- فلورينسيو أفالوس أول من أبصر النور: كاد الشيطان يغلبني لكن ثقتي بالله كانت عظيمة
بين الموت والحياة لحظة امل وتشبث، ان افتقدتها هزمك اليأس وتمكن الشيطان منك وسلمك طواعية للهاوية والنهاية الحتمية، لكن ان تعلقت بـ «قشة» الامل والخلاص ـ مهما كانت هشاشتها ـ فستناضل وتحارب محاربة الفرسان متمسكا بهذا الخيط الواهي، فإن نجحت غنمت وإن فشلت فيكفيك شرف المحاولة. حكاية اغرب من الخيال شدت انتباه العالم بأسره وحظيت باهتمام وسائل الاعلام العالمية مجتمعة حيث راحت تترقب العائدين من الموت في حفرة اشبه بالقبر الكبير، ظلوا قابعين فيها 69 يوما بعد ان انهار عليهم منجم سان خوسيه في الخامس من اغسطس الماضي اثناء قيامهم بمهام تم تكليفهم بها من قبل المسؤولين. تخيل 69 يوما وانت تصارع الموت.. بينك وبين الحياة ـ وانت تحت الارض ـ 700 متر.. لا منفذ.. لا نور.. لا طاقة امل واحدة توحي اليك بالخلاص.. لكنها الارادة تسبقها ارادة الله الذي كتب النجاة لـ 33 عاملا ابصروا النور بعد ظلام دامس لاكثر من شهرين. وان كان هذا حال المحاصرين تحت الارض، فحال من هم فوقها ـ اعني المسؤولين ـ ليس بأقل تشبثا بالحياة لهم.. فكروا واجتهدوا: كيف ننقذ اخواننا وابناءنا من عمق 700 متر تحت الارض ولهم في هذه الحفرة 69 يوما؟ كبسولة عبقرية اطلقوا عليها «طائر العنقاء»، بدأت اولى مهامها من خلال احداث فتحة دائرية بتوصيل الطعام والشراب والدواء لهم، ثم بعد ذلك بدأ تطوير هذه الكبسولة وتم حفر الارض بما يناسب حجمها، وكان الحفر بعناية شديدة خوفا من ان يؤدي هذا الحفر الى هدم التراب على رؤوس العالقين ودفنهم تحته، ونجحت المحاولة العبقرية ليتم انقاذ العمال تباعا وسط فرحة عارمة منهم اولا ومن الذين كانوا ينتظرونهم بين القنوط واليأس والامل والرجاء.
فقد وصلت الى سطح الارض المجموعة الاولى من العمال الـ 33 العالقين في تشيلي. وقالت هيئة الاذاعة البريطانية «بي.بي.سي» ان الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا اشرف بنفسه على عملية الانقاذ.
وكان فلورينسيو افالوس هو اول من ابصر النور من بين العمال المحاصرين في المنجم الواقع قرب كوبيانو ليتبعه بعد حوالي ساعة زميله ماريو سيبالفيدا ومن ثم لحق بهما زميلهما الثالث خوان الانيس.
وتجري عملية الانقاذ وسط ترقب التشيليين والعالم ومتابعة واسعة من قبل وسائل الاعلام المحلية والاجنبية التي تنقل الحدث على الهواء مباشرة.
وكان الرئيس بينيرا قام باستقبال افالوس لدى خروجه من الكبسولة التي حملته الى سطح الارض فقد احتضنه في مشهد مؤثر وسط تصفيق الجماهير التي احتشدت للترحيب بالعائدين من ظلام الحصار في المنجم الذي قضوا فيه اكثر من شهرين على عمق حوالي 700 متر تحت سطح الارض.
وكانت عملية انقاذ عمال المناجم قد انطلقت بعد تأجيل دام ثلاث ساعات انزل بعدها احد اعضاء فريق الانقاذ في كبسولة الى المنجم المنهار.
كما احتضن الرئيس بينيرا ايضا شيبالفيدا لدى خروجه من الكبسولة وقد راح يقفز فرحا بعودته من الحصار تحت الارض وسط تصفيق المسؤولين وذوي العمال وأفراد طواقم الانقاذ كما لقي الانيس ترحيبا مماثلا من قبل الرئيس والجمهور.
وفي مشهد مؤثر، راح الرئيس والمسؤولون ومن حضر معهم من مواطنين يرددون النشيد الوطني التشيلي ويطلقون صيحات الابتهاج والصلوات لعودة العمال المحاصرين بسلام الى سطح الأرض.
وكانت عملية الانقاذ قد تأجلت لمدة ساعتين وذلك لاجراء المزيد من الاختبارات واستبدال الكبسولة الثقيلة نسبيا والتي كان من المقرر استخدامها في أول محاولة إنقاذ بواحدة اخف منها.
أوباما يصلي لنجاح المهمة
واعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن سعادته البالغة بخروج العديد من العالقين من المنجم ونشر البيت الأبيض بيانا لأوباما جاء فيه «أفكارنا وصلواتنا مع العمال الشجعان وعائلاتهم ومع الرجال والنساء الذين يعملون بجد لإنقاذهم».
وأضاف أوباما «بما ان عملية الإنقاذ لن تنتهي قريبا وان عملا صعبا مازال بالانتظار نصلي كي يتمكن عمال المنجم بنعمة الله من الخروج سالمين والعودة إلى عائلاتهم سريعا». وتابع «نحن فخورون أيضا بكل الأميركيين الذين يعملون مع أصدقائنا التشيليين على الأرض ويقومون بكل ما بوسعهم لعودة العمال إلى منازلهم».
الرئيس التشيلي: الأزمة أظهرت الروح الحقيقية للشعب
وهنأ رئيس تشيلي سيباستيان بينيرا مواطنيه ببدء عملية الانقاذ وسط ترقب ومتابعة واسعة.
ونقلت هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) عن بينيرا قوله إن أزمة عمال المنجم أظهرت الروح الحقيقية لشعب تشيلي، مضيفا أن العمال أظهرورا أن «تشيلي موحدة وأننا قادرون على فعل أشياء عظيمة».
تذكارات على ورق مفضض
ولم يفقد العامل ماريو سيبولفيدا رغم بقائه محاصرا في منجم منهار 69 يوما بعد حادث مأساوي وقع على عمق 652 مترا تحت سطح الارض حسه الدعابي وجلب معه لدى وصوله الى السطح بعد عملية انقاذ ناجحة حقيبة صفراء ملأها بتذكارات من صخور المنجم.
ووزع سيبولفيدا تذكاراته الصخرية التي لفها في ورق مفضض على عمال الانقاذ. وجلب البسمة والضحكة الى وجوه مئات كانوا يتابعون في قلق ولهفة عملية الانقاذ لانتشاله وانتشال 32 عاملا آخرين ظلوا محاصرين منذ أكثر من شهرين وسط الظلام في عمق المنجم في شمال تشيلي.
اشتهر سيبولفيدا بين زملائه بأنه مهرج وعلت صرخاته الفرحة وصعدت الى السطح قبل ان يخرج ضاحكا من كبسولة الانقاذ لتحيط به ضحكات أقاربه الذين كانوا ينتظرونه. وفور ان خرج من الكبسولة بدأ يوزع تذكاراته الصخرية ودس واحدة في يد الرئيس التشيلي سيباستيان بينيرا الذي احتضنه بقوة.
وغالب بينيرا الدموع حين أخذت عربة اسعاف سيبولفيدا الى مستشفى متنقل قريب لاجراء فحص طبي شامل له.
كانت ضحكات سيبولفيدا انعكاسا للروح المعنوية الصلبة التي أبداها العمال المحاصرون منذ انهيار المنجم وهو منجم للذهب والنحاس في صحراء أتاكاما في الخامس من اغسطس الماضي. لكن رغم كل هذا الضحك تحدث سيبولفيدا بصراحة عن تقلبه بين الامل واليأس وقال في مقابلة وقد احاط به افراد اسرته «كنت مع الله لكن الشيطان كان يغلبني في احيان».
وطوال محنتهم ابدى العمال المحاصرون صلابة واتحادا واستمرت حالتهم المعنوية مرتفعة لكن الاطباء يتوقعون ان يعاني البعض من الضغط لفترة طويلة بعد خروجهم الى السطح ولم شملهم مع اسرهم.
وطالب سيبولفيدا بتغييرات لحماية حقوق العمال وناشد الحضور أن يعاملوهم كعمال لا كمشاهير وقال «أرجوكم لا تعاملونا كنجوم». ويعتقد انه لعب دورا في حشد الروح المعنوية لزملائه المحاصرين وأظهرت لقطات تلفزيونية انه فعل ذلك حتى النهاية وهو يضحك من قلبه ويهرج مع زملائه قبل ان يودعهم ويدخل كبسولة الانقاذ التي رفعته الى السطح.
ولدى وصوله، عانق زوجته وأمه التي لجمت الفرحة لسانها ثم سارع بفتح حقيبة التذكارات وهو يصيح «انا طائر من الفرح» وأخذ يحتضن كل من يقابله ثم قاد الجميع في ترديد الشعار الوطني «تحيا تشيلي» و«يحيا عمال مناجم تشيلي».