كتاب ومؤلف
السليم: الأمة الاسلامية لم تعرف حقيقة الانحراف والتفرقة إلا بعد دخول علم الكلام حياتها
أكد د.أنور عيسى السليم على تقديم أساليب القرآن على اسلوب اليونان في الجدال والمناظرة، وأن لدى المسلمين دينا يعينهم في دعوتهم في جميع مجالاتهم عن التعلق بغيره من الأساليب الوضعية المتهاوية الكلامية المنطقية الفلسفية، مشيرا إلى أن ان الأمة الإسلامية لم تعرف حقيقة الانحراف والتفرق إلا بعد دخول علم الكلام والذي ذمه سلف الأمة الأعلام من يوم ظهوره. وأوضح السليم في لقائه مع «الأنباء» حول بحثه المنشور «الجدل في الإسلام صور وآداب» أن الإسلام لم يغفل مناهج الجدل المحمود منها والمذموم، مبينا أن الأصل في ايصال الرسالة هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتذكير بالله وحقه على عباده، فشرط الاسلام في الجدال ان يكون بالحسنى لا مجرد سفسطة الكلام، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
في البداية حدثنا عن محتوى المؤلف وعن أهمية موضوعه؟
في هذا البحث اعرض اهتمام الإسلام بقضية عظيمة يهملها الكثير من الدعاة ألا وهي الجدل، التي عرضها الاسلام عرضا وافيا بصوره وآدابه وبين مستحباته ومحرماته، وعملي في هذا البحث، ان عرفت الجدل وعرضت صورا من القرآن الكريم في جدل الرب تعالى لعباده في دعوتهم الى عبادته وابطال الكفر والشرك، وذلك في اقسام التوحيد الثلاثة من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ثم عرجت على صور من جدال الأنبياء مع أقوامهم ودعوتهم الى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ونبذ الشرك وطرقهم في اثبات توحيد الله تعالى.
والقسم الثاني من المبحث هو في الآداب العامة في الجدل، بيان ألوان الجدل مع الملوك والآباء والعلماء وطلاب العلم وتقديم أساليب القرآن على اسلوب اليونان، ومقصودي في هذا البحث ان أبين ان الإسلام لم يغفل مناهج الجدل المحمود منها او المذموم، فأعتنى بالمحمود وآمر العباد بالاعراض عن المذموم، وان الاصل في ايصال الرسالة هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وهو التذكير بالله وحقه على عباده وامر العباد بأن يخافوا عذابه ويرجو رحمته، لا ان يجادلوا ويماروا، فمن كان طالبا للمجادلة فشرط الاسلام فيها الحسنى لا السفسطة، ففي هذا البحث عرض موجز مفيد، وهذا البحث صدر ونشر في مجلة المحامي، وهي مجلة محكمة شهرية تصدر من جمعية المحامين الكويتية.
آداب الجدال
هل هناك آداب في الجدال يجب على العالم التحلي بها في مناظراته؟
ان يكون قصده في المناظرة والجدال وجه الله تعالى، بإظهار الحق وازهاق الباطل، لا للرياء والسمعة، فيكون عمله وقوله وعطاؤه ومنعه وحبه وبغضه ظاهرا وباطنا لوجه الله تعالى وحده، لا يريد بذلك العمل من الناس جزاء ولا شكورا، ولا ابتغاء الجاه والمحمدة او هربا من مذمتهم، قال الخطيب البغدادي «وليتق المفاخرة والمباهاة، والا يكون قصده الرئاسة واتخاذ الاتباع وعقد المجالس فإن الآفة الداخلة على العلماء اكثرها من هذا الوجه»، ومما يعين على استحضار الإخلاص والابتعاد عن طلب السمعة والرياء الا يكون هم صاحب الحق الجدال والمخاصمة ولا يطلبها ابتداء، ولعظم الإخلاص في العمل لله كانت الرسل تصرح لأقوامها بإخلاصهم الدين كله لله كما امر نبينا صلى الله عليه وسلم (قل الله أعبد مخلصا له ديني).
