فليمنج والبنسلين
ربما تكون هذه هي الغلطة التي غيرت مجرى التاريخ للأفضل، فقد استفاد العالم هنا من سوء تكنيك احد المعامل، وهو تكنيك في أسوأ درجاته يتبعه العلم في أفضل حالاته.
في شهر يوليو عام 1928 ترك عالم الميكروبيولوجيا معمله بمستشفى سانت ماري بلندن لقضاء اجازته الصيفية، وفي التسعة أيام الأخيرة من هذا الشهر، انخفضت درجة الحرارة لتصل الى 20 درجة مئوية، ما تسبب في تنشيط نمو فطر تسرب من معمل آخر في المستشفى لينفذ من خلال كسر في زجاج شباك معمل عالم الميكرتوبيولوجيا وينقض على مستعمرات البكتيريا التي تركها العالم قبل بدء اجازته.
وعند العودة لاحظ وجود بقع صفراء في مستعمرات البكتيريا التي تحللت تماما، كما اكتشف ان الفطر الذي قضى عليها من فصيلة البنيساليم ولذلك فقد سمى عالم الميكروبيولوجيا «فليمنج» المادة التي يفرزها هذا الفطر «بنسلين» وهو اول مضاد حيوي عرفته البشرية.
ولقد ادت المصادفات الناتجة عن هذا الخطأ الذي جعل المعمل غير آمن بسبب ضعف عمليات التعقيم الى هذا الاكتشاف العظيم، وذلك بأن ترك فليمنج الاطباق التي تحوي البكتيريا خارج الحضانة، وجاءت موجة البرد التي ساعدت على تكاثر الفطر الذي وجد طريقه الى البكتيريا عن طريق كسر في زجاج الشباك.
هذا ما حدث بالضبط مع الكسندر فليمنج عند اكتشاف «البنسلين».
وهكذا فقد تطايرت بعض الأتربة التي تحمل فطرا يحدث عفنا ودخلت من نافذة مفتوحة في مستشفى بلندن وسقطت في صحن زجاجي، كان فليمنج يستخدمه في اجراء احدى التجارب وكان يحتوي على «مكور عنقودي» من البكتيريا.
نظر «فيلمنج» في الصحن بالميكروسكوب جيدا، فوجد ان العفن الفطري يدمر الجراثيم والبكتيريا فتوصل هو واثنان من زملائه الى اختراع البنسلين الذي يدخل اليوم في الكثير من تركيبات الادوية التي تدخل في علاج العديد من الأمراض المستعصية.
واحدث البنسلين طفرة في عالم الطب الحديث، واستحق مكتشفوه الحصول على جائزة نوبل عام 1945.
وهكذا تمكن الكسندر فليمنج من اكتشاف العقار الجديد، وان لم يقدر له ان ينال اعتراف الدوائر الرسمية او الطبية او الشعبية الا بعد ان اثبت نجاحه في معالجة جرحى الحرب العالمية الثانية.
وكان ذلك بفضل جهود الكيميائيين الذين استطاعوا تحويل الكشف العلمي ومصادفته السعيدة الناتجة عن خطأ الى عقار دوائي مطروح في دنيا الطب والعلاج.
(من كتاب: « 100 خطأ غيرت مجرى التاريخ - بيل فاوست - ترجمة: مجدي كامل)