كتاب ومؤلف
العتيبي: الدين الإسلامي اكتمل في حياته صلى الله عليه وسلم والتطور إنما حدث في شرح القرآن والسنة
أكد الاستاذ في كلية الشريعة بجامعة الكويت د.خالد فالح العتيبي ان اصول الاستدلال في الشريعة الاسلامية لها جذورها التاريخية في عصر الصحابة، وقد لاحظها العلماء استقراء، فعرف منهجهم الاستنباطي والقواعد الاصولية التي التزموها، فسموها بما يناسب حقيقتها ومدلولها كالمصالح المرسلة والاستحسان وسد الذرائع وغيرها من تلك المصطلحات الاصولية التي لم توجد بهذه التسمية إلا لاحقا، مشيرا الى ان تأخر تدوينها حتى القرن الثاني الهجري لا يعني ان اقضية الصحابة وفتاواهم كانت بالهوى والتشهي.
واوضح العتيبي في لقائه مع «الأنباء» حول رسالته للدكتوراه «اصول الاستدلال في عصر الصحابة» ان اصول الاستدلال التي عمل بها الصحابة هي الكتاب والسنة والاجماع والاجتهاد بالرأي، والذي كان مفهومه في عصرهم يشمل وجوها متعددة كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة والعرف، لافتا الى ان تلك الاصول انما هي قواعد اصولية صافية نقية من المباحث الكلامية، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:
في بداية اللقاء: ما اسم مؤلفكم وما موضوعه الذي تناوله في البحث؟
اسم الكتاب هو «اصول الاستدلال في عصر الصحابة تأسيس وتطبيق» وهو عبارة عن رسالة لنيل درجة الدكتوراه، وهو يعتبر محاولة جادة واسهاما متواضعا في بيان أصول الاستدلال في عصر الصحابة، وطرق اجتهادهم في استنباط الأحكام الشرعية والضوابط التي كانت تحكم صنيعهم في ذلك كله.
لكن ما أهمية موضوع الكتاب؟
أولا: ان نفوس المسلمين تغمرها المحبة لأصحاب رسول الله لأنهم امة اختارهم الله تعالى من بين الأمم لصحبة نبيه ونقل دينه، فاختصوا بشرف لا يشاركهم فيه غيرهم، فما من موضوع له صلة بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريب او بعيد الا ويكون محل عناية واهتمام لدى المسلمين.
ثانيا: ان موضوع علم اصول الفقه اصيل له سلفه، وهم الصحابة رضي الله عنهم وذلك بالنظر لمواقفهم من الوقائع التي كانت تواجههم، فكانوا في استدلالاتهم واجتهاداتهم ينطلقون من تصور للقواعد الاصولية، وكانوا يفتون بحسبها وان لم تكن مدونة في عصرهم تلك الاسس والقواعد.
إذن ما سبب اختياركم لهذا المبحث دون غيره؟
أولا: إن الكتابة فيه تسمح للباحث بإبراز أصول الاستدلال للخطة التشريعية التي سار عليها الصحابة الكرام في عصر التأسيس والتأصيل، على اعتبار ان هذه الخطة التشريعية من الأصول الفكرية العامة التي انتجت اعظم ثروة في الفكر الأصولي فيما طرأ واستجد بعد ذلك.
ثانيا: إن علم أصول الفقه قد كتبت فيه المصنفات، وشرحت، وحشيت، واختصرت فيه المختصرات، واختيرت منه الاختيارات، إلا أن هذه المصنفات قلما تنبه إلى تلك الحلقة المفقودة ـ عصر الصحابة ـ وما تضمنه من كنوز في هذا العلم.
ثالثا: بيان أصالة علم أصول الفقه بالبحث في جذوره التاريخية، ومدى صلته بالكتاب والسنة من خلال منهج الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في فهم نصوصهما، واجتهاداتهم واستنباطاتهم من خلال تشربهم اللغة العربية، وبما علموا من اسرار التشريع ومقاصده وعلله، للتحقق من أن نسبة كبيرة من الفتاوى والأقضية كانت مبينة منهم على تصور منهج للضوابط والقواعد الأصولية في عصرهم.
شبهة
لكن ما الرد العلمي الشرعي على من يزعم أن أصل الاستدلال بالقياس والاجماع إنما هو شكل من أشكال التطور بعد ان وجد المسلمون ـ على حد زعمهم ـ ثغرة لم يستطع الكتاب والسنة سدها؟
للإجابة عن إبطال ما زعموه نقول:
- 1 ـ إن الدين الإسلامي لم يكتمل في مجرى تطوره ـ كما هو شأن سائر الأديان ـ إنما هو مكتمل في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بقول الله عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، وكذلك هو مصون بضمان الله عز وجل. قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، واما التطور الذي حدث في الدين الإسلامي فإنما هو شرح وتوضيح لما ورد في القرآن والسنة.
- 2 ـ إن الإجماع والقياس قد استخدم باعتباره دليلا من الادلة الشرعية في عصر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فقد جاء الإجماع في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشهيرة إلى القاضي شريح الذي قال فيها: «فانظر ما أجمع عليه الناس»، وأيضا نجده في قول عثمان بن عفان: «اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه»، وأيضا في قول عبدالله بن مسعود: «فما أجمع عليه المسلمون»، وأما القياس فجاء في رسالة عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري لما ولاه قضاء الكوفة بقوله: «اعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور بعضها على بعض».
وهذا ما أكده شيخ الإسلام بن تيمية بقوله: «فإن الكلام في أصول الفقه وتقسيمها إلى: الكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد بالرأي، والكلام في وجه دلالة الأدلة الشرعية على الأحكام أمر معروف من زمن اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، ومن بعدهم من أئمة المسلمين، وهم كانوا أقعد بهذا الفن وغيره من فنون العلم الدينية ممن بعدهم».
نتائج
ما أهم النتائج التي انتهى إليها الباحث؟
عديدة منها:
- 1 ـ إن جل العلوم الإسلامية قد ظهرت مع الرسالة المحمدية، وإن هذه العلوم كانت فكرا في نفوس الصحابة إلا أنهم رضي الله عنهم لم يعنوا بتبويب الأبواب ورسم الفصول والتقسيمات والاصطلاحات وتقعيد القواعد، لأن الوقت لم يكن حان بعد ذلك.
- 2 ـ إن أصول الاستدلال لها جذورها التاريخية في عصر الصحابة، وقد كان الاستدلال منهم مبنيا على قواعد التزموها في اجتهاداتهم، وقد لاحظها العلماء استقراء، فعرف من خلالها منهجهم الاستنباطي، والقواعد الاصولية التي التزموها في الاستدلال، فسموها بما يناسب حقيقتها ومدلولها، كالمصالح المرسلة، والاستحسان، وشرع من قبلنا، وسد الذرائع، وغير ذلك من المصطلحات الأصولية التي لم توجد بهذه التسمية في عصر الصحابة، لكنها كانت أمورا عقلية، معانيها مرتكزة في العقول السليمة.
- 3 ـ إن تأخر تدوين أصول الاستدلال إلى القرن الثاني الهجري، لا يعني أن ما حفظ عن الصحابة من أقضية وفتاوى، كان بالهوى والتشهي، فإنهم أشد الناس حذرا من القول في دين الله بغير علم أو بهوى، بل الحق الذي لا مراء فيه أنه لا يخلو شيء من أقضيتهم وفتاويهم من الاستناد إلى أصول من أصول الاستدلال، إلا أنهم لم تكن بهم حاجة ماسة الى تدوين شيء من هذه الاصول، لكونها مستمدة من الكتاب والسنة، وقد كانوا أقدر الناس على فهم ما فيهما؛ لملازمتهم النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم طرق حكمه، وعلمهم بأسباب نزول القرآن وورود السنة، وإحاطتهم بأسرار التشريع وحكمه، ومعرفتهم باللغة وأساليبها معرفة لم يتخللها فساد.
- 4 ـ إن أصول الاستدلال في عصر الصحابة رضي الله عنهم، كانت قواعد أصولية صافية نقية من المباحث الكلامية؛ لأن منهج الصحابة في الاستدلال كان عبارة عن وضع حلول للقضايا المطروحة، لأنهم ما كانوا يجتهدون ويفتون إلا فيما وقع من المسائل، ولم يكن من دأبهم أن يرفضوا المسائل والصور ويجتهدوا في استنباط أحكامها.
هل من توصيات تود ذكرها في نهاية اللقاء؟
بعض المقترحات والتوصيات التي أرى من المناسب أن أذكرها هي كالتالي:
- 1 ـ أن تقوم دراسات تالية بالتركيز على كل أصل من أصول الاستدلال في عصر الصحابة على حدة، فتهتم دراسة بالسنة او الاجماع او الاجتهاد بالرأي وهكذا. وتعمق هذه الدراسة بالتفصيل من خلال فتاويهم وأقضيتهم والآثار المروية عنهم.
- 2 ـ أن تجمع آثار الصحابة المشهورين بالعلم والفقه والفتوى والقضاء بين الناس في مصنفات خاصة، ثم يستنبط منها منهج كل منهم على حدة في الاستدلال، ويقارن ذلك بأصول الاستدلال في المذاهب الاربعة المشهورة.
قارئ للقرآن
البراك: أفرح بدعاء الناس لي ولكون قراءتي غيرت أحوال كثيرين.. ولا أجرؤ على الرقية لأن لها أهلها وناسها
لقاؤنا اليوم مع قارئ الكويت الأول، والذي احتل الصدارة بين قراء الكويت والخليج منذ بدايته مع صغر سنه، بدأ إمامة المصلين وهو في التاسعة من عمره إبان الاحتلال الغاشم، فأخشع بتلاوته الجميلة قلوب الناس وتغيرت أحوال الكثيرين بتأثيرها، كما أم المصلين بالمسجد الكبير للمرة الأولى في العام 1994م، إنه القارئ محمد البراك الذي يتساءل الكثيرون عن سبب توقف إصداراته، ويتشوقون للصلاة خلفه في ليالي رمضان المباركة.
«الأنباء» التقت البراك الذي وعد محبيه بإصدار الختمة القرآنية المسجلة في القريب العاجل، لافتا إلى أن ابتعاده عن الساحة إنما هو نتيجة انشغاله في الدراسة الجامعية ثم بعد ذلك بدراسة الماجستير، وأوضح أن على أئمة المساجد الحرص على القراءة الخاشعة المتأنية، مشيرا إلى تفريط البعض في هذا الجانب على حساب ختم القرآن في رمضان، أسئلة وتساؤلات عديدة أجاب عنها البراك، وفيما يلي نص الحوار:
محبوك ومستمعوك يتساءلون أين محمد البراك ولماذا اختفى عن الساحة؟
هذا سؤال معتاد تكرر طرحه ما سر الاختفاء او عدم الظهور في الآونة الأخيرة؟ والإجابة باختصار أني منذ سافرت إلى السعودية للدراسة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة انقطعت عن الصلاة في المسجد الكبير، حتى أني بعد انتهاء المرحلة الجامعية التحقت مباشرة بجامعة الكويت لنيل درجة الماجستير، فالدراسة هي التي تأخذ جل وقتي حاليا، وبإذن الله حالما أنتهي منها سأرجع مباشرة لأكمل مشوار القرآن الذي كنت عليه في السابق، وأتواصل مع الناس بشكل أكبر عبر تسجيل القراءة وإخراج الإصدارات والختمة، كما أنوي التقدم لوظيفة الإمامة في أحد المساجد، لكن حاليا اهم شيء لدي هو إتمامي للدراسة، الدراسة فقط.
تأثير قراءتي
ما شعورك حين تسمع صوتك في التسجيلات الإسلامية أو وأنت سائر في الشارع والسوق؟ فمازالت أشرطتك يتداولها الناس ويستفيدون منها.
شهرة أشرطتي قد تحرجني أحيانا، فكلما صليت في مكان أو رآني البعض أشاروا إلي وقالوا هذا محمد البراك، هذا من كان يصلي وهو طفل، لكنه موقف اعتدت على سماعه، والحمد الله على هذه النعمة كون قراءتي أثرت في كثيرين أعرفهم وغيرت من حالهم إلى حال أفضل، إضافة إلى دعاء الناس المتكرر لي بالتوفيق والخير.
ما رأيك فيمن يفرط في حفظه للقرآن، ويضع القرآن في خانة الثانويات، ويقبل على مجالس العلم الأخرى؟
أهم شيء وأفضل شيء وأروع ما يكون للإنسان هو أن يحفظ كتاب الله عز وجل، ونحن هنا لا نتكلم عن الكم دون تركيز أو مداومة، فقليل دائم خير من كثير منقطع، وإنما نقول «احفظ بقدر ما تستطيع»، ولتستعن بكتب التفسير والعقيدة والفقه أو ما شابه، فالقرآن إذا حفظه الإنسان وصار في قلبه، فإن الله ينير بصيرته ويفتح له أبواب الرزق من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يعلم.
نعم مع الأسف هناك من الشباب من يتوجه إلى حلقات ودروس العلم ويهمل جانب القرآن وحفظه، وحضور مجالس العلم والذكر فيه خير عظيم ونفع كثير لكن يجب أن يكون الإنسان وسطيا معتدلا بلا إفراط ولا تفريط، فيجمع بين الأمرين،حفظ القرآن ودراسة العلوم الشرعية.
ما رأيك في بعض الأئمة الذين يحرصون على ختم القرآن في صلاتي التراويح والقيام مما يضطر بعضهم إلى القراءة بالحدر والسرعة دون تدبر وتأن؟
ليس شرطا أني أختم في رمضان القرآن كله، نعم ختم القرآن شيء فضيل وأجره كبير عند الله سبحانه وتعالى، لكن ان تقرأ ولو نصف وجه أو خمس آيات وتؤثر في الناس أفضل بكثير من القراءة السريعة بالحدر، فليكن همنا في الصلاة هو التدبر والخشوع، ولا يكون هم أحدنا ختم الجزء في الصلاة فقط، فأنا من الناس الذين يقرأون نصف وجه أو – على الاكثر - وجها كاملا في الركعة الواحدة، وأقرأ ما طاب لي من آيات الله دون التقيد بختمة.
ورد للمراجعة
ما الطريقة التي تتبعها في مراجعة حفظك للقرآن الكريم؟
في الحديث النبوي «تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو اشد تفلتا من الابل في عقلها»، فحافظ القرآن لابد له من معاهدة القرآن، ولابد له من تخصيص ورد للمراجعة لا يفرط فيه، فأنا يوميا أراجع بحدود الجزء والجزأين من القرآن الكريم، وأما عن طريقتي في المراجعة التي التزمتها فهي ألا تكون قراءتي للقرآن كمرور الكرام، إنما أقرا الوجه في المرة الأولى عن ظهر غيب، وبعدها أعيد قراءة نفس الآيات مرة ثانية لكن مع فتح المصحف حتى أرى الأخطاء التي قد أكون وقعت فيها في قراءتي الأولى، ثم أتوجه إلى الوجه الآخر من المصحف، وهذه الطريقة التي سلكتها منذ الصغر،
لا أرقي
كونك قارئا للقرآن لك شهرتك والجميع يعرفك، فهل تعاني من طلب وإلحاح الناس برقيتهم ورقية مرضاهم بالقرآن الكريم؟ أو هل فكرت أن تكون راقيا شرعيا؟
كثيرا ما يسألني البعض الرقية فأعتذر، وقد أتعبني تكرار هذا السؤال والطلب منهم، فأنا لا أجرؤ ولا أفكر أن أكون راقيا، لأن للرقية أهلها وناسها، نعم أرقي أقاربي ومن هم في محيط الأهل والأسرة كالأولاد، لكن لا أفتحها للناس عامة.
رسائل الإخاء
لقاؤك في برنامج «رسائل الإخاء» بعد الاحتلال أخذ صيتا كبيرا عند الناس وتسبب في شهرتك حدثنا عنه؟
لقائي ذلك سجلته في عام 1991، ولم يشهرني فقد ظهرت فيه عبر حلقة واحدة وانتهت وانقضت، وإنما اشتهرت بالأشرطة لا باللقاء، لكن مؤخرا ظهر اللقاء مصورا في الإنترنت مرة ثانية، وانتشر انتشارا كبيرا بمفعول اليوتيوب.
صفحات نوافذ الأنباء الرمضانية كاملة في ملف ( pdf )