وعلى من دعي الى مجلس المجادلة ان يتحصن بالعلم، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، والعلم نور يقذفه الله في صدور العلماء، واول ما انزل الله في الكتاب (اقرأ) وأرشد الله نبيه الى العلم قبل العمل، قال تعالى (فاعلم انه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين)، وعليه أيضا ان يأتي وعليه سمة العلماء والزهاد، سئل سفيان، من الناس؟ قال العلماء، قيل من السفلة؟ قال الظلمة، قيل من الملوك؟ قال الزهاد، وعلى من يريد ان يتصدر مجلس الجدال فعليه بالورع الذي هو ترك الحرام، والقناعة بما رزقه الله فإنها كنز لا يفنى، قال الإمام ابن عبدالبر وقالوا ـ اي العلماء ـ الواجب على العالم الا يناظر جاهلا ولا لجوجا، والعالم العاقل الدين شريعته والحلم طبيعته والرأي الحسن سجيته، والنظر في حال من يناظره، فإن كان ملكا فليعرف أدب الملوك والمخاطبة بالاحترام والكلام اللين كما وجه الله تعالى موسى وهارون لفرعون الطاغية بان يقولا له «قولا لينا لعله يتذكر او يخشى»،
القرآن واليونان
لماذا يقدم أسلوب القرآن في المجادلة على أساليب اليونان؟
لأن الإسلام دين الحكمة النازل من الحكيم العليم، والحكمة عند العرب تقوم على تحديد علمي متقن، وهي النظر في الأمور بعلم وآناة وروية، وثانيا أن الله تكفل بحفظ القرآن وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وثالثا أن كل من تعلمه كان من أهل العلم والحق والصدق والعدالة، وهذا وصف العلماء الحكماء، كما قال تعالى «ويعلمهم الكتاب والحكمة»، رابعا أن الإسلام لم يهمل العقل، حيث جعل العقل مناطا للتكليف وفي الحديث «رفع القلم عن ثلاث ـ وذكر منهم ـ المجنون حتى يفيق»، كما أنه حرم كل ما يضر به كالسكر وغيره.
لكن اهل المنطق يزعمون ان المنطق هو الآلة التي تعصم من الزلل؟
هذه دعوى كاذبة لأمور، منها عدم التمييز الحقيقي بين الدليل وعدم الدليل لا في صورة الدليل ولا في مادته، كما ان اساس المنطق القول بلا علم ومثاله في الحدود والتصورات وانها لا تنال الا بحد ذاتها قضية سالبة، وكذلك فإن علم المنطق يعتمد على العلوم البديهية، وهو غير صحيح اذ ان كثيرا من العقلاء ومن العلماء لا يرون أساليب المنطق صحيحة صالحة بل لا يرون علم المنطق جملة.
وايضا فإن المنطق يفرق بين المتماثلين ويسوي بين المختلفين، وهي اصل صناعة الحدود في المنطق فتكون صناعة باطلة، وكذلك فان المنطق صناعة بشرية وضعية اصطلاحية، وليس امرا غريزيا فطريا فطر الله الناس عليه، فهو معرض للخطأ والصواب، وواضعه مشهور وهو ارسطو طاليس مشرك كافر، ومن ذلك ايضا ان المنطق من توابع الكلام الذي كان علماء السلف ينهون عنه، كما ان فساد قياسهم معلوم مشهور اذ انهم يقيسون في العقليات وتفريقهم بين التمثيل والشمول في الظن واليقين.
وان كان في هذا العلم حق، لكن لا تكمل فيه نفس ولا تنجو من عذاب ولا يحصل لها سعادة، ومقالة من تبحر فيه ندم مشهورة معلومة أمثال الشهرساني وأبي حامد الغزالي والرازي وغيرهم، واخيرا.. التطويل الممل في المنطق، وتاليه انه يؤدي بصاحبه الى قضية علمية عملية.
سبيل دعوة
هل من كلمة في نهاية اللقاء وخلاصة لهذا الكتاب والبحث؟
بحثنا «الجدل في الإسلام صور وآداب» قدمته ليعلم المسلمون ان لهم دينا يعينهم في دعوتهم في جميع مجالاتهم عن التعلق بغيره من الأساليب الوضعية المتهاوية الكلامية المنطقية الفلسفية التي ما خاتمتها الا ضياع الدين او الوقت دون فائدة علمية او دعوية، بل ان الأمة ما عرفت حقيقة الانحراف والتفرق إلا بعد دخول هذه العلوم التي سميت بعد ذلك علم الكلام، والتي ذمها سلف الأمة الاعلام من يوم ظهورها وخروجها.
وان القرآن الكريم والسنة النبوية واعتناء أئمة الدين بالدعوة إلى الله تعالى، جعل المكتبة الإسلامية غنية عن الالتفات إلى غيرها، وان فيها من علوم الجدل الإسلامي وآدابه من الفوائد الجلية ما يضيق ذكرها في مثل هذه الخاتمة القصيرة، ولكن ما عرضناه يعطي الالتفات إلى أهمية الاعتناء في هذا الباب العظيم المهمل عمليا لا علميا، وبالأخص في عالمنا هذا الذي اشتهر بمناهج الديموقراطية وحرية الكلام بلا قيود او حدود، فما قدمته ذخيرة تعين الداعية بإذن الله تعالى على ثباته واستكمال مسيرته.
قارئ للقرآن
المهلهل: حفظ القرآن اصطفاء من الله تعالى للعبد وليس هناك أفضل من تلاوة كتاب الله وتدبر آياته
أكد القارئ مهلهل جاسم المهلهل أن من أهم العوامل التي تساعد الطالب على حفظ القرآن الكريم هو أن يرزق بشيخ حافظ متقن، مشيرا إلى أهمية أن يعيش القارئ مع القرآن تدبرا واستئناسا لما حواه من بديع البيان وعظيم الأحكام.
وأوضح المهلهل في لقائه مع «الأنباء» أن حفظ المسلم لكتاب الله العزيز نعمة تستوجب الشكر، لافتا إلى ضرورة أن يتخذ القرآن منهج حياة وملاذا وحصنا وعونا على أمور الدين والدنيا.
حدثنا عن أبرز الأمور التي دفعتك لحفظ القرآن الكريم.
من أبرز الأشياء التي دفعتني لحفظ القرآن الكريم بعد توفيق الله عز وجل هي نشأتي في بيئة صالحة تحب الخير، كما كان لوالدي الشيخ جاسم المهلهل الفضل الكبير علي في توجيهي، لكني أود أن أوضح في بداية الأمر مسألة يجب أن يستشعرها المقبل على القرآن، وهي أن الله عز وجل أنزل كلامه وتكفل بحفظه، وتعبدنا بتلاوته وحفظه وتدبره، وأن يعلم أن حفظ القرآن الكريم إنما هو اصطفاء من الله تعالى، فعليه بالدعاء والتضرع إلى الله واللجوء إليه، ثم بعد ذلك اتخاذ الأسباب التي من أهمها ملازمته لمحفظ متقن متفرغ، والاستئناس والعيش مع القرآن في كل لحظات حياته، ثم ليعلم أن القرآن عزيز لولا تيسيره لنا لما خطه بنان، ولما نطق به لسان، ولما وعاه جنان، قال تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون).
التدبر والحفظ
ما رأيك فيمن يقول إن تدبر القرآن أولى من حفظه؟
إن الله تعالى امتدح حفاظ كلامه فقال (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)، وجاء في وصف أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن أناجيلهم في صدورهم لا يمسحها الماء، وحث على تدبر آيات القرآن العظيم فقال: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر)، والتحلي بأخلاق القرآن هو سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي أخبرت عنها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حيث قالت عنه: «كان خلقه القرآن»، فحفظ القرآن وتدبر معانيه والعمل بمقتضاه كلها فضائل يتسع عمر المسلم لها، مأجورا على فعلها منفردة ومجتمعة، أما المقارنة بينها بقصد الإقلال والحط من أحدها فهذا أمر خطير قد يؤدي إلى الصد والنهي عن المعروف، لأن الذي قصر في حفظه للقرآن لم يمنعه التدبر، والذي قصر في تدبر القرآن لم يمنعه الحفظ، بل هي سلسلة خيرية متكاملة، فمن حفظ تدبر، ومن تدبر أتقن العمل، والذي عمل بواحدة دخل في الخيرية، ومن جمعها فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قال صلى الله عليه وسلم «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكانت منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا».
القراءات العشر
كيف توجهت إلى القراءات العشر الكبرى؟
عن طريق وزارة الأوقاف مشكورة، فقد كانت تستضيف العلماء في شتى المجالات، وكان من بينهم فضيلة الشيخ محمد تميم الزعبي أحد أعلام هذا الفن، وكان برفقته د.ياسر المزروعي الذي دلني عليه، فشجعاني لخوض بحر علم القراءات من طريق الطيبة، ثم أقامت الأمانة العامة للأوقاف بمباركة من السيد إبراهيم الحوطي دورة دراسية استقدمت فيها فضيلة المقرئ الشيخ عبد الزراق إبراهيم موسى رحمه الله، فالتحقت بحلقته وتتلمذت على يديه علما وأدبا وخلقا وتواضعا، مما يعجز اللسان ويكل القلم عن الوفاء بحقه ورد الجميل الذي غمر به أهل الكويت، فأسندت القراءات العشر الكبرى عليه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
هل يمكن أن تحدثنا عن القراءات العشر الكبرى؟
بعد أن دونت المدونات والكتب في أوجه تلاوة القرآن الكريم عن الأئمة القراء الذين اشتهر أمرهم وذاع صيتهم كان لزاما على من أراد أن يعرض القرآن ويجمع أكثر من قراءة ورواية أن يحفظ مدونة أو كتابا بما فيه من طرق وأسانيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما يحويه كل طريق وسند من أوجه لتلاوة القرآن الكريم، حتى جاء العالم الحبر الهمام محمد بن محمد بن محمد الجزري عليه رحمات الله تترى إلى يوم الدين، فحفظ ووعى كل ما صح في زمانه عن النبي صلى الله عليه وسلم من روايات وأوجه لقراءة القرآن مع معرفة بالأسانيد ورجالها، ثم كتب ذلك كله في كتابه المشهور «النشر في القراءات العشر»، ونظمه في منظومته الشهيرة «طيبة النشر في القراءات العشر» التي حوت ألف طريق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن هناك منظومتين أخريين لهؤلاء القراء العشرة حوت إحدى وعشرين طريقا وهما «الشاطبية» للإمام ولي الله القاسم بن فيرة الشاطبي، والإمام ابن الجزري نفسه رحمهما الله سميت: الطيبة بالعشر القراءات الكبرى».
صفحات نوافذ الأنباء الرمضانية كاملة في ملف ( pdf )