحصن العبد منها، والدجال اجتمعت فيه كل الفتن الست، فإذا قرأها المسلم كل جمعة فإنه يحصن نفسه من الافتتان به، وهكذا كل يوم جمعة يبني صرحا من عصمة الله تعالى له من فتنة الدجال، فإذا ما خرج الدجال وعرض متابعته والإيمان به على قارئ سورة الكهف فلن يُستجب له، فإذا ما ضربه وشجه وهدده بإلقائه في ناره، فإن لسان حال المسلم يقول له «كنت اقرأ سورة الكهف يوم الجمعة وقرأت فيها قصة أصحاب الكهف الذين لم يردهم القهر والظلم عن دينهم والحق الذي هم عليه، وانا كذلك بإذن الله تعالى»، وهكذا يرد عليه جميع الفتن التي يتعرض لها نتيجة قراءته لسورة الكهف وإحاطته بجميع أنواع الفتن.
الكهف يوم الجمعة
لكن ما الحكمة من قراءة سورة الكهف يوم الجمعة دون سائر الأيام؟
خروج الدجال من العلامات الكبرى لقيام الساعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم»، والساعة تقوم يوم الجمعة، إذ روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة».
وفي نهاية السورة أيضا ذكر الله تعالى قصة يأجوج ومأجوج الذين هم من علامات الساعة الكبرى كما في الحديث، فالمناسبة إذن ظاهرة بين قراءة سورة الكهف والعصمة من فتنة الدجال الذي هو من علامات الساعة الكبرى التي تقوم يوم الجمعة.
تسلسل القصص
هل من حكمة لتسلسل القصص بالترتيب المذكور في سورة الكهف والتي بدأت بقصة أصحاب الكهف ثم قصة صاحب الجنتين ثم ابليس ثم موسى والخضر عليهما السلام، ثم قصة ذي القرنين، لِم لَم تتسلسل بترتيب آخر؟
إن تسلسل القصص في السورة فيه إشارة وتنبيه لما سيحدث للنبي صلى الله عليه وسلم، قال د.احمد حسن فرحات «قصة أصحاب الكهف تشير إلى خروج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا من بلده مكة فرارا بدينه، ثم تحصل له عدة امور ظاهرها شر وحقيقتها خير كثير والإشارة اليها بقصة موسى عليه السلام، ثم يفتح الله تعالى الدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم والأمة والإشارة إليه بقصة ذي القرنين، إذ ستملك هذه الأمة المشرق والمغرب».
النور يوم القيامة
في الحديث النبوي «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين الجمعتين»، ما العلاقة بين قراءة سورة الكهف والنور يوم القيامة؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت في قلبه نكتة بيضاء، حتى تصير قلبين، أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشربه من هواه»، فإذا ما أنكر القلب الفتن التي يفتن بها من قهر وظلم وحب الانتساب إلى أهل الشرف والشهوات والمعاصي من مال ونساء، والفخر والخيلاء والتعالي بعلمه وفتن المنصب. فإن القلب يضاء فيه النور، فيصبح أبيض كالصفا، فينعكس ذلك على وجهه كما قال تعالى (الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم)، بينما المعاصي تسود القلب والوجه، وتجعله مظلما بسبب ظلمة القلب الذي امتلأ بظلمات المعاصي.
لذا فالعبد المؤمن الذي تمسك بأوامر الله تعالى واجتنب نواهيه ونجا من الفتن ولفظها قلبه فإن الله تعالى يكرمه بنور القلب والوجه في الدنيا، وبنور القبر ثم بالنور الذي يعطاه عن يمينه يوم القيامة في ارض المحشر، فمن يقرأ سورة الكهف ويعمل بما جاء فيها من التحذير من الفتن فسيكرمه الله تعالى بنور القلب ويعطى نورا يوم القيامة طوله اسبوع كامل.
قارئ للقرآن
المنصوري: مقام حافظ القرآن لا يتناسب مع الإنشاد.. وليكن همُّنا من القرآن فهمه والعمل به لا مجرد تلاوته وحفظه
أكد الإمام في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القارئ بدر المنصوري أن علامة حبنا لله وحب الله لنا إقبالنا على القرآن تلاوة وتدبرا وعملا، مشيرا إلى أن المسلم لو استشعر لذة القرآن لما فرط في مداومة النظر في القرآن الكريم والحرص على حفظه في الصدر، وأوضح أيضا أن الاستعانة بالله وقوة الإرادة وتكرار المراجعة هي أقوى الوسائل لحفظ كتاب الله، لافتا إلى أهمية العناية بالقراءة الصحيحة المجودة خاصة في بدايات الإقبال على الحفظ.
كما أوصى المنصوري في لقائه مع «الأنباء» إخوانه ممن أكرمهم الله بحفظ القرآن الكريم أن يحفظوا لحافظ وقارئ القرآن هيبته وأن يبتعدوا عن كل ما يقلل من شأنهم كبعض المباحات أو خوارم المروءة، مستنكرا انصراف بعض القراء إلى عالم الإنشاد بعدما عرفوا عند الناس بالقرآن، وفيما يلي نص الحوار:
حدثنا عن بداياتك في حفظ القرآن الكريم، ولمن ترجع الفضل في ذلك؟
الفضل لله أولا وآخرا، لكن لاشك أن للأسرة أيضا فضلا كبيرا من خلال تشجيعهم لي، ومن أخص هذه الأسباب التزام والدي بحضور الجماعة في المسجد الذي أثر في كثيرا وجعلني محبا للمسجد، حتى انني كنت في صغري كنت أحب تكرار الآيات التي يقرأها إمام المسجد، وكما يقال «من هنا تبدأ الحياة»، فمع تعلقي بالمسجد رزقت بصحبة صالحة وفي الخطوة الثانية في الهداية، ولاحظت فيها احتراما للحافظ لكتاب الله وإجلالا وتقديرا له عبر تقديمه للإمامة وغيرها، فكنت أرى حافظ القرآن بكل اعجاب ورهبة، وأتساءل في نفسي كيف له أن يحفظ القرآن العظيم كله ويحويه في صدره، ولماذا لا أكون أنا مثله؟
ثم بدأت بحضور حلقات القرآن في المساجد وعمري 13 سنة، ومن شيخ إلى شيخ، ومن طريقة إلى أخرى، أبحث عن كيفية حفظ كتاب الله حفظا متقنا، لكن دون جدى فلايزال حفظي ضعيفا رغم مروري على القرآن كله بقصد الحفظ، أحفظ الآيات ثم لا ألبث ان أنساها، وازدادت الحيرة عندي حين رأيت بعض من هم في سني حفظ القرآن كله أو نصفه بكل إتقان.
وأخيرا سقط بين يدي شريط لأحد المشايخ يشرح فيه كيفية حفظ القرآن، وكشف لي أن جميع الوسائل التي قرأتها ومارستها في حفظ القرآن إنما هي مجرد منارات في طريق الحفظ، ويبقى الأهم الاستعانة بالله والتصميم وتكرار مراجعة القرآن، ثم وفقت إلى شيخ مقرئ قال لي إرم حفظك هذا وراء ظهرك، وابدأ حفظا جديدا، فبدأت من بداية المصحف لا أزيد عن وجه في اليوم مع المراجعة، وصرت اهتم بالمراجعة اكثر من الحفظ الجديد، وصارت هذه وصيتي لزملائي من بعدي وهي أن المراجعة اولى من الحفظ الجديد، ولم اصل الى سن الـ 18 حتى ختمت الختمة الثانية المتقنة.
لكن هل حرصت على الحصول على سند أو على تعلم القراءات الأخرى للقرآن الكريم؟
الحمد لله قد حصلت على سند متصل في القرآن الكريم إلى النبي صلى الله عليه وسلم على يد الشيخ جزاع صويلح، وقبل ذلك على الشيخ عبدالحفيظ يونس من مكة المكرمة، وأما ما يتعلق بعلم القراءات فقد أقبلت على تعلم الشاطبية خاصة لما رأيت من حولي يعتني بهذا العلم الجليل، لكني اكتشفت بعد ذلك ضرورة التفرغ التام لهذا العلم لكثرة مسائله واتساع بحره، وكما يقول بعضهم «علم القراءات علم لا يقبل التشريك»، وعلم القراءات من فروض الكفاية كما هو معلوم، وقد جربته ولم اكمل.
ما رأيك فيمن يقول «أحفظ القرآن دون تجويد أولا ثم أتعلم وأطبق التجويد لا حقا»؟
هذه مشكلة، فمن حفظ القرآن ثم تعلم التجويد سيجد أن تصحيح قراءته صار أمرا صعبا، فأحيانا الأخطاء تعلق مع الإنسان ويصعب التخلص منها، فأخطائي شخصيا دائما ما يكون سببها حفظي الاول لآيات بشكل خاطئ، لذا أقول ان أهم ما في الحفظ الصحيح هي القراءة والحفظ الأول.
لذة القرآن
هل من توجيه لمن هجر تلاوة القرآن أو استثقل حفظه؟
لو أحس المسلم بلذة القرآن فلن يترك ورده من القرآن بل سيزيد فيه، ولو قرأنا القرآن بغفلة فلن نجد آثره على قلوبنا، قال عثمان بن عفان رضي الله عنه «لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم»، فالإنسان الذي يقبل على الطاعات ويترك المعاصي لا شك سيحب قراءة القرآن، فعلامة حبك لله وحب الله لك إقبالك على القرآن، ونقول لمن يجد صعوبة في البدايات أقبل على الله وجاهد نفسك في قراءة القرآن وستفتح لك الآفاق بإذن الله ويشرح الله صدرك لتلاوة كتابه وحفظه.
هل من نصيحة أو وصية تخص بها حفاظ كتاب الله؟
أول هذه الوصايا هي تحقيق الإخلاص في حفظ القرآن، «لماذا نحفظ كتاب الله؟» سؤال نوجهه لمن يستعجل في حفظ القرآن أو تلاوته، فقد كان السلف الصالح لا يتجاوزن 10 آيات حتى يتعلموها ويعملوا بها، لا يحفظ الإنسان ليقال له حافظ أو ليقدم في إمامة المصلين، كما أوصي إخواني بألا ينشغلوا بتعلم المقامات فالأصوات الجميلة تأتي من تلقاء نفسها، وإنما نحتاج للخشوع في القراءة المؤثرة.
وعلى حافظ القرآن أيضا أن يبتعد عن خوارم المروءة وعن بعض المباحات التي لا تليق بحافظ القرآن، فأنا أعجب ممن أكرمه الله بالقرآن وشرفه بحفظه وصار يعرف به كيف ينصرف إلى الإنشاد والأناشيد، فمقام القارئ لا يتناسب مع مقام المنشد، قال تعالى (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).
صفحات نوافذ الأنباء الرمضانية كاملة في ملف ( pdf